لبنانيات >أخبار لبنانية
موازنة غب الطلب.. وأفق المنازلة العسكرية
موازنة غب الطلب.. وأفق المنازلة العسكرية ‎الأحد 12 05 2019 15:20
موازنة غب الطلب.. وأفق المنازلة العسكرية

جنوبيات

مما لا شك فيه أن ما جرى داخل أروقة السراي خلال جلسة مجلس الوزراء يوم الجمعة يمس ويضرب حقوق المواطنين بشكل عام والعسكريين بشكل خاص، فضلاً عن منهجية العمل المؤسسساتي المفترض أن تكون مبنية على التخطيط الاستراتيجي وتحليل وتقييم المخاطر. 

وفيما أخد العسكريون المتقاعدون استراحة المحارب يوم أمس، فإن تحركهم سيعود يوم غد الاثنين ليشمل كل المناطق اللبنانية، في تصعيد سيبقى مستمراً إلى حين تحقيق مطالبهم قبل نشر الموازنة في الجريدة الرسمية. 

وتأسيسا على ما تقدم، فإن تحركات العسكريين المتقاعدين ستواكب جلسات مجلس الوزراء، وتالياً جلسات مجلس النواب، بهدف سحب كل المواد المتعلقة بالمؤسسات الأمنية والمواد المتصلة بهم من فذلكة الموازنة وتكليف لجنة على مستوى وزارة الدفاع لدراستها خاصة وأن هذه المواد التي أقرت تندرج كما يقول أبو معشر ضمن شقين: 
الشق الأول يتعلق بالمواد التي أقرت والمتعلقة بالمؤسسات الامنية ككل كوقف التطويع وتأجيل التسريح ووقف التدبير رقم 3 وخفض الاعتمادات المخصصة للمنح المدرسية والطبابة وغيرها من المواد، وهي من دون شك ستضرب فعالية المؤسسات الأمنية وقدرتها على تنفيذ مهامها بنجاح، كما ستضرب معنويات العسكريين الذين يشعرون أن أمنهم الاجتماعي سيكون مهدداً. فالاجراءات سوف تؤدي إلى تدني مستوى الخدمات الاجتماعية والطبابة التي توفرها المؤسسة لعسكرييها وعائلاتهم وذلك بسبب خفض الاعتمادات المخصصة لها.

اما الشق الثاني فيتصل  بثلاث مواد أقرت وتضرب حقوق العسكريين المتقاعدين وهي : 
المادة 55 وتقول بفرض ضريبة مقدارها 3% بدل طبابة على العسكريين المتقاعدين حصراُ وبحجة تحقيق مبدأ المساواة مع موظفي القطاع العام كافة الذين يدفعونها. فنصّ المادة بحد ذاته يسيء إلى قضية العسكريين المتقاعدين الذين طالبوا، وعلى مدى سنتين، السلطة بوجوب إنصافهم وتحقيق المساواة مع باقي موظفي القطاع العام بنسب الزيادة الممنوحة لهم.  


وفي مطلق الاحوال فان العسكريين المتقاعدين لم ينالوا لغاية تاريخه، كما يؤكد المسؤول الإعلامي في الهيئة الوطنية لقدامى القوات المسلحة، كامل الزيادة المقررة لهم بموجب قانون السلسلة، والتي ستكون في مهب الريح بسبب هذه الضريبة الجديدة، علما أن العديد من المسؤولين جزم انه لن تكون هناك ضرائب جديدة تفرض على ذوي الدخل المحدود. 

ولذلك، فإن فرض ضريبة 3% استشفاء هو إجراء غير مقبول ومرفوض، يقول ابو معشر، لأن العسكريين المتقاعدين يدفعون سنوياً بدلاً ماليا مقابل بطاقات الخدمات الاجتماعية، وهي بمثابة رسم يخصص للطبابة إضافة إلى دفعهم بدل طوابع عن كل معاينة صحية بهدف رفع جودة الخدمات الطبية المخصصة لهم ولعائلاتهم. 
وإذا كانت قيمة ضريبة الـ3 في المئة رمزية فلماذا تصر السلطة على اقتطاعها؟ وما هي قيمتها الاجمالية؟ وهل ستنفق هذه الضريبة وفقا لمبادئ الحوكمة الرشيدة؟ أسئلة يطرحها أبو معشر، معتبراً أن المادة  55 قد تكون قابلة للطعن أمام المجلس الدستوري لعدم جواز فرض ضرائب جديدة بموجب فزلكة الموازنة.

المادة 57 والتي أطلق عليها العسكريون المتقاعدون تسمية مادة الكيدية السياسية وتنص على عدم جواز الجمع ما بين المعاش التقاعدي وأي شكل من أشكال التعويضات أو المخصصات أوالرواتب الاخرى. وهذه المادة لا تنطبق إلا على العسكريين المتقاعدين ، اذ أن كافة موظفي القطاع العام يتقاعدون عند بلوغهم سن الرابعة والستين، مع الإشارة إلى أن هذه المادة صيغت خصوصا لإحراج الضباط النواب الستة ولحرمانهم من تقاضي التعويضات المخصصة لهم كنواب، في حين قد يكون المستهدف الأول من هذه المادة رئيس الجمهورية الذي يتقاضى راتباً تقاعدياً. ولن يكون باقي الضباط والرتباء والأفراد بمنأى منها في حال تسنى لهم شغل مناصب في القطاع العام، كرئيس بلدية أو محافظ أو حتى مدير عام أمن عام مثلا.

ويمكن القول، بحسب أبو معشر، أن هذه المادة غير دستورية وقابلة للطعن أيضاً لأن الراتب التقاعدي هو أولا نتاج لمجموع المحسومات التقاعدية، والتي دفعها هؤلاء العسكريون طوال 30 أو 40 سنة، إضافة إلى الاقتطاع الذي يوازي 40 شهراً من التعويضات، وبالتالي فإن الراتب التقاعدي هو استرداد لمجموع هذه المحسومات. ولا يمكن بأي شكل من الأشكال اعتبار الراتب التقاعدي على أنه راتب يتعارض تقاضيه مع الراتب المتوجب لممارسة وظيفة أخرى في القطاع العام، كما أنه يحق للعسكري الذي يحال على التقاعدد أن يتقاضى كامل مستحقاته من تعويضاته ويعتبر أنه استفاد من تعويض الصرف، وبالتالي لا يعود يحق له أي معاش تقاعدي. ما يعني أن هذه المادة تنطبق على العسكري الذي يتقاضى راتباً تقاعدياً ولا تنطبق على العسكري الذي تقاضى تعويض صرف، مع أنهم متساوون أمام الدستور بالحقوق والواجبات، يؤكد أبو معشر.

المادة 58


المادة 58 وتنص على اقتطاع بند التجهيزات العسكرية من رواتب الضباط والمؤهلين المتقاعدين. علماً أن هذا البند يعتبر، بحسب أبو معشر، من المتممات وليس من أساس الراتب، وقد سعى الرئيس فؤاد السنيورة في العام 1998 لفصله عن أساس الراتب وذلك بهدف خفض القيمة الاجمالية للتعويضات التي يتقاضاها الضباط والمؤهلون عند إحالتهم على التقاعد، إذ أن هذه التعويضات هي حاصل عدد سنوات الخدمة وأساس الراتب، فإذا زاد أساس الراتب زادت هذه التعويضات، ومن هنا جاءت المتممات وغيرها لتخفض من أساس الراتب من جهة ولتحافظ على اجمالي الراتب الشهري مقارنة مع رواتب الفئات الاخرى.

وإذا كان وزير الدفاع أعلن أن المادة 58 ألغيت من الموازنة مقابل إشارة وزير الإعلام إلى أن الموضوع مرتبط بسلة من التدابير تريد الحكومة فرضها او اقتطاعها من موازنة وزارة الدفاع، فإن رواتب العسكريين المتقاعدين ترتبط بموازنة وزارة المالية، ولذلك يتوجس العسكريون المتقاعدون، وفق أبو معشر، من أن ينجم عن سحب هذا البند، اقتطاع آخر من حقوقهم من دون أن يعلموا من أين وكيف وما هو مقداره الإجمالي.

عندما تمت دراسة قانون السلسلة، كان هناك تعهد من قبل السلطة السياسية للجان العسكرية بأن سبب منح العسكريين 50% زيادة فقط، ومنح باقي موظفي القطاع العام أكثر من 125% وثلاث درجات استثنائية، مرده إلى أن العسكريين المتقاعدين ينالون مخصصات إضافية على أساس رواتبهم. وعلى هذا الأساس يصر العسكريون على ضرورة أن تلتزم المكونات السياسية كافة بتعهداتها، وأن تكون الخصم الشريف الذي يصون ويحفظ حقوق المواطنين.

ويمكن القول إن هذه المادة تطرح إشكالية وجوب توحيد رواتب الفئات، وأن ما أقر في قانون السلسلة هو أبعد ما يكون عن تصحيح الأجور، إذ أنها انتجت فوارق بين أصحاب الحق الواحد وبين من كانوا يتساوون أصلاً في الفئات الوظيفية. فعلى سبيل المثال يحتاج رئيس الأركان الحالي إلى ست سنوات ليتساوى أساس راتبه مع أساس راتب قاض درجة أولى تخرج حديثا من المعهد القضائي، يؤكد المسؤول الإعلامي في الهيئة الوطنية لقدامى القوات المسلحة.

وعليه، فإن المنازلة العسكرية لن تكون من دون أفق، ولن تتوقف. فموازنة غب الطلب المطروحة تضرب حقوق العسكريين، بدل أن تجترح الحلول الإنقاذية، وترتقي إلى مستوى المسؤولية وتسحب فتيل التفجير من شارع  ليس مسؤولاً عما ألت إليه الأوضاع الاقتصادية.