لبنانيات >أخبار لبنانية
الهاربون الى الصمت
الهاربون الى الصمت ‎الخميس 14 02 2019 11:14
الهاربون الى الصمت

جنوبيات

بدا سمير جعجع في نسخته الجديدة أقرب ما يكون إلى ناسك أو راهب منه إلى سياسي أو زعيم. ليس ثمة حقيبة حقيرة بل أناسٌ حقيرون. قالها الرجل وهو يوّدع صغائر النفوس والنصوص ويهرب من عبثية العابثين وصراخ اللاهثين نحو ما يشبه الصبر والصمت والترّفع. وهي صفات يستقيها من نصر الله صفير. تلك الهامة التي سيكتب التاريخ أن دويّ صمتها كان أشد وطئًا من عصف عاصفة أو نواة زلزال.

يهرب سمير جعجع إلى الصمت في زمن الفجور. يهرب وهو يدرك أن البلد، كل البلد، بات يبحث عن قادة تاريخيين لا عن زعامات مرحلية أو شذاذ آفاق. فالإرث، على ما يقول سمير عطاالله وهو يُدلي بدلوه في النزاع الماروني: بناءٌ تاريخي طويل، لا يفيده الاستعجال في شيء. والذي بنى صورة جعجع لدى عموم اللبنانيين لم يكن شرق صيدا ولا حرب الجبل، بل 11 عامًا أمضاها الرجل مُصليًا في زنزانة، وقد اكتشف خلالها أن الزنزانة الأكثر شقاءً هي زنزانة النفس.

ماذا يعني أن نفقد القادة في لبنان؟ وماذا يعني أن يتحول الجميع إلى أشباح أو أصنام يبحثون عن أي فتات يسدون به رمقهم، من رئاسة الجمهورية مرورًا برئاسة الحكومة وصولاً إلى تناتش الحقائب وتوزيع الحصص واقتسام المغانم؟ ماذا يعني كل هذا في بلد بات يعيش على الفضلات. لا سياسة ولا قضية ولا قيم. يبحثون عن انتصارات وهمية في مسارح الشعبويات الرخيصة، ويريدون لنا أن نصدّق بأن ما أبرموه ويبرموه من صفقات معيبة ومهينة، يرقى إلى تسوية سياسية تاريخية مكتملة الأوصاف والعناصر.

يصمت سمير جعجع، ونحن معه في صفوف الصامتين. ننتظر برهبة ووجع جثث أولئك الذين لم يتعبوا من إعادة انتاج التاريخ وهم يظنون بأن النتائج ستكون مختلفة.