![]() |
الأحد 2 آذار 2025 21:35 م |
أزمة الودائع: المصارف تسوّق لتسييل الذهب قبل إعادة هيكلتها! |
* جنوبيات
مع تشكيل الحكومة ومنحها الثقة مؤخراً بدأ موعد إطلاق ورشة الإصلاحات يقترب أكثر فأكثر لاسيما أن الحكومة وعدت في بيانها الوزاري بحل سلّة من القضايا العالقة منذ 5 سنوات وعلى رأسها الملف المصرفي وما يحمل من تعقيدات وتجاذبات. وليست أزمة الودائع سوى جوهر الأزمة، فلا حل للأزمة المصرفية ولا انطلاق للقطاع المصرفي من جديد ولا استرجاع للثقة بالقطاع ما لم تُحل أزمة الودائع بما فيه مصلحة المودعين. تحاول المصارف بشكل أو بآخر رمي كرة الودائع في مرمى مصرف لبنان والدولة، وتعمل مؤخراً على تسويق نظرية "تسييل الذهب" وإعادة أموال الشريحة الأكبر من المودعين في محاولة لممارسة الضغط على الدولة ووضعها في مواجهة مع المودعين قبل وضع ملف المصارف على طاولة البحث أو المباشرة بإعادة هيكلة القطاع أو أي إجراء آخر. تسوّق المصارف لتسييل إحتياطي الذهب، الذي يشكّل الضمانة الأخيرة للاقتصاد، وربما للحصول على الدعم المالي من المؤسسات الدولية، والمملوك من عموم الشعب اللبناني، لسداد الودائع التي أخفقت في حمايتها وعمدت إلى تبديدها بالتعاون والتضامن مع مصرف لبنان والسلطة السياسية.
مخاطر تسييل الذهب وفي وقت يحذّر فيه البعض من خطورة المسّ باحتياطي الذهب باعتباره لا يشكّل حلاً نهائياً بل مؤقتاً للأزمة المالية الحقيقية، تطرح المصارف في الاجتماعات المغلقة تصوّرها لحل أزمة الودائع من خلال تسييل الذهب. ويوضح مصدر مصرفي في مجلس إدارة جمعية المصارف في حديث لـ"المدن" أن الطرح يقوم على إعادة أموال صغار المودعين من خلال تسييل جزء من الذهب الذي يشكل أصولاً لمصرف لبنان العاجز عن سداد ديونه المقوّمة بالعملات الأجنبية، أما كبار المودعين وهم الأقلية فيتم استرداد ودائعهم من خلال صندوق سيادي يحتوي أصول الدولة ويعمل على جذب الاستثمارات. وهذا الطرح يصفه المصرفي بالإنقاذي للدولة قبل المودعين باعتباره يرفع من قيمة أصول الدولة غير المثمرة. تعمل المصارف على التسويق لتسييل الذهب وإعادة أموال المودعين قبل إعادة هيكلة القطاع المصرفي وبمعزل عن التدقيق في ميزانيات المصارف، وقبل كل ذلك، فتح ملفات مصرف لبنان التي قد تضع الجميع على مقصلة المحاسبة. ويذهب بعض المصرفيين لأبعد من ذلك فيدعون إلى إعادة أموال حملة سندات اليوروبوندز من الأموال الناجمة عن تسييل الذهب. في المقابل يحذّر خبراء من المس بالذهب، وينطلق هؤلاء من مخاوفهم من سوء استخدام الأموال التي قد تنجم عن تسييل الذهب. فالدولة أنفقت أكثر من 24 مليار دولار منذ عام 2019 من دون أي إجراء إصلاحي على الإطلاق فكيف يمكن تبديد الذهب الذي يمثّل الثروة الاستراتيجية الوحيدة للبنان. وبين النظريتين ثمة من يرى أنه من المبكر جداً الحديث عن احتياطي الذهب أو سواه من أصول الدولة. وبحسب أستاذ الاقتصاد في الجامعة اللبنانية الأميركية خليل جبارة فالخلاف الحقيقي اليوم، والذي تتقاطع حوله مصالح اقتصادية وسياسية، هو كيفية توزيع الخسائر بين الدولة ومصرف لبنان والمصارف والمودعين وحجم المسؤولية التي سيتم تحميلها لكل طرف.
توزيع الخسائر أولاً ويصف جبارة مسألة تسييل الذهب حالياً بالأمر الخطير جداً "من شأنه تعزيز اللامسؤولية، ويشبه بخطورته ما حصل منذ عام 2021 حين استخدم مصرف لبنان مليارات الدولارات من أموال المودعين لتمويل الدعم ليتبين لاحقاً أن الأموال انفقت لدعم التجار والكاجو والإسبريسو (على سبيل المثال) في وقت كان يمكن إنفاق تلك المليارات على حلول اقتصادية مستدامة". وعليه يمكن القول بحسب جبارة بأنه "في حال التسرع بتسييل الذهب نكون قد هربنا إلى الأمام وأجّلنا الوقوع من جديد بأزمة بعد انفاق الأموال كما حصل سابقاً".
قيمة الذهب أما قيمة الذهب فتتغّير بحسب سعر الذهب العالمي، وقد ارتفع من نحو 18 مليار دولار عام 2023 إلى أكثر من 27 مليار دولار حالياً مع اقتراب سعر اونصة الذهب من 3000 دولار. من هنا يحاول دعاة تسييل الذهب الترويج إلى ارتفاع حجم احتياطي الذهب بالنسبة إلى الناتج المحلي اللبناني وهو ما بات يقارب الضعف في حين تحتفظ غالبية الدول بنحو 20 في المئة فقط من احتياطات الذهب بالنسبة إلى ناتجها المحلي. ويتناسى هؤلاء مسؤولية المصارف عن الأزمة وضياع الودائع وسوء إدارتها لموجوداتها. بالمحصّلة، وبالنظر إلى الحلقة المفرغة التي يدور فيها البلد منذ سنوات، ليس من المجدي الحديث اليوم عن الذهب وتسييله أو كيفية سداد الدولة لحصتها من الخسائر إنما الأجدى البحث في كيفية توزيع الخسائر الواقعة على كل من الاطراف المعنية بالودائع وعلى رأسها الدولة والمصارف. المصدر :المدن |