يُحكى في خفايا الزّمن وحكايا الفتن ان احد الأشخاص ويدعى "الحصيف" (المعروف بدهائه وذكائه) كان قائدًا في جيش احد ملوك عصره وزمانه ويدعى "المنيف". وكان وليّ العهد ويدعى "الحاسد" يبغض هذا القائد، وأراد التخلّص منه، فحاك له مكيدة جعلت والده الملك يحكم على "الحصيف" بالإعدام بالسّيف.
فذهبت والدة القائد "الحصيف" إلى الملك "المنيف" تلتمس منه الصّفح وأن يعفو عن ولدها، فخجل منها لأنّ عمرها كان قد جاوز المائة عام. وقال لها:
سأجعل وليّ العهد ولدي "الحاسد" يكتب على ورقتين الأولى:
"يعدم"، وفي الورقة الثّانية:
"لا يعدم"، ونجعل ابنكِ يختار ورقة قبل تنفيذ الحكم فإن كان مظلومًا نجّاه الله.
فخرجت والحزن يعتريها إذ كانت تعلم أنّ وليّ العهد يكره ابنها، والأرجح أنّه سيكتب في الورقتين:
"يعدم"، إلّا أنّ ابنها قال لها:
لا تقلقي يا أمّاه ودعي الأمر لي.
وبالفعل قام "الحاسد" بكتابة كلمة (يعدم) في الورقتين.
وفي اليوم الموعود تجمّع الملأ ليروا ما سيفعله القائد "الحصيف".
ولمّا سيق "الحصيف" إلى ساحة القصاص قال له "الحاسد"وهو يبتسم بخبث:
اختر واحدة.
فابتسم "الحصيف" ابتسامة صفراء، واختار ورقة وقال:
اخترت هذه ثمّ قام ببلعها من دون أن يقرأها.
فاندهش الملك
وقال:
ما صنعت يا هذا؟ لقد أكلت الورقة من دون أن نعلم ما كُتب فيها!
فقال "الحصيف":
"يا مولاي، اخترت ورقة وأكلتها من دون أن أعلم ما فيها، ولكي نعلم ما فيها، لننظر إلى "الورقة الأخرى" فهي عكسها تمامًا.
فنظر الملك إلى الورقة الثّانية فكانت: (يعدم).
فقالوا:
لقد اختار "الحصيف" أن لا يعدم.
بقليل من التّفكير وحسن التّدبير نتجاوز الحقد الحقير، والحسد المخيف، ونستطيع صنع أشياء عظيمة.
وإذا أردت أن تنجو من مكر الماكرين وحقد الحاقدين فما عليك إلّا:
"بالتّفكير السّليم والتّدبير الحكيم".