الأربعاء 4 تشرين الأول 2017 09:52 ص

الموت يغيّب النائب السابق د. سعيد الأسعد


* جنوبيات

غيّب الموت النائب الطبيب سعيد الأسعد بعد عمر مديد، أمضاه رجل الانفتاح والحوار في الخدمة العامة والعمل السياسي الوطني، ملتصقاً بهموم مواطنيه ومعبّراً عنها في كل منبر مرَّ فيه.    وُلِدَ الطبيب الراحل في الزرارية قضاء الزهراني في 23 أيلول عام 1928. والده القاضي حسيب الأسعد ووالدته خديجة الضاهر، بحكم وظيفة الوالد تنقّلت العائلة بين الهرمل وزحلة وصيدا وطرابلس وتعددّت المدارس التي تعلّم فيها: من المدرسة الشرقية في زحلة الى مدرستي الفرير في طرابلس وصيدا، ثم مدرسة المقاصد في صيدا حيث تخرّج ونال شهادة الفلسفة.
بعد إنهائه الشهادة الثانوية، سافر الشاب سعيد إلى فرنسا حيث درس الطب في جامعة مونبولييه، وتخصّص في الجراحة العامة متنقلاً بين فرنسا و"المستشفى المركزي العسكري في أبيدجان" ـ شاطئ العاج بعدما بعث للجنرال شارل ديغول شخصياً برسالة خطية طلب فيها التدخّل لصالحه لوظيفة في المستشفى المذكور. ويقول: "كنت تعرّفت الى الجنرال ديغول عام 1941 حين زار جنوب لبنان. كنت ولداً صغيراً لكنني أتكلّم الفرنسية كوني تلميذ فرير، وما ان أرسلت له رسالة طالباً مساعدة لمتابعة تخصصي حتى جاء الرّد إيجاباً وبخطّ يده".
في أواخر عام 1956، وإثر عودته إلى لبنان، تسلّم عملاً في مستشفى المقاصد. لم يكن المستشفى تابعا لجمعية المقاصد الخيرية الإسلامية بل لمؤسسة خاصة ترعاها فايزة رياض الصلح (رئيس الوزراء الراحل ومن رجالات الاستقلال). وفي المستشفى المذكور تعرّف الدكتور الأسعد الى زوجته بهيجة رياض الصّلح. وكان الدكتور الأسعد من أوائل الجرّاحين الشيعة في لبنان، سبقه الى هذه المهنة طبيب أو اثنان في الأكثر من أبناء الجنوب. وأنقذ دخول الأسعد الى المقاصد كثرا.
بقي الدكتور الأسعد يقوم بمهمته الإنسانية الى أن اندلعت ثورة عام 1958، وكان المشرف هو الدكتور محمّد خالد وعماد الصّلح مديرا، فصار لولب المستشفى مع نخبة من الأطباء، منهم يوسف حتّي، جيد يجيان، عبد الرحمن شاتيلا، عبد اللطيف يشرطي وسواهم... عند بدء الثورة ترك الجميع المستشفى وبقي الأسعد الجرّاح الوحيد فيها.
في تلك المرحلة أنقذ الكثير من المسيحيين الذين اختُطِفوا خلال الاحداث المذكورة، "كنت أنقذهم، عندما أعرف بمكان وجودهم وأقلّهم بسيارتي". ولم يغادر الدكتور سعيد الأسعد المقاصد إلا بعد أن تعرّض لإطلاق نار داخل المستشفى وكاد يقتل، ثم أُحرقت سيّارته.
بقي الدكتور سعيد الأسعد بلا عمل إلى أن بدأ عهد الرئيس فؤاد شهاب الذي كان يفتّش عن نخب شابّة، وكان سمع عن أعمال الأسعد الإنسانية، فأوكل الى الرئيس الراحل الياس سركيس الاتصال به وعرض عليه أن يكون مديرا عاما لوزارة الصحة، وتم تعيينه لاحقاً سفيراً في بغداد، ومن بعدها تقلّب في مناصب دبلوماسية عدّة من بغداد الى عمان والكويت والمغرب وسويسرا وبلجيكا وحتى المجموعة الأوروبية، وترك الطب نهائيا عام 1959.
وعن تلك المرحلة يقول: "كنت متوجّسا في المنصب الجديد" (كونه سفيرا شابا لا يتجاوز الـ27 عاماً)، وأرسيت علاقات على أعلى المستويات في وضع صعب. كان العراق وقتها خارجا من ثورة دموية بعد انقلاب على الملكية، وإستقبلت استقبال الفاتحين كوني أوّل سفير شيعي في تاريخ العراق أعيّن في بغداد بعد كاظم الصلح الذي بقي سفيرا متواليا هناك على مدى 16 عاما".
عيّن الأسعد سفيرا في طهران، لكنه لم يذهب على الرغم من استلامه لأوراق اعتماده هناك، لأن زوجته السيدة بهيجة الصلح رفضت مرافقته تجنّبا للانحناء أمام فرح ديبا (زوجة شاه إيران)، وعُيّن في العام 1967 مديرا عاما لوزارة السياحة وكان همّه إطلاق السياحة بين لبنان والعالم العربي.
بقي سفيرا 33 عاما وعاصر عدّة رؤساء من فؤاد شهاب الى شارل حلو الى سليمان فرنجية. ويتوقف عند الأخير قائلا بأنّه كان يتمتّع بحسّ شعبي قويّ جدّا.
عام 1974 انعقد مؤتمر القمة العربية في الرباط. وفي تلك الزيارة طلب الرئيس فرنجية سرّا من الدكتور الأسعد تدبير لقاء بينه وبين الرئيس السوري حافظ الأسد، فدبّر لقاء بين الرئيسين فرنجية والأسد دام ساعة و10 دقائق كسر الجليد الذي دام عاما كاملا بينهما بعد أحداث عام 1973.
وأثناء الأحداث اللبنانية عام 1978 لعب الدكتور الأسعد دورا في تقريب وجهات النظر بين الكتائب والفلسطينيين ونظّم لقاء مصالحة بين الشيخ بيار الجميّل والرئيس الراحل ياسر عرفات عام 1978، إلا أن الأخير لم يحضر الى المغرب وأرسل موفدا عنه هو زهير محسن.
وانتخب الدكتور سعيد الأسعد نائباً عن محافظة الجنوب (قضاء مرجعيون ـ حاصبيا) في 6 أيلول عام 1992 ونال 102336 صوتا، ورفض الترشّح على لائحة "التحرير" التي ترأسها الرئيس نبيه بريّ في انتخابات عام 1996، فلم يحالفه الحظّ ونال 57169 صوتاً.

 

المصدر : جنوبيات