الثلاثاء 20 أيار 2025 07:47 ص

"20 أيار" أختُ شهيدٍ... والحزنُ أسمى ألقابي


* جنوبيات

 

20 ايار، اليومَ تمرُّ الذكرى…

ذكرى الصباح الذي غاب فيه أخي ولم يعُد! 
ثمانيةَ عشرَ عاماً مضَتْ منذُ أن غابَت ملامِحُه خلفَ دخانِ معركة نهر البارد، ومنذ أن انطفأَ صوتُه في زحمةِ الرصاص، وعلِقَت ضحكتُه بين ضلوعي كحنينٍ دائمٍ لا يهدأ.
اليومَ، لا أريدُ كلماتٍ كبيرةً ولا شعاراتٍ وطنيةً تُقال وتُنسى،
كلُّ ما اتمناه هو أن يسمَعَني الغيابُ: أعيدوا إليّ روي وخذوا من عمري ثمانيةَ عشرَ عاماً من الإنتظار! 
أعيدوه من دفاترِ الشهداء، من الصورِ المعلّقةِ على الجدران ومن الحكايات التي نحكيها عنهُ كي لا ينساهُ الصغار.
ثمانيةَ عشرَ عاماً مشيْتُها مٍن دون يدِه إلى جانبي، مِن دون أن يتقاسمَ معي الأحلامَ والطرقاتِ والوجوه،
ثمانيةَ عشرَ عاماً كبرتُ فيها مِن دونِ أن يكبُرَ، بقِيَ في الذاكرة كما هو: عمرُ ذاته، ضحكتُه ذاتها والحماسةُ ذاتها التي كانت تُشبه الحياةَ وتختصرُ حياتي... 
أمّا أنا… فقد كبِرتُ وأنا أقاومُ نسيانَ لحظةِ الوداع، ولم أنسَ!
كل عامٍ يمرُّ، لا يُنقِصُ من الألمِ شيئاً، بل يزيدُه وعياً، ويزيدُني شعوراً بأنَّ ما فقدتُه لم يكُنْ أخاً فحسب، بل عمراً توقَّفَ حيثُ توقَّفَ قلبُ روي…
اليومَ أُحيي ذكراهُ كما أفعلُ كلَّ عامٍ، لا بالبكاء وحدَه، بل بالحياةِ التي أحاولُ أن أعيشَها كما كان يتمنّى،
بالكلماتِ التي لم يمهِلْهُ الوقتُ ليقولَها،
وبالعهدِ الذي قطعْتُه له في قلبي، ولم ينكسرْ... 
إليكَ أكتبُ يا روي، لا لتسمعَ، بل لأظلَّ أنا أسمعُكَ، 
أكتبُ لأنَّ ذكراك صارت لُغَتي، وصوتَك ما زال يعلو فوق صمتي، 
وإنْ غيّبَكَ الترابُ، فما غيَّبَكَ مني شيئٌ، 
وما بينَ الغيابِ والرجاءِ... طفلٌ يشبهُكَ، إبني أنا، مَنْ سار على خطاك من دونِ أن تراهُ، يرتدي البزَّةَ العسكريةَ كما كُنتَ ترتديها صغيراً، 
ويحمِلُ صورَتَك في عينَيْه كأنّك لمْ ترحلْ، ويغافلُني بكلماتٍ لا تحتملُها الأمومةُ: "بس إكبَرْ بَدّي صير وطن متل خالي روي اللي مات"، 
أمامَ براءةِ هذا الطفل، يختزلُ الحزنُ كلَّ الكلام ...

-شقيقة النقيب الشهيد روي أبو غزالة-

المصدر :جنوبيات