عام >عام
قصة مؤثرة حقيقية: عندما تهزّ "كتلة سرطانية" حياة امرأة!
قصة مؤثرة حقيقية: عندما تهزّ "كتلة سرطانية" حياة امرأة! ‎الخميس 18 10 2018 22:15
قصة مؤثرة حقيقية: عندما تهزّ "كتلة سرطانية" حياة امرأة!

جنوبيات

"لم يكن غروب يوم 13 آب من العام 2017 كغيره من الأيام. في ذلك النهار، قادتني حساسية جلدية إلى مركز الأشعة في أحد المستشفيات. في بادئ الأمر، ظننت أنها "عرضية"، لكنّ الهدف هو الإطمئنان. بالنسبة لي، كانت نتيجة الفحوصات محسومة: حساسية اعتيادية وتنتهي باستخدام بعض المراهم.

في تلك المستشفى، دخلتُ غرفة الأشعة. لا أنكرُ أنني كنتُ أشعرُ بالقليل من القلق، ومع ذلك فإنّي كنتُ أملك الثقة بأن هذه الحساسية هي عادية جداً. غير أنه وفي لحظة من اللحظات، تبدّدت هذه الثقة، عندما وقعت على مسامعي كلماتٌ ثقيلةٌ جداً: "ربّما العناية الإلهية أرادت لك هذه الحساسية الجلدية لتكتشفي الورم".

 
كتلة سرطانية!

بكل برودة أعصاب وقساوة، قالت طبيبة الأعصاب جملتها: "الأشعة أظهرت كتلة، ومن المرجح أنها سرطانية". هذه الجملة جعلتني في اللحظة نفسها، أستجمع كل مشاعر الغضب والحزن والكرهِ ضدّها. لا أنكرُ أنّ طبيبة الأشعة هذه، تحوّلت بالنسبة لي إلى عدوٍّ يحاول تدميري بحقيقةٍ وواقعٍ ملموس لا مفرّ منه.

لائحة الفحوصات الطبية توالت، منها الشعاعية والمغناطيسية. كلّها لم تبدد "الكتلة السوداء" التي ظهرت في صورة الموجات فوق الصوتية، ولم تلغِ في دربها الكم الهائل من الهواجس والأسئلة التي أحكمت سيطرتها عليَّ: هل هذه الكتلة السوداء سرطاناً؟ هل أنا مصابة بسرطان الثدي؟ ما هي فرص نجاتي؟

ومع هذه الأسئلة، كانت هناك إجابة وحيدة مدّتني بالأمل يومها، حينما طلبت مني الطبيبة الخضوع لخزعة لتحديد ماهية الكتلة ونوعها، وتحديد كيفية علاجها.

 

 صورةٌ وسؤال.. هل سأعود إلى الحياة؟

في ذلك اليوم، خرجتُ من المستشفى بورقةٍ تثبت "شبهة" إصابتي بـ60% بسرطان الثدي، إلى حين تحديد موعد الخزعة وقطع الشك باليقين. أمّا وجهتي التالية فكانت سيارتي المركونة في موقف المستشفى. أذكر حينها أني جلستُ حوالى الـ30 دقيقة داخل السيارة، محاولةً إقناع نفسي بأن ما جرى قبل دقائق في المستشفى كان محضَ كابوسٍ. ورغم ذلك، كان الواقع هو الأقوى، والورقة بينَ يديَّ كانت أكبر إثباتٍ على محاولاتي الفاشلة. في تلك اللحظات، كانت أمامي صورة واحدة لا غير: نظرة أولادي لي بعد مباشرتي بالعلاج المفترض. ومع هذه الصورة، كان السؤال الأبرز الذي سيطر على كلّ أفكاري: هل سأستطيع الشفاء والعودة إلى حياتي؟

 
حتماً، كلّ قوتي وصلابتي التي لطالما تمتعتُ بهما، انهارت في لحظةٍ وحدة. تحولتُ في ثوانٍ إلى إنسان يستجدي الوقت، مجرّد الوقت. أضحيت امرأةً من دون أي طموحات ولا تمنيات ولا مستقبل. بتُّ مجرّد امرأةٍ تحملُ مرض السرطان، وتستعدُ لدخول مرحلة "كفاحٍ"، بالتأكيد ستكون خاسرة.

وحدهن من يعانين من السرطان يستطعن فهم ثقل ومشقة الأيام التي تفصل بين أيام التشخيص الأولي والموعد المحدّد للخزعة. نقاشات منفردة و مزدوجة، آلاف التساؤلات عن إمكانية نجاح العلاج، عن مدى انتشار المرض و مدى خطورته، عن المستقبل، عن الأولاد، عن العمل.. أسئلة من دون اي اجابات، لا بل تتعقد أكثر في ظل انتظار طويل و قاتل أكثر من السرطان نفسه.

 

 

 "الأمل" في طبيبة.. ولكن؟

3 أيام مضت بساعاتها الطويلة ولياليها السوداء. فيها، بذلتُ جهداً كبيراً للاستمرار بحياتي الطبيعية. أردتُ أن أبقى تلك الإنسانة القوية في محيطها، والتي لم ترتمِ بعد فريسة سهلة للمرض.

في يوم الأحد 17 أيلول، كان موعد "المواجهة مع مصيرٍ محتوم. أعترف بأني لم يكن لديّ القوة الكافية لقيادة سيارتي والذهاب إلى موعدي عند طبيبة جديدة، أرشدتني إليها زميلتي في العمل.

وصلتُ إلى عيادة تلك الطبيبة، والإنهيارُ كان واضحاً عليَّ، ومن السهل أن يلاحظه أيُّ أحد. في غرفتها، اطلعت الطبيبة على الفحوصات المخبرية، دققت بصور الموجات فوق الصوتية وصور الأشعة وأخضعتني لفحصٍ دقيق. نعم، لقد منحتني هذه الطبيبة كل الوقت، وأعطتني "جرعةً" من التطمينات، والكثير من الدعم المعنوي. أكادُ أجزم أنه أقوى ما شعرتُ به منذ لحظة التشخيص الأول.

هذه الطبيبة كان أملي الوحيد في لحظاتها، وعكس كلّ من التقيتهم من أطباء. إنها تختزن كمّاً هائلاً من الإهتمام والإيجابية.. نعم كنت بأمسِّ الحاجة إليها، لأنّها منحتني بإيجابيتها بارقة أملٍ، محاولة برهنة أنّ ما أشكو منه ليس سرطاناً.

 
ومع لحظات الأمل كان المزيد. أخضعتني هذه الطبيبة للكثير من الفحوصات والإختبارات، ووصلت إلى حدود إجراء خزعة كان هدفها التأكد من صحة النتائج التي ظهرت معها، والتي تعارض جملة وتفصيلاً التشخيص الأولي، والذي أثبت وجود ورمٍ في الثدي.

 
وبالفعل، تمّ التأكد وبعد نحو 10 أيام من خلال سلسلة فحوصات، أنّ التشخيص الأولي لم يكن دقيقاً لترسم رسالة الإطمئنان القصيرة التي تلقيتها من الطبيبة، مرحلةً جديدة في حياتي.

هي لحظةٌ راجعت فيها كل تفاصيل ما حصل. تفاصيلٌ قد لا تُقارن بمعاناة مرضى السرطان الذين يقرأون هذا المقال الآن، وهم لا يحتاجون مقالاً من هنا ولا حملة دعم من هناك، فهم أقوى بكثيرٍ مما أستطيع التخيل.

 
تفاصيل كانت كافية كي أدرك كمْ هي مهمة هذه اللحظة و الرسالة والكلمة عند مريضة السرطان التي قد تبدل فيها مصيرها. أدركت كم هي عزيزة هذه الحياة وأهمية أن نحافظ عليها بالوقاية والمتابعة الطبية، والأهم من كل ذلك أدركت اهمية لجم هذا السرطان من التسلل الى روحنا و عقولنا و خنقها  قبل تسلله الى جسدنا".