عام >عام
لغة جسد الحريري قالت عنه الكثير.. فهل كان صادقاً؟
لغة جسد الحريري قالت عنه الكثير.. فهل كان صادقاً؟ ‎الثلاثاء 14 11 2017 10:28
لغة جسد الحريري قالت عنه الكثير.. فهل كان صادقاً؟


على وقع التناقضات، أطلّ رئيس الحكومة سعد الحريري عبر شاشة المستقبل في مقابلة مباشرة، أجرتها معه الزميلة بولا يعقوبيان "في دارته من الرياض". أطلّ عشية اليوم التاسع بعد الاستقالة الملتبسة، ليفك شيفراتها، فإذا به يزيد طين الشكوك بلة، ويزيد المشهد ضبابيةً، حجبت عنا رؤية المستقبل القريب منه والبعيد بشكل واضح.

فشاءت الظروف الغامضة والمفاجئة التي كانت ولا زالت تحيط باستقالة الحريري أن تجعل من إطلالته الأخيرة، إطلالة تاريخية، زرعت بعبدا حولها الشكوك قبل عرضها حتى، عندما اعتبرت أن "كل ما صدر وسيصدر عن الرئيس الحريري من مواقف أو ما سينسب إليه، موضع شكّ والتباس ولا يمكن الركون إليه أو اعتباره مواقف صادرة بملء إرادة رئيس الحكومة. نسبة للظروف الغامضة والملتبسة التي يعيش فيها رئيس مجلس الوزراء الرئيس سعد الحريري في الرياض منذ إعلان استقالته".

وحوّلت هذه الشكوك وما يدور في فلكها من غموضٍ مريب اللبنانيين إلى 4 مليون محلل سياسي ونفسي، فراحوا كلٍ من على منبره الافتراضي، يحلل حركات ونظرات الحريري، ويربطها بشكل بوليسي مع أحداث لبنان والمنطقة. ولعلّ ظهور أحدهم في "الكادر" وهو يحمل ورقةً ما للحريري، الذي شاح بنظره باتجاه الرجل المجهول، خلق بيئة مؤاتية لفيض الأقاويل التي لم تهدأ وتيرتها خلال 24 ساعة مضت على المقابلة. يضاف لذلك الدموع في عينَي الحريري التي زادت من سوريالية مشهد التشكيك على مواقع التواصل الاجتماعي.

ولكن ماذا يقول أهل الاختصاص، ماذا قالت لغة جسد الحريري عنه، وكيف يفسر علماء الجسد حركات الحريري التي شغلت بال الرأي العام اللبناني؟

في تحليل "مبدئي" لمقابلة الحريري، يؤكد الخبير في المهارات القياديّة ولغة الجسد نعيم الزين في حديثٍ لـ"ليبانون ديبايت" على أن الرئيس الحريري "ظهر منسجماً أكثر، وطبيعياً أكثر مع ذاته، ومعتقداته، مقارنةً مع أدائه خلال بيان الاستقالة" الذي تلاه في 4 تشرين الثاني الجاري. فـ"لم يكن جامداً بل كان يعبر بواسطة يديه بشكل مفتوح لا مغلق".

وأشار الزين إلى أن التناقضات في المقابلة كانت موجودة، وظهرت بعض الإشارات التي تتناقض مع إشارات الصدق الكامل في بعض الأحيان، أو إخفاء معلومات، وظهر هذا المؤشر السلبي عندما غيّر الحريري وضعية جلوسه من المتقدم إلى الرجوع للخلف، إذ كان كل الوقت يجلس بوضعية أمامية إلا عند الخوض بأحاديث معينة يعود للوراء.

أما بعض إشارات التوتر وعلامات التعب والإرهاق، فكانت واضحة عليه، "إلا أن تحليلات الكثيرين عن مظهره كان مبالغ بها بعض الشيء، علماً أنها قد تكون ناتجة عن انصدام البعض بالمضمون، أو لأن الحريري فعلاً مُنهك لأسباب لا تحددها لغة الجسد". ووضع الإكثار من شرب الماء في إطار الضغط والتوتر أيضاً، وكذلك تكرار بعض الكلمات بشكل ملحوظ مثل "النأي بالنفس، والصدمة الإيجابية".

ولفت إلى ضرورة الأخذ بعين الاعتبار أن الرئيس الحريري يقوم بمقابلة يعلم أن عدد مشاهديها لا مثيل له من قبل، ويدرك مدى وقعها وهو بحد ذاته يمثل ضغطاً عليه.كما لاحظ الزين أن الحريري تنهّد كثيراً خلال المقابلة، وهي التنهيدات التي تقول أمراً من اثنين، إما "غيمة ومضت" أو أن "الآتي أعظم"، الأمر الذي يفسّره السياق العام، إلّا أنه بدى مرتاحاً أيضاً في الوقت عينه. ومن أكثر هذه التنهيدات وضوحاً كانت تلك التي ترافقت مع إشارة يعقوبيان إلى أن المقابلة وصلت لنهايتها، وكأن "هماً تم إزاحته عن قلب الحريري بعد مرور المقابلة".

ورأى الزين أنه كان "من الطبيعي ومن المنطقي بعد كل ما حصل منذ استقالة الحريري حتى اليوم وما ترافق معها، ألا يظهر وهو مبتسم أو يضحك". وتعليقاً على الدموع التي غزت عينَي الحريري في إحدى اللحظات، لفت الزين إلى أنها "لم تكن دموع بل كان الحريري في معرض الإدلاء بمعلومة غير صادقة، وفرك عينه حتى بدَت وكأنها دموع".

حتى أن الضغط لم تسلم منه المحاوِرة (يعقوبيان) فـ"كان التلبّك واضحاً عليها، وكانت تحاول كل الوقت أن تثبت للمشاهدين بأن الحلقة مباشرة وليست مسجلة، وأنها غير مقيدة بأسئلة معينة. وليس بالضرورة أن يكون هذا الضغط وليد الظروف المحيطة بالمقابلة في السعودية بل يمكن أن يكون بسبب أهمية المقابلة وحساسيتها".

ويؤكد الزين على أن هذه الملاحظات تم التوصّل لها عبر "تحليل أولي" للمقابلة، كون التحليل التفصيلي للغة جسد الحريري في هذه المقابلة يحتاج لأكثر من مشاهدة، فـ"تحليل لغة الجسد ليس بالأمر البسيط ويجب أولاً اعتماد الموضوعية بشكل عميق وأخذ عنصر السياق بعين الاعتبار ودراسة مكثفة لكل دقيقة قبل استخلاص نتائج دقيقه".

إذاً، أخبرتنا لغة جسد الحريري عنه أنه كان مرتبكاً، قلقاً، ومتوتراً، في إطلالته الأولى بعد إعلان استقالته. ولكن هل كل ذلك كان رهبةً من المقابلة وأهميتها، أم خشيةً مما حصل أم تخوفاً مما سيحصل... أم كل هذه السيناريوهات مجتمعة؟ سؤالٌ، وحده الحريري يعرف إجابته، ووحدها الأيام المقبلة لها أن تفك رموز مقابلةٍ أراحت اللبنانيين قليلاً، ولكنها أعادت الحياة السياسية اللبنانية إلى المربّع الأول، أي النقطة صفر من البحث عن سيناريوهاتٍ جديدة للتسوية.

المصدر : ليبانون ديبايت