فلسطينيات >داخل فلسطين
الاحتلال والسرطان.. خبيثان قاومتهما "بنّا" فقهرت الأول وغدَرها الآخر
الاحتلال والسرطان.. خبيثان قاومتهما "بنّا" فقهرت الأول وغدَرها الآخر ‎الاثنين 2 04 2018 21:48
الاحتلال والسرطان.. خبيثان قاومتهما "بنّا" فقهرت الأول وغدَرها الآخر


كانت الصدمة الأكبر من إصابة ريم بنا، بالسرطان، حينما أخبرها طبيبها بأنها لم تعد قادرة على الغناء بسبب شلل أحد الحبال الصوتية، إذ شعرت حينها أن شقاء عمرها وما بنته طيلة حياتها هُدم في لحظة. خافت أن تفقد حنجرتها البارود فلا تخرج الأغاني ثائرة من بعد موت صوتها، لكنها لم تستسلم.

خضعت ريم لجراحة بالوتر حسّنت صوتها الذي لم يكن يخرج من حنجرتها، إلا أن تلك الجراحة لم تُعده لسابق عهده، فتقبلت الأمر ومضت في طريق مقاومتها لسرطان الثدي.. أبجدية ريم يقدّمها حديث خاص قبل وفاتها:

ريم ابنة الناصرة عاشت طفولة ذات قسوة لم تعرف حدوداً، لكنها لم تكن إلا دافعاً قوياً لإيقاظ ذلك الحلم الذي راودها منذ أن بدأت أمها تجلسها على كرسي وتلقي عليها قصائد درويش. حلم النصرة لوطنٍ احتل وسرقت أرضه دون شفيع. يومها قررت أن تجعل من صوتها سلاحاً في وجه "إسرائيل".

كبر الحلم بعد مشاركتها في إحدى الحفلات المدرسية، حينما أعجب أستاذ موسيقى بصوتها، وأخبر أمها أن ابنتها تمتلك خامة صوت جيدة وعليها الاهتمام بها، وبعد عامين صار لها نشاطات خارج إطار المدرسة، كمشاركتها في إحياء مهرجانات وطنية، ومن ثم صارت أمها توليها اهتماماً خاصا وتشجعها على المضي في مسيرة الموسيقى والفن التي استمرت طوال فترة دراستها.

بعد حصولها على شهادة الثانوية العامة، حصلت ريم على منحتين دراسيتين لدراسة الموسيقى، واحدة للدراسة بأميركا والثانية بالاتحاد السوفيتي، ولكنها رفضت الأميريكة وكانت مغرية جداً، واختارت منحة الاتحاد السوفيتي، وهناك ارتطمت بأول خيبات الأمل، فقد ذهبت إلى روسيا دون أن يكون لديها خلفية عن أي من مبادئ وأسس تعلّم الموسيقى بينما كل زملائها من المحترفين بالغناء، وكان عليها اجتياز امتحان دخول للجامعة، فمثلت أمام لجنة ومحكّمين أبدوا عدم رضاهم عن أدائها. أثار ذلك غضبها، لتردّ عليهم: تركتُ بلدي المحتل وجئت لأتعلم هنا، فليس لدينا أي معاهد موسيقية في فلسطين، إما أن تعلموني أو سأخرج من هنا بلا عودة، وكانت عيناها تحصر دموع القهر، لتأتيها نجدة  من نائب المعهد الذي قرر مساعدتها حتى وقفت على قدميها، وأثبتت نجاحها بعد مشاركتها في حفلات موسيقية بروسيا.

لم تلبث ريم أن شعرت بصدى جهودها حتى التقت بمحمود درويش عندما طلب منها القائمون على كيانٍ موسيقي الوقوف على خشبة مسرح وغناء قصيدتين من قصائده بحضوره. لم تصدق ما وصلت إليه من نجاح إلا بتلك الصورة التي التقطت لدرويش وهو يبكي تأثراً بصوتها، وكلمات القصيدة "أحنّ إلى خبز أمي"، وواصلت هناك طريقها، حتى أصدرت ألبومين من الغناء: جفرا، ودموعك يا أمي.

خلال دراستها في المعهد تعرفت على شاب فلسطيني كان يدرس الموسيقى، وعملا سوياً ثم تزوجت منه بعد التخرج، وصارا يشاركان بالعمل كثنائي في المهرجانات والأمسيات الغنائية في أكثر من بلد.." كان لكل أمسية رسالة ومضمون هدفها أن يُرفع اسم فلسطين بكل مكان لإيصال حقيقة معاناة الشعب".. قالت ريم.

شعرت ريم بخطر المقاومة بالغناء من خلال مشاركتها في نشاطات فنية في النرويج - وكان حينها بلداً مسانداً "لإسرائيل" بشكل كبير- إذ كان لها عمل فني ضمن مهرجان، يتمثل في أداء مسرحية غنائية بعنوان "أنغامي عبر الجدران الفاصلة"، فأثارت المسرحية ضجة كبيرة في النرويج، تلقت والفريق على إثرها تهديدات من اللوبي الصهيوني عبر القائمين على المهرجان، كما تلقت تهديدات مشابهة في السويد.

واصلت الغناء رغم التهديدات، واستمرت في مسيرتها فكان لها مشاركات في دول عربية منها: لبنان. سوريا، والجزائر التي جمعتها بالمناضلة جميلة بوحيرد في حفلة غنائية، بعدما وجدتها بين الحضور تستمع إليها بفرحٍ، وبعد انتهاء الحفلة جلست معها وقتاً قصيراً، وأطلقت عليها لقب: جميلة بوحيرد فلسطين".

بعد عودتها إلى فلسطين، استمرت ريم في إحياء الحفلات الغنائية، وكوّنت أسرة، فأنجبت بيلسان، والتوأمان: قمران وأورسالم، الذين أسمتهم تشبهاً بأسماء مدن فلسطينية، ولكن "الخبيث" نزع استقرارها في عام 2009، بعدما اكتشف الأطباء إصابتها به، فكانت أولى شرارته انفصالها عن زوجها لاختلاف نظام الحياة بعد المرض، لتقرر البقاء مع أبنائها وكانوا مركز حياتها.

لم يقتل الخبيث طموح ريم، فحاولت التأقلم على نمط الحياة الجديد، واتجهت للعمل بالمطرزات اليدوية، ثم شاركت في محتوىAj+ عبر برنامج (خاطرة في القاطرة)، وفي ذات الوقت لم تتوقف عن التصدي للمرض بالعلاج الكيماوي.

بوتيرة متسارعة تمكّن المرض من جسدها، ولكنها أصرّت على أنه ضيف عليه ولابد أن يغادره، فرفضت الاستسلام وبقيت تتنقل بين بلدها وألمانيا لتلقي العلاج، ولم تكن تعلم أن الموت بات أقرب لها من أي شيء آخر، فداهمها الموت بعد تسع سنوات من المقاومة الجسدية.

المصدر : وكالات