الأربعاء 19 آذار 2025 08:22 ص

استئناف الغارات الجوية والعمليات العسكرية على قطاع غزة.. الأهداف والمآلات ..!


* جنوبيات

مع انهيار اتفاق وقف إطلاق النار الموقع بين حماس وإسرائيل  في يناير الماضي ، واستئناف الغارات الجوية  الإسرائيلية  المكثفة على قطاع غزة، يدخل الصراع الإسرائيلي- الفلسطيني مرحلة جديدة من التصعيد الدموي، حيث تجاوز عدد الشهداء  الفلسطينيين خلالها 450 شهيدا، معظمهم من النساء والأطفال والشيوخ . 

هذه التطورات تطرح تساؤلات جوهرية حول الأهداف التي تسعى حكومة إسرائيل لتحقيقها، والنتائج المحتملة لهذه الحملة العسكرية على الصعيدين المحلي والدولي.

تشير تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى أن العمليات العسكرية الأخيرة ليست سوى البداية، مما يعكس توجهاً واضحاً نحو إطالة أمد  هذه الحرب بدلاً من البحث عن تسوية،  يبدو أن تل أبيب تضع نصب أعينها ثلاثة أهداف رئيسية:

1- إضعاف حماس عسكرياً وسياسياً: بعد أشهر من القتال، لم تتمكن إسرائيل من القضاء على قيادة حماس بالكامل، رغم استهداف القادة الميدانيين والمقار العسكرية،  الضربات الجوية الأخيرة تشير إلى محاولة جديدة لتصفية أكبر عدد ممكن من القيادات، سواء  منها المدنية أو العسكرية.

2- تحقيق مكاسب تفاوضية عبر الضغط الميداني: منذ بدء الحرب، استخدمت إسرائيل القصف المكثف كأداة للضغط على حماس في ملف الرهائن ،  تقارير إعلامية تحدثت عن "عملية خداع محكمة" لإجبار الحركة على تقديم تنازلات، وهو تكتيك يهدف إلى إنهاك قيادة  المقاومة الفلسطينية وإجبارها على إعادة النظر في مواقفها التفاوضية.

3- تهيئة الأرضية لتغيير الوضع في غزة: هناك حديث متزايد داخل الدوائر السياسية الإسرائيلية حول ضرورة "إخراج حماس من الحكم"، مع طرح خيارات  متعددة، من بينها تشكيل إدارة فلسطينية جديدة تحت إشراف دولي أو عربي، وهو ما يعني إعادة رسم خريطة السلطة في القطاع.
إن التصعيد الإسرائيلي  جاء وسط وضع إنساني متدهور وكارثي في قطاع غزة، حيث المستشفيات في حالة انهيار شبه تام  والمساعدات الطبية والإنسانية شحيحة وتكاد تكون متوقفة اومنعدمة.  حيث تحدثت التقارير الصحفية  القادمة من القطاع  عن مشاهد مروعة، جثث متناثرة في الشوارع، عائلات بأكملها تحت الأنقاض، ونزوح جماعي من المناطق الشرقية للقطاع  تحسبًا لاجتياح  عسكري بري محتمل.
هذا المشهد يضع  المجتمع الدولي أمام اختبار حقيقي لمصداقيته ،  الأمم المتحدة ودول عدة، بينها فرنسا ومصر وتركيا، أعربت عن قلقها المتزايد، فيما دعت جنوب أفريقيا إلى إحالة إسرائيل إلى المحكمة الجنائية الدولية، ومع ذلك، لم تتجاوز هذه الإدانات مستوى التصريحات، وهو ما يمنح إسرائيل مساحة كبرى  للمضي  في عملياتها  العدوانية دون خوف من أي  تبعات قانونية فورية  تلحق بها.

إن هذه الهجمات الأخيرة لم تقوض فرص التفاوض فحسب، بل عقدت المشهد بشكل غير مسبوق،  بينما كانت هناك مساعٍ أميركية وقطرية لاستئناف المحادثات بشأن تبادل الأسرى ووقف إطلاق النار، جاء التصعيد الإسرائيلي ليوجه ضربة قاصمة لهذه الجهود،  إذا كانت إسرائيل ترى أن استمرار القصف سيجبر حماس على تقديم  مزيد من التنازلات، فإن التجربة السابقة تشير إلى أن العكس قد يحدث، حيث تميل حماس إلى التشدد في مواقفها كلما زاد الضغط العسكري عليها.

في المقابل، يبقى المجتمع الدولي عاجزا  أمام معضلة مركبة، هل يضغط على إسرائيل لوقف العمليات، أم يترك الصراع ليحسم ميدانياً..؟

 الإدارة الأميركية، رغم دعواتها العلنية لخفض التصعيد،  لكنها لم تمارس حتى الآن أي ضغط حقيقي على إسرائيل ، بل كانت على علم بهذه الغارات الأخيرة ومؤيدة لها، وهو ما يشير إلى إعطاء  ضوء أخضر ضمني لمواصلة هذه  العمليات، وتوفر الغطاء السياسي والدعم لحكومة نتنياهو لمواصلتها.
إن استئناف الغارات الجوية والعمليات العسكرية على قطاع  غزة ليس مجرد تصعيد عابر، بل هو جزء من استراتيجية طويلة الأمد تهدف إلى إعادة تشكيل الواقع السياسي والديمغرافي في قطاع  غزة، وفق الرؤية الإسرائيلية الأميركية ، وتعطيل خطة الغوث والإعمار  الفلسطينية المصرية المعتمدة من القمة العربية .
 لكننا نقول انه  رغم التفوق العسكري الإسرائيلي الهائل والمدعوم اميركيا، تبقى قدرة حكومة  الإحتلال  الإسرائيلي  على فرض تسوية وفق شروطها موضع شك بل امر مستحيل، في ظل صمود الشعب  الفلسطيني  وتمسكه بالثبات  فوق ارضه ورفضه ومقاومته  لخطط التهجير القسري  الإسرائيلية والأميركية، رغم كل اشكال  المعاناة التي  يعيشها سكان  القطاع  منذ ثمانية  عشر  شهرا،  كما ان التعاطف الدولي المتزايد مع معاناة الشعب الفلسطيني  يشكل داعما اساسيا لإستمرار  صمود الشعب الفلسطيني على ارضه حتى يندحر  الإحتلال  الإسرائيلي ويتوقف عن اجراءاته التعسفية والجهنمية  في حق الشعب الفلسطيني .
 إذاً ما يجري في قطاع  غزة اليوم ليس مجرد حرب وتجدد للعدوان المستمر على الشعب الفلسطيني ، بل يمثل  لحظة مفصلية في تاريخ  الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي، حيث باتت كل  الاحتمالات  قائمة ومفتوحة، من استمرار الاستنزاف المتبادل، إلى تدخل إقليمي  ودولي أوسع، وصولاً إلى احتمالات تغيير جذري في المعادلة السياسية في قطاع غزة  خاصة وفلسطين عامة.
 ولكن في كل الأحوال  يدفع الشعب  الفلسطيني  الثمن الأكبر جراء هذه السياسات، في ظل غياب أفق حقيقي للحل السياسي ، الذي ينهي الإحتلال والإستيطان الإسرائيلي، ويمكن  الشعب الفلسطيني من حقوقه الثابتة وغير القابلة للتصرف، بدءا من حق العودة  للاجئين  الفلسطينيين الى  ديارهم التي شردوا  منه،  الى  حق تقرير المصير  وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس .
د.عبدالرحيم  جاموس  
الرياض 19/3/2025  م

المصدر :جنوبيات