الأحد 18 تشرين الثاني 2018 09:43 ص

تحقيق خاص عن نسب الطلاق في لبنان


* ندى أيوب

تطفو أخبار الخلافات الزوجية والطلاق على السطح مجدداً، مسجّلة هذه المرة معدلات خيالية، في دلالة على تفاقم ظواهر اجتماعية لا تنحصر بظاهرة ارتفاع نسب #الطلاق على أهميتها. وفي بلدٍ يتناحر مسؤولوه على حقيبة وزارية هنا وأخرى هناك، على الرغم من غرقه في أزمات سياسية واقتصادية خطيرة، حتماً لن يأبهوا لدراسة أظهرت ازدياد حالات الطلاق بنسبة 22.5 في المئة في ظاهرة ضربت أطنابها في محافظة الشمال وخف وهجها في لبنان الجنوبي، علماً أن أهل الاختصاص يؤكدون تأثير الوضع العام للبلد وأزماته على الاستقرار النفسي والحياتي، وبالتالي على البيت الزوجي، إلى جانب عوامل شتى ناتجة من تطور المجتمع وتغيّر مفاهيم الأفراد الخاضعة لاعتبارات اقتصادية واجتماعية وثقافية، قد يؤدي إلى اختراق المحظور في القوانين التي تحرّم الطلاق.


بالأرقام
أعدّت “الدولية للمعلومات” دراسة أظهرت أن سنة تلو أخرى تشهد حالات الطلاق المسجّلة ارتفاعاً ملحوظاً. ويشير الباحث محمد شمس الدين في حديث إلى “النهار” إلى أنه “في عام 2010 سُجِلَت 5800 حالة طلاق ارتفعت في العام 2014 إلى 7006 حالات، استمرت في التزايد فسجّلت 0075 حالة العام 2015. وبعد أن كان متوسطها السنوي في الأعوام الماضية نحو 7000 حالة ارتفعت في العام 2017 إلى 8580 حالة أي بزيادة نسبتها 22.5 في المئة”. بحسب الدراسة احتل الشمال الصدارة بـ1840 حالة طلاق، تلته العاصمة بيروت بـ1486 حالة. وسجّلت بقاعاً 1405 حالات، والرقم لا يختلف كثيراً في جبل لبنان حيث بلغ 1348 حالة. أما أدنى المستويات فكانت في النبطية ولبنان الجنوبي مع 1270 و1231 حالة.


أزمات وتغيّر مفاهيم
بـ”نعم” يُفترضُ أن تكون أبدية تَرتَسِمُ الخطوة الأولى على طريق العمر المشترك إلى أن يتحول البيت الزوجي إلى مسرح للخلافات. والعلاقة التي أرادها الطرفان لانهائية قاطعين وعوداً وعهوداً واحدهما للآخر يطوي الطلاق صفحتها الأخيرة. علامات استفهام كثيرة تُطرح حول الارتفاع المستمر على مرّ السنين ومعدلاته المخيفة في 2017، يرد أستاذ علم الاجتماع الدكتور هاشم الحسيني الأمر إلى جملة عوامل، يتقدمها الوضع العام للبلد، خصوصاً في ظل الأزمات المتعاقبة من سياسية واقتصادية واجتماعية، تنعكس حكماً، برأيه، على العائلة نفسها، مع ما ترتّبه من مسؤوليات تخلق بدورها مشكلات وعقبات اقتصادية. نتائج الدراسة متوقعة بالنسبة إلى الحسيني نظراً إلى “تفاقم حالة القلق التي يعيشها اللبناني نتيجة أزمات بلاده. وهنا يختلط الجانب الاقتصادي بالاجتماعي بالنفسي وتنعكس سلباً على حياته الشخصية”.
يلعب تطور وضع المرأة دوره أيضاً، “فهي اليوم لن تساوم على حقوقها، وستُقدِم على خطواتٍ كانت تخشاها في السابق، متسلّحة باستقلاليتها الاقتصادية التي تجعلها أقل استسلاماً أمام الرجل حين يقع الخلاف وبالتالي أكثر شجاعة على طلب الطلاق، في نوع من التحدي للثقافة الشرقية القائلة إن عبء التحمل الأكبر يقع على عاتق المرأة فيُمارس عليها ضغط عائلي قريب هدفه حفظ الستاتيكو في الوضع الاجتماعي: عدم التخلي عن الأسرة وتجنب كلمة مطلقة!”، على حد قول الحسيني الذي يشدد على أنه “بمقدار تطور وضع المرأة بمقدار ما تتوازن القوى بين الزوجين، التي لا تزال مختلة في الوقت الحاضر لصالح الرجل. أما زوال هذا الاختلال شيئاً فشيئاً فيعزز المساواة في درجة الحرية بين الرجل والمرأة، وهنا لن يستسلم أحد للآخر. كما أن “الفرد الحر” لن يستسلم لرغبة المجتمع الصغير أو الكبير”. ومن زاوية متصلة بما سبق، يشير الحسيني إلى تراجع النظرة السلبية تجاه المرأة المطلقة عما كانت عليه في السابق، بفضل التطور الثقافي للمجتمع وتحسّن وضع المرأة نفسها وقدرتها على المواجهة، مع بقاء الأمر نسبياً بحسب الطبقة الاجتماعية والمجتمع الذي تنتمي اليهما المرأة، بحيث تختلف النظرة في الأرياف عما هي عليه في المدن.
جملة أسباب متمازجة تسهم في ارتفاع نسب الطلاق، ومنها بحسب الحسيني “اكتشاف الطرفين واحدهما للآخر. فالإنسان يستعين بأقنعة كثيرة تعكس الجانب الإيجابي من شخصيته، إلا أن الجوانب الخفية لديه لا تظهر إلا بعد الزواج، وليس بالضرورة أن يتم ذلك بقصد الخديعة، بل لأن ظروف التعايش المشترك في منزل واحد تسمح للطرفين بالتعرف إلى شخصية بعضهما البعض وأسلوب التعاطي مع ظروف ومواقف شتى”. قد تتغير الأمزجة بالنسبة للرغبة في التعايش المشترك، وهو سبب اضافي للانفصال. وبرأي الحسيني هي حالة “خاضعة لظروف ليست مرتبطة فقط بقوانين الزواج بل بقوانين العلاقات الإنسانية التي بطبيعتها متقلبة جداً وزئبقية”.
النظرة إلى الزواج لم تتغير في بلداننا المشرقية كما حصل في الغرب الذي أصبح الزواج فيه نوعاً من الشراكة المحدودة غير المطلقة، إلا أن الحسيني يؤكد أن “مفاعيله اختلفت لدينا، فلم يعد تلك المؤسسة المقدّسة التي في سبيلها يتوجب على طرف تقبل الآخر بلا حدود فقط للمحافظة عليها”، مرجحاً أن تأخذ العائلة والزواج مفهوماً جديداً. هل هذه العائلة قابلة للحياة على المدى الطويل كما تفترض بنيتها؟ سؤال يُطرَح. وفي هذا الإطار يقول الحسيني: “مسألة العائلة نفسها هي موضوع بحث بحد ذاته، وقد يتغير شكلها في المستقبل البعيد بطريقة راديكالية، ويصبح للزواج شكل آخر للمعايشة”.
قد لا تكون العائلة الحل الأمثل لاستمرار حياة المجتمع، إلا أن المحاولات التي شهدتها بعض الدول الغربية لاستبدال تلك المؤسسة والتعويض عبر إشراف الدولة على تربية الأطفال وتحوُّل العلاقات حرة، لم تكن موفّقة، كما يرى كثير من المراقبين. هذا الفشل رفع أسهم العائلة كحلٍّ لتجدد أجيال المجتمع في بيئة إلى حد ما سليمة وصحية، إذا آمن طرفا المؤسسة بأهميتها، واختارا عن قناعة التنازل عن جزء بسيط من حريتهما في سبيل فضاء يجمعهما. وإذا أدركا جمالية أن يسند أحدهما الآخر فيتحوّل العبء سبباً للتشارك في هموم الحياة وضغوطها.

 

المصدر : جنوبيات