الأربعاء 14 آذار 2018 09:19 ص

«أم محمد» قلعاوي.. إمراة جبّارة في الزمن الصعب


* ثريا حسن زعيتر:

هي المرأة والأم التي تضحي في سبيل أبنائها دون أي مقابل، مستعدة للنوم دون أكل أو شراب، في سبيل توفير الغذاء والكساء لفلذات كبدها..
هي امرأة تجمع الحب المتماهي بالتضحية والإيثار، فتتخلى عن أبسط حقوقها في الحياة وهو الراحة، من أجل من تعتبرهم الأغلى غن الروح والحقوق..
أبناؤها أغلى من روحها؛ تتألّم كي لا يشعروا بأي نقص.. تنزف كي لا ينجرحوا.. بألم الصمت تتكلّم عيناها.. فيما شفتيها لا تتكلّمان كي لا ينزعج أحد منها..
هي باختصار الأم الجبّارة على حياة قاسية بكل ما للكلمة من معنى، تعارض الجميع كي توفّر لأولادها تربية صالحة في ظروف حسنة، لأنّ همّها الأول والأخير سعادة أبنائها..

أم محمد قلعاوي.. سيدة ربّت أفراد أسرتها بالقهر والعذاب.. حرمت نفسها من كل شيء مقابل أنْ تؤمّن لهم أسس الحياة الكريمة والتعليم لغاية الصفوف الجامعية، فمنذ الفجر تنظف مدخل البناية قبل أنْ يصل الموظّفون إلى عملهم، تقف قرب الكشك الصغير حيث تبيع الدخان والشوكولا، فلا تفارق المكان حتى المساء تقريباً..

رحلة العذاب لا تفارقني

فيما الدموع تتراقص في عينيها، والتجاعيد تستوطن وجهها، رغم أنّها تبدو أكبر بكثير من عمرها الحقيقي كونها مواليد العام 1964، قالت «أم محمد» قلعاوي: «منذ طفولتي، وتحديداً متى كان عمري 7 سنوات أصبحت يتيمة، فبدأت العمل بعدما تركت دراستي، وحملت هموم الحياة الشاقة، لأربّي وأعلّم إخوتي، لكن العذاب استمر معي كرفيق لا يغادرني».
وتابعت: «في العام 1981 تزوّجت، وسرعان ما وقع الاجتياح الإسرائيلي الذي خلاله أُسِرَ زوجي، واستشهد طفلي البكر، ودُمِّرَ بيتي، وما زالت رحلة العذاب مستمرة لغاية الآن. أنجبتُ 4 أولاد: شاب و3 بنات، إحداهُنّ مريضة.. وكنتُ أعمل ناطورة في بناية في شارع رياض الصلح في صيدا مع زوجي قبل أن يتوفى، وبقيت أعمل لأنّ لا معين لي إلا الله، وأملك على مدخل البناية كشكاً صغيراً أبيع فيه الشوكولا والدخان كي أؤمن لقمة العيش الصعبة لعائلتي».
وأضافت: «لله الحمد علّمتهم كلهم حتى تخرّجوا من الجامعات، وكنت أتوقّع أنّه عندما يكبرون، ويتخرّجون من جامعاتهم سأرتاح من الشغل والتعب والقهر، لكن الحظ السيئ يلاحقني مثل ظلي، فالشاب أصبح ميكانيكياً، والآن هو في السجن بمشاكل مع الشباب، أما البنات فواحدة تخصصت «صحافة» والثانية «محاسبة» والثالثة «فندقية» وهي المريضة، وكل بناتي لا يعملن لأنهن بحاجة إلى الوساطة في هذا البلد، وأنا ليس لي أحد، والحمد لله الكل يعرفونني وقت الانتخابات وبعد ذلك ينسون ما وعدوا به».

المهم أولادي

وقالت بغصّة: «كنتُ أتمنّى أنْ أكون في المنزل أنتظر أولادي مثل كل الأمهات، وأحضّر لهم الطعام وأفرح معهم، وأتحدّث عن أحلامهم، ولكن للأسف نتحدّث عن وجعنا، وكيف أقدر أنْ أؤمّن ربطة الخبز، فأنا أبدأ العمل كل يوم من الساعة الثالثة فجرا، ولا تهمّني نفسي أو الطعام أو الثياب الجديدة، بل المهم أولادي، الذين أحاول تأمين كل ما يحتاجون إليه، وأنا راضية بالقضاء والقدر. بيتي في صيدا القديمة صغير جداً، لكن ليس مهمّاً بالنسبة لي، بل أولادي كنزي».
ومضت تقول: «ها قد أطلَّ عيد الأم وأنا أعمل ناطورة، أشاهد الناس يشترون هدايا ولوازم عيد الأم.. أكيد في قلبي غصّة، إذ كنتُ أتمنّى أنْ يأتي ولو عيد واحد فقط لاحتفل مع أولادي، ويقدّمون لي هدية واحدة، وأفرح معهم، ولكن كُتِبَ عليَّ أنْ أعيش العذاب منذ طفولتي».
وختمت بعتب وحسرة: «أنا أم لبنانية أطالب الدولة أنْ تؤمن العمل للشباب لأن نسبة البطالة مخيفة في مجتمعنا، والمخدرات تغزو كل البيوت، فهناك تجّار كبيرون يدخلون السجن لأيام معدودة وبعدها يتم إخلاء سبيلهم، فلماذا تتركهم الدولة؟ أين الدولة ونواب المدينة الذين واجب عليهم أن يؤمنوا فرص عمل للشباب، فيما الزعران في الشوارع لا أحد يردعهم، فإبني أُصيب بطعنات سكين ووصل إلى الموت، ونحن نطالب الدولة بأنْ تحمينا وترعانا مثل باقي الدول وتؤمن الضمان والشيخوخة فأنا عندما لا يعود باستطاعتي العمل مَنْ يداويني. هم لا ينظرون إلى حال الفقراء إلا عند الانتخابات النيابية. هناك عائلات تعمل في النفايات وأوضاعهم سيئة مَنْ يرأف بحال هؤلاء؟!».

 

 

المصدر :اللواء