فلسطينيات >داخل فلسطين
الطائرات الورقية الحارقة: "حصان طروادة" فلسطيني من غزة
الطائرات الورقية الحارقة: "حصان طروادة" فلسطيني من غزة ‎الجمعة 6 07 2018 00:11
الطائرات الورقية الحارقة: "حصان طروادة" فلسطيني من غزة

جنوبيات

تبدو إسرائيل، الدولة التي لديها أقوى جيش في المنطقة ولا تنفك تتحدث عن تفوقها العسكري وتلوح بترسانتها النووية، كأنها عاجزة أمام الطائرات الورقية الحارقة التي، في ظروف طبيعية، يتلهى الفتية في صنعها، من قضبان خشبية رفيعة وصغيرة وقطعة ورق وخيط، وإطلاقها في الهواء عند السياج الأمني، بعد إضافة المواد الحارقة إليها. ويطلق هذه الطائرات الورقية مجموعات من الفتية، يظهر أنها لم تعد تثق بسلاح الفصائل، من صواريخ وبنادق وغيرها، والتي ترد عليها دولة الاحتلال بغارات جوية وقصف مدفعي يحدث دمارا هائلا. لكن يبقى الأهم من ذلك، أن الحصار الإسرائيلي الإجرامي لقطاع غزة، حيث تُقطع الكهرباء معظم ساعات النهار والمياه ليست صالحة للاستخدام البشري، إضافة إلى النقص في المواد الغذائية والبطالة والعيش في أكبر سجن في العالم، كل هذا، يدفع الفلسطينيين، وحتى الأولاد بينهم، إلى ابتكار أساليب لمواجهة دولة الاحتلال وإلحاق الأضرار بها. حتى أن أحد الجنرالات الإسرائيليين وصف هذه الطائرات الحارقة بأنها أشبه بـ"حصان طروادة" فلسطيني. لكن إسرائيل، لا تبدو عاجزة فقط أمام مجموعات الفتية الفلسطينيين الذين يطلقون الطائرات الورقية الحارقة، وإنما لا تعرف كيف تتصرف إزاء "هجمة" هؤلاء الفتية، وقررت اختيار الطريق الأسهل وأن تتهم حماس بأنها تحرق المزروعات والأحراش داخل "الخط الأخضر" في جنوب البلاد. ووفقا لتقارير واردة من قطاع غزة، فإن مجموعات الفتية الذين يطلقون هذه الطائرات الورقية تطلق على نفسها أسماء مثل "أحفاد الزواري"، نسبة إلى مهندس الطيران التونسي الذي طور طائرات بدون طيار لصالح حماس، محمد الزواري، الذي اغتالته إسرائيل مؤخرا. وهناك مجموعة ثانية تطلق على نفسها "وحدة الطائرات الورقية". دعوى إسرائيلية إلى محكمة لاهاي: الطائرات الورقية تحدٍ أمني يعتزم "كيرن كييمت ليسرائيل" (الصندوق الدائم لإسرائيل) تقديم دعوى قضائية ضد "حكومة حماس" في غزة إلى المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي، ومطالبتها بدفع تعويضات على الاضرار التي تسببت بها الحرائق جراء إطلاق الطائرات الورقية الحارقة من قطاع غزة وأشعلت النيران في آلاف الدونمات الزراعية والحرشية في جنوب إسرائيل، حسبما ذكرت وسائل إعلام إسرائيلية اليوم، الخميس. وقال مدير منطقة الجنوب في "كيرن كييمت"، داني غيغي، "إننا نجمع كافة المعطيات للاضرار والتكاليف المباشرة وغير المباشرة وقررنا رفع دعوى قضائية ضد حركة حماس في المحكمة الدولية في لاعاي جراء الأضرار التي لحقت بالحيوانات وبالبيئة النباتية أيضا". وبحسب غيغي، فإن "الطائرات الورقية حلقت حتى اليوم إلى مسافة خمسة كيلومترات داخل دولة إسرائيل والأضرار هناك هائلة، ويصل حجمها إلى 8500 دونم من أصل 21 ألف دونم لحقت بها الأضرار". وتندلع عشرات الحرائق يوميا في أراضي البلدات الإسرائيلية المحاذية للسياج الأمني المحيط بالقطاع، بفعل سقوط الطائرات الورقية هناك. وأحيانا يتم إطلاق بالونات تحمل المواد المشتعلة. واعتبر المفتش العام للشرطة الإسرائيلية، روني ألشيخ، خلال جولة في جنوب البلاد، أول من أمس، أن "هذه الطائرات الحارقة تُطلق من قطاع غزة بهدف المس بمواطني إسرائيل وقوات الأمن وتشكل تحديا أمنيا. وبالنسبة لنا، الحديث يدور عن إرهاب بكل معنى الكلمة، حتى لو أنه ينفذ من خلال استخدام نساء وأولاد". الطائرات الورقية لم تلحق أضرارا جسدية. وقال ألشيخ إنه "من جهة، الأضرار كبيرة، لكن لسعادتنا لا توجد أضرار بالأنفس حتى الآن". إلا أنه اعتبر أن "الفارق بين المعجزة والكارثة رفيع جدا كشعرة، ومهمتنا سوية مع أجهزة الأمن والطوارئ والإنقاذ، هي محاولة الدفاع عن مواطنينا وتقليص الخطر على حياتهم وأملاكهم بقدر الإمكان. ما يأتي من الجو ليس ضمن مسؤوليتنا، ولكن منذ اللحظة التي يصل فيها إلى الأرض، وما يحدد النتيجة هو معالجة حرفية وآمنة لخبراء متفجرات الشرطة... يجب تفعيل كافة الأدوات الموجودة بأيدينا وبالشرطة الجماهيرية والإعلام". وتدل أقوال ألشيخ هذه على أن التعامل مع الطائرات الورقية هذه كأنها حرب تخوضها جهات قوية ضد إسرائيل. وقال رئيس لجنة الخارجية والأمن التابعة للكنيست، آفي ديختر، وهو رئيس جهاز الأمن العام الإسرائيلي (الشاباك) الأسبق، لدى تطرقه إلى الطائرات الورقية، إن "إسرائيل ستجد الطريقة لوقف هذا، حتى لو كانت شن عملية عسكرية أخرى". جيل جديد من البالونات الحارقة رصد عاملون في "كيرن كييمت"، أمس، نوعا جديدا من الأجسام الحارقة التي تحلق من قطاع غزة باتجاه الحقول في جنوب إسرائيل، وهو عبارة عن مجموعة بالونات مربوطة ببعضها وتحمل ماسورة لها جناحان. وبحسب تقارير إسرائيلية، فإن هذا الابتكار الفلسطيني الجديد يسمح بتحليق البالونات التي تحمل الماسورة المحشوة بمادة حارقة إلى مسافة أطول من الطائرات الورقية أو البالونات العادية. "الجيل الجديد" ووصف الإعلام الإسرائيلي هذه البالونات والماسورة بأنها "الجيل الجديد من البالونات الحارقة". وقد رصد العاملون في "كيرن كييمت" هذا النوع الجديد من الأجسام الطائرة المخترعة في القطاع، اثناء مساعدتهم لطواقم إطفاء في إخماد حرائق اندلعت جراء سقوط طائرات وبالونات حارقة، وأتت على عشرات الدونمات. من جهة ثانية، وضعت وزارة حماية البيئة الإسرائيلية سيارة متجولة لمراقبة جودة الأجواء في البلدات المحيطة بقطاع غزة، بسبب الحرائق الآخذة بالتساع. ووضعت الوزارة سيارة المراقبة هذه في كيبوتس "كيسوفيم" المحاذي للسياج الأمني في أعقاب مطالبة سكان الكيبوتس. ويتوقع أن تنتقل هذه السيارة بين البلدات الإسرائيلية في تلك المنطقة. وكان وزير الأمن الإسرائيلي، أفيغدور ليبرمان، وفي مفارقة لافتة، قد تطرق إلى الطائرات الورقية الحارقة أثناء زيارته إلى الصناعات الجوية العسكرية الإسرائيلية، الشهر الماضي. وقال ليبرمان إنه "إذا كان أحد يعتقد أنه بالإمكان الاستمرار في روتين الطائرات الورقية والحرائق اليومية فإنه مخطئ". لكن نشاط الطائرات الورقية والبالونات الحارقة مستمر منذ الخامس من حزيران/يونيو الفائت، عندما أحيا الفلسطينيون في القطاع ذكرى النكسة، استمرار لفعاليات مسيرة العودة الكبرى، على طول السياج الأمني المحيط بالقطاع. ولم تتمكن إسرائيل من وقف هذه العمليات رغم استخدام طائرات مسيرة لإسقاط الطائرات الورقية والبالونات. "تراجع روح الجيش الإسرائيلي" استهزأ الباحث في مركز بيغن – السادات في جامعة بار إيلان، اللواء في الاحتياط غرشون هكوهين، بحديث المسؤولين الإسرائيليين عن اختراع وسائل تكنولوجية لمحاربة الطائرات والبالونات الحارقة. وكتب هكوهين في موقع المركز الالكتروني، اليوم، تعليقا بعنوان "قيود التفوق التكنولوجي"، أنه "حتى مقابل تهديد بسيط ومبتكر مثل طائرة وبالون حارق يتوسل جهاز الأمن الإسرائيلي لخلاص تكنولوجي". لكن هكوهين أشار إلى أن "ظاهرة الحرب، مثل ألعاب المونديال أيضا، تظهر إلى أي مدى لا تزال المعطيات الجسدية متعلقة بالأساس بروح الإنسان". وأعطى هكوهين مثلا من الأساطير الإغريقية، شبّه فيه الطائرات والبالونات الحارقة بحصان طروادة، مشيرا إلى أن "الانتصار في حرب طروادة، بعد عشر سنوات من القتال، حققه اليونانيون بخدعة الحصان الطروادي. ووفقا للأسطورة، فإن مصدر الإخفاق لم يكن بعدم وجود تكنولوجيا وإنما بترجيح رأي ينطوي على خلل. فقد كررت ابنة الملك، كسندرا، التحذير من الخطر الكامن في حصان خشبي. لكن خلال هتافات الحشد والنشوة بانتهاء الحرب كما خُيل لهم، لم يستمع إليها أحد". وأضاف هكوهين أنه "يوجد جانب مهدئ بالاعتماد على التكنولوجيا ويعفي من الحاجة إلى ضرورة اليقظة الشخصية وحيلة ومسؤولية المقاتلين والمواطنين. وكأنهم يتغلبون على المصادفة غير المسيطر عليها لظاهرة الريح التي كانت مقلقة دائما في أوقات الأزمات والحروب". ويرى هكوهين أن أداء الجيش الإسرائيلي وروحه القتالية تراجعت، وباتت لا تعتمد على القدرة البشرية. "لم تكن روح الجيش الإسرائيلي هكذا في العقود الأولى لتأسيسه. لقد تم تشخيصها جيدا من جانب أعدائه عندما فسروا هزيمة الجيوش العربية في حرب الأيام الستة (1967)، كأقوال يوسف القرضاوي، أحد الزعماء الروحيين للإخوان المسلمين: ’العودة إلى الإيمان ورفع راية الجهات ضروري خاصة في النضال ضد الصهيونية العالمية، لأن الصهاينة يسلحون جنودهم بإيمان ديني والأحلام الدينية’. وبالإمكان مناقشته على التشخيص، لكن أقواله تعبر عن الصورة السائدة حيال مصدر قوة الجيش الإسرائيلي". وتابع أنه "في نهاية القرن العشرين، مع تطور الثورة التكنولوجية في النواحي العسكرية، نشأ تقاطع طرق. واختار جهاز الأسرائيلي ’استنفاذ حقول التفوق التكنولوجي’. وفي المقابل، اختار حزب الله وحماس تعززيز التضحية والإيمان. وفي نهاية حرب لبنان الثانية، تفاخر (أمين عام حزب الله حسن) نصر اللهلمقاتليه: ’المواجهات الدائرة الآن تفاجئ الإسرائيليين من ناحية العامل البشري... لقد اكتشفوا أنهم يحاربون رجالا لديهم إيمان، إرادة، بطولة، مواظبة واستعداد للتضحية’". وخلص هكوهين إلى أنه "في هذه الظروف، على الجيش الإسرائيلي وجهاز الأمن في إسرائيل استيضاح ما إذا كانوا بحالة تعلق زائد ثقافيا وعقليا بغلاف دعم تكنولوجي. ليس لأن هنالك سبب للتحفظ من استنفاذ التكنولوجي العليا، وإنما لأن التكنولوجيا بحد ذاتها، وبكل إنجازاتها، لا تضمن حسما ونصرا".