الجمعة 15 آذار 2024 11:17 ص

بالنظام - الحدود


* جنوبيات

في إحدى حلقات برنامجه الأخيرة التي يبثها على مواقع التواصل الاجتماعي بعد طرده من محطة "فوكس نيوز"، تطرق الإعلامي الأميركي الشهير تاكر كارلسون إلى موضوع الحدود التي يتم اجتياحها من قبل موجات المهاجرين غير الشرعيين الذين يدخلون الولايات المتحدة الأميركية من المكسيك ويأتون من أصقاع العالم، وقد بلغت أعدادهم الملايين. وقارن كارلسون ما يحصل على حدود بلده مع ما عرفته الامبراطورية الرومانية الغربية، التي يعود انهيارها إلى اجتياحها الديموغرافي من القبائل الجرمانية. هذا أيضاً ما حصل إبان الدولة العباسية حين تمت الاستعانة بالمماليك بأعداد كبيرة فتحوّلوا مع الوقت إلى أسياد الدولة وسلاطينها الذين تقاسموا أراضيها وجعلوا من الخليفة العباسي منصباً فخرياً.

في القانون الدولي، الحدود الدولية خطوط فاصلة بين الدول يتم من خلالها تحديد السيادة والاختصاص للدولة على الإقليم. والحدود تفصل بين الدول وبين سيادة قوانين معينة واختصاص المحاكم والسلطات الإدارية على الجهتين بالإضافة إلى الأنظمة والقوانين التي ترعى المقيمين في كل منها. ولعلّ المفرد من "حدود" أكثر دلالة على المعنى اللغوي للكلمة أو أصلها. فالحدّ لغةً: هو المنع، وحدود الله: هي محارمه التي نهى عن ارتكابها وانتهاكها.

غالباً ما تكون الحدود غير مضبوطة أو غير قابلة للضبط بالنظر إلى واقعها الجغرافي أو لعدم توفّر القدرة أو الرغبة لدى الدول المتجاورة على ضبط الحدود ومنع انتقال الأشخاص والبضائع عبرها، ولهذا ترى اقتصاداً غير شرعي ينمو على جانبي الحدود.

في الثمانينات أخرج دريد لحّام ومثّل مع رغدة فيلم الحدود الذي كتبه المبدع الراحل محمد الماغوط، وكان لحّام قد استوحاه أثناء انتظاره على نقطة الحدود بين لبنان وسوريا. يسخر الفيلم من الحدود القائمة بين الدول العربية التي تدّعي الأخوّة وتنادي بالوحدة العربية، من خلال شخصية "عبد الودود" الذي يضيع جواز سفره أثناء عبوره بين بلدين، غربستان وشرقستان، فلا يستطيع العودة إلى الأول ولا دخول الآخر، فيضطر أن يخيم على خط الحدود، ورغم صرامة السلطات مع عبد الودود يُظهِر الفيلم حقيقة الحدود التي تمنع المواطن العادي من عبورها دون أوراق ثبوتية ولكنها تسمح دوماً للتهريب بالازدهار.

الحدود بين الدول تشبه أغشية الخلايا التي تسمح بمرور السوائل بينها وفق ظاهرة التناضح أو الارتشاح الغشائي Osmose. وهذه الظاهرة تعني الميل أو الدفع الطبيعي للسائل الذي يحتوي على نسبة منخفضة من تركيز المحلول الذي يحتويه، للانتقال إلى الجهة الأخرى للغشاء حيث تكون نسبة تركيز المحلول في السائل أعلى. ويستمر السائل بالانتقال بالاتجاهين وبقوة الدفع هذه poussée حتى يتساوى السائل في الجهتين من حيث نسبة تركيز المحلول. وما يسمح للسائل بالانتقال هو وجود غشاء قابل للنفاذ منه بصورة جزئية أو paroi semi-perméable.

#حدود لبنان تشبه غشاء الخلية من حيث كونها قابلة للنفاذ، ومعظم مشكلات لبنان الحالية والمزمنة مصدرها حدوده، فمن الجنوب كانت تحدّ لبنان دولة شقيقة اسمها #فلسطين تمّ احتلالها وأقيمت عليها دولة مغتصبة معادية فتبدّلت طبيعة الحدود وأوضاعها وما تزال مصدر خطر وقلق وعدم استقرار. أما الحدود الشرقية والشمالية فالبعض يعتبرها مصطنعة ولا يمكن ضبطها والبعض الآخر يعتبرها حدوداً طبيعية لأنها تتكون من سلسلة جبال لبنان الشرقية شرقاً ومن النهر الكبير شمالاً، رغم زوال مفهوم الحدود الطبيعية الذي عُرِف في القرن الثامن عشر إبان ظهور الدول القومية في أوروبا. وبصرف النظر عن النظريات والمواقف والعقائد، تبقى الحدود ضرورة ومن غير القابل للتصوّر أن تقوم دولة وتستمرّ من دون تحديد حدودها وفرض احترامها.

المصدر :النهار