السبت 8 شباط 2025 08:18 ص

لبنان وسوريا: فرص جديدة لعلاقات متجدّدة


* جنوبيات

 

تاريخ العلاقات بين سوريا ولبنان معقّد ومليء بالتوترات السياسية والاجتماعية التي تراكمت على مرِّ العقود. منذ استقلالهما في منتصف القرن العشرين، شهدت العلاقة بين البلدين تداخلاً كبيراً في المجالات السياسية والاقتصادية وحتى الثقافية، لكنها غالباً ما كانت تتسم بالتوتر والتنافسية. ومع سقوط نظام بشار الأسد، تبرز فرصة جديدة لبناء علاقة حقيقية ومستدامة بين دولتين متجاورتين، بعيداً عن الكيدية والعداء الذي ساد طوال عقود.
شهدت العلاقات السورية - اللبنانية حالة من التداخل والاعتماد المتبادل منذ استقلال البلدين. كان لبنان بمثابة منفذ اقتصادي وسياسي لسوريا، بينما اعتمدت بيروت على دمشق في مجالات كثيرة مثل التجارة والتنقل البري. ومع ذلك، فإن هذه العلاقة لم تكن متكافئة في معظم الأحيان، حيث طغت الهيمنة السورية على القرارات السياسية اللبنانية، خاصة خلال فترة الوصاية السورية التي امتدت من عام 1976 حتى انسحاب الجيش السوري في عام 2005 بعد اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري.

خلال حكم الأسد، سواء في عهد حافظ الأسد أو ابنه بشار، كانت العلاقة بين البلدين قائمة على مفهوم الهيمنة السورية تحت مظلة «الأخ الأكبر». اتُخذ لبنان ساحة لنفوذ سياسي وأمني سوري، وهو ما خلق مشاعر سلبية لدى العديد من اللبنانيين الذين اعتبروا أن دولتهم فقدت استقلالها الفعلي. هذه الهيمنة لم تقتصر على السياسة فحسب، بل شملت الاقتصاد والإعلام، وحتى التوازنات الطائفية داخل لبنان.

سقوط نظام بشار الأسد يشكّل لحظة فاصلة في تاريخ المنطقة، ليس فقط بالنسبة لسوريا بل للبنان أيضاً. يمثل هذا السقوط نهاية لحقبة طويلة من التدخّل السوري المباشر وغير المباشر في الشؤون اللبنانية. على مدى سنوات الحرب الأهلية السورية التي بدأت عام 2011، دخلت العلاقة بين البلدين في منعطف جديد. لبنان استقبل ملايين اللاجئين السوريين، مما شكّل ضغطاً هائلاً على البنية التحتية والاقتصاد اللبناني. من جهة أخرى، لعب حزب الله، المدعوم من إيران وسوريا، دوراً عسكرياً بارزًا في دعم نظام الأسد، مما زاد من تعقيد المشهد السياسي اللبناني.

ومع سقوط الأسد، تتاح الفرصة لأول مرة منذ استقلال البلدين لإعادة بناء العلاقة بين سوريا ولبنان على أسس جديدة قائمة على احترام السيادة المتبادلة والتعاون المشترك.

إن نهاية نظام الأسد تفتح المجال لإعادة تعريف طبيعة العلاقات السورية - اللبنانية بعيداً عن الاستغلال السياسي أو الأمني. يمكن للبلدين أن يعملا على بناء شراكة حقيقية تستند إلى المصالح المشتركة بدلاً من الهيمنة أو التبعية. وهذا يتطلب جهداً من الجانبين لتجاوز إرث الماضي والعمل على خلق نموذج جديد من التعاون.

• التعاون الاقتصادي
يمكن أن يكون الاقتصاد جسراً لبناء علاقة جديدة. سوريا ولبنان يمكنهما الاستفادة من موقعهما الجغرافي المميّز لتعزيز التجارة والنقل والاستثمار. يمكن لسوريا أن تستفيد من الخبرات اللبنانية في القطاع المصرفي والخدمات، بينما يمكن للبنان الاستفادة من موارد سوريا الطبيعية وقطاعها الزراعي.

• إدارة ملف اللاجئين
يمثل ملف اللاجئين السوريين في لبنان قضية مركزية. بعد سقوط الأسد، يمكن البدء في وضع خطة مشتركة لإعادة اللاجئين إلى بلادهم بشكل آمن وكريم، بما يحترم حقوق الإنسان ويخفف من الأعباء عن لبنان.

• التعاون الأمني
مع نهاية نظام الأسد، يجب على البلدين العمل معاً لضمان أمن الحدود المشتركة. يمكن أن يكون التعاون الأمني وسيلة لبناء الثقة، خاصة إذا تم بمشاركة دولية لضمان الشفافية واحترام السيادة.

• دعم التحوّل الديمقراطي في سوريا
سقوط الأسد يمثل بداية مرحلة جديدة لسوريا، تتطلب دعماً من الجوار، بما في ذلك لبنان. يمكن للبنان أن يلعب دوراً إيجابياً في دعم التحوّل الديمقراطي في سوريا من خلال تبادل الخبرات وتعزيز العلاقات الشعبية بين الشعبين.
بالرغم من هذه الفرص، فإن إعادة بناء العلاقات السورية - اللبنانية ليست مهمة سهلة. هناك العديد من التحدّيات التي يجب تجاوزها:

• إرث الماضي
العلاقات السلبية التي تراكمت على مدى عقود ستحتاج إلى وقت وجهود كبيرة لتجاوزها. لا يزال هناك شعور بالعداء وعدم الثقة بين العديد من اللبنانيين تجاه سوريا، خاصة بسبب تجربة الوصاية السورية.

• دور حزب الله
يشكّل حزب الله تحدّياً رئيسياً، حيث أن علاقته الوثيقة مع النظام السوري تعقّد جهود بناء علاقة مستقلة بين الدولتين. يجب أن يكون هناك نقاش داخلي في لبنان حول دور الحزب ومستقبله في ظل التغيّرات الإقليمية.

• التدخّلات الإقليمية والدولية
العلاقة بين سوريا ولبنان ليست مجرد شأن داخلي، بل تتأثر بشكل كبير بالتوازنات الإقليمية والدولية. الدور الإيراني في سوريا، والمصالح الغربية في لبنان، كلها عوامل قد تؤثر على إعادة بناء العلاقات بين البلدين.
لبنان وسوريا تربطهما علاقات جغرافية وثقافية واجتماعية عميقة. سقوط نظام الأسد يمكن أن يكون فرصة لإعادة بناء هذه العلاقة على أسس جديدة قائمة على المساواة والشراكة. من خلال تعزيز التعاون الاقتصادي والأمني، واحترام السيادة المتبادلة، والعمل على حل المشكلات المشتركة مثل اللاجئين، يمكن أن تبدأ الدولتان حقبة جديدة من العلاقات الطبيعية والمثمرة.
إن استغلال هذه الفرصة يتطلب قيادة حكيمة ورؤية واضحة من الجانبين، إضافة إلى دعم المجتمع الدولي لضمان نجاح هذه الجهود. إذا تمكّنت سوريا ولبنان من تجاوز خلافاتهما وبناء علاقة حقيقية، فإنهما لن يساهما فقط في استقرار المنطقة، بل سيقدّمان نموذجاً يحتذى به في العلاقات بين الدول المجاورة.

المصدر :اللواء