الأربعاء 26 تموز 2017 09:44 ص

عبد الغني سلام.. الفِراق الصعب


* جنوبيات

في اللحظة الصعبة، تفتقد بيروت رمزاً بارزاً من رموزها التي كان لها دور ريادي ومؤثر في الحياة الوطنية، والسياسية والإعلامية، والدينية، هو عميد «اللواء» الأستاذ عبد الغني سلام.

ففي ساعة متأخرة من ليل أمس، غيّب الموت، الأستاذ عبد الغني، بعد صراع طويل ومرير مع مرض عضال، قاومه لسنوات، قبل أن يسلم لقضاء الله وقدره.

صمد بابتسامته المعهودة وقلبه الكبير، وإيمانه الذي لا يتزعزع بأن الموت حق، والحياة حق، وأن إرادة الله فوق كل إرادة.

توقف قلب الرجل الكبير عن الخفقان وصمتت حركة البيروتي الأصيل، التي لم تتوقف يوماً بحثاً عن وفاق بين اللبنانيين، ووحدة بين المسلمين، وعزّ للعرب على امتداد أقطارهم، من دون تمييز أو تحيز.

انخرط عميد «اللــواء» باكراً في حمل هموم وطنه وأمته.. وكان همّه الدائم جمع الصف وتوحيد الكلمة، والتخفيف من الخلافات.. حمل لواء فلسطين، وتنقل بين عواصم العرب، بحثاً عن المشترك بين الزعماء، حتى لقبه الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات «بالأطفائي» لأنه كان في حالة استنفار دائم لإخماد الخلافات داخل القيادات الفلسطينية أو العربية أو الإسلامية.

إنحاز بقوة إلى العمل الخيري، واعتبر أن دعم المؤسسات العاملة في خدمة الفقراء والمعوزين واجب ديني ووطني وانساني.. تشهد له على ذلك مساهماته في دعم الجمعيات الخيرية الاسلامية من دون تفريق او تمييز، حتى كانت «موائد الرحمن الرمضانية» خطوة رائدة من خطوات التضامن الاجتماعي ارادها واستمرت في شهر الخير والرحمة منذ اكثر من خمس وثلاثين سنة.

عام 1963 أصدر العميد، وهو في ريعان الشباب النابض بالوطنية والقومية «اللواء» كمجلة اسبوعية في تشرين الثاني 1963 محتفظاً بالاعتدال والتوازن نهجاً في مقاربة الاحداث ومعالجتها.

تميز الناشر الشاب، باندفاعة لم تتوقف دفاعاً عن المواقف الوطنية والقضايا العادلة، ودافع عن حرية التعبير والممارسة الديمقراطية الصحيحة وخاض اعتى المعارك بوجه السلطة وأجهزتها، مصراً على صوابية مواقفه، حتى وهو داخل السجن.

والعميد الراحل، والمعروف بتدينه، وايمانه، وتمسكه بالاسلام ديناً حنيفاً، لم يفهم دين الرحمة، الا اعتدالاً وانفتاحاً على كل ما له علاقة بالحياة الانسانية، وهذا ما كرسه في حياته كناشط ورئيس للمجلس الاسلامي الأعلى، الذي لعب جسر التواصل بين القيادات الاسلامية.

وفي العمل الوطني، شكلت حياة العميد عبد الغني سلام السياسية مدرسة رائدة في التصدي للقضايا الوطنية، ومعالجة الأزمات بالتعاون مع القيادات الحريصة على الوحدة والتعايش والتوافق ومصلحة لبنان العليا.

كانت المناقبية الاخلاقية سمة من سماته الشخصية، فحضرت المسألة الأخلاقية في ضمير العميد وعقله وآدابه طوال حياته.

ومن هذا المنطلق تصدى لظاهرة الفلتان الأخلاقي، ونجح عبر حركته الدؤوبة في جمع القيادات الروحية الإسلامية والمسيحية في مؤتمر وطني استضافته دار «اللواء» بمشاركة 84 شخصية دينية وسياسية ونيابية واجتماعية أسفرت عن وضع «ميثاق أخلاقي»، تصدّى خلاله لمظاهر الفلتان وإلاباحيات، أياً كان مصدرها او وسائل نشرها.

هو البيروتي العتيق والعريق، وهو «الأستاذ» كما وصفه الرئيس تمام سلام، والمرجع في أحوال الاسلام السياسي، كما رأى فيه الرئيس أمين الجميل.

دافع عن بيروت حتى الرمق الأخير، بوجه الفلتان والميليشيات، واحتضن في حياته المنبر الإعلامي، الذي عمل على نبذ التحريض الطائفي والمذهبي، ووصفه الرئيس سعد الحريري بأنه كان الصديق الوفي للرئيس رفيق الحريري..

في اللحظة الصعبة هذه، تفتقد بيروت عميد «اللواء» وتفتقد أسرة «اللواء» بكل العاملين فيها أباً وأخاً ومرشداً وعوناً على صروف الدهر..

و«اللواء» إذ تسلم بمشية الله وقدره، تعاهد عميدها الراحل، على الوفاء والبقاء حيث كانت تعاليمه النبراس والمتراس، في مواجهة التحديات والتغلب على الملمات، وتجاوز الصعوبات والأزمات..

و«اللواء» بأسرتها كلّها، تحفظ لعميدها الذكر الطيب، وهي إذ تعتبر كل فرد من افرادها انه مصاب بفقدان العميد، تطلب له الرحمة، وتدعو الله جل وعلا ان يتغمده بوافر رحمته، ويسكنه فسيح جناته ويجعل منزلته مع الصالحين والمؤمنين.. آمين.

    نبذة عن حياة الفقيد

ولد في بيروت، عام 1942

– تلقى دروسه في مدرسة الشويفات الوطنية، وأنهى دراسته الجامعية في السياسة والاقتصاد عام 1962.

– أصدر «اللـــواء» مجلة أسبوعية عام 1963 وتحولت إلى جريدة يومية عام 1970.

– تولى عدّة مناصب نقابية واجتماعية أبرزها:

أمين سر نقابة الصحافة اللبنانية 1979.

نقيب الصحافة اللبنانية بالوكالة عام 1982.

الأمين العام للمجلس الإسلامي الأعلى 1969 – 1973.

نائب رئيس اللجنة العليا لاحتفالات القرن الخامس للهجرة 1979.

الأمين العام للهيئة العليا للتنسيق بين الهيئات والمؤسسات الإسلامية 1980.

رئيس المركز الإسلامي للاعلام والإنماء منذ عام 1980.

شارك في عدّة وفود ومؤتمرات سياسية وإسلامية.

على مدى نصف قرن ونيف من مشواره الصحفي دخل السجن أكثر من مرّة، وتم تفجير مكاتب «اللواء» عام 1981، تعرّضت حياته للخطر مرّات عدّة، ورغم ذلك استمر على نهجه الوطني العروبي الإسلامي، بقوة وثبات.

من أوائل الذين أقاموا موائد الرحمن في شهر رمضان المبارك، إلى جانب حرصه على الدعم الدائم والمستمر للمؤسسات الخيرية، والاجتماعية، والتربوية الناشطة في خدمة المجتمع.

منحه رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان وسام الأرز الوطني عام 2013 تقديراً لعطاءاته.

المصدر : جنوبيات