الثلاثاء 27 تشرين الثاني 2018 09:39 ص

مهنة "السنكري" تنقرض في صيدا


* ثريا حسن زعيتر

تجاوز "السنكري" محمود القنواتي "أبو وليد"، الـ84 من عمره، أمضى ثلثيها وهو يعمل في هذه المهنة، تراه يجلس داخل محله في سوق البازركان بصيدا القديمة، مستعيداً عصرها الذهبي الذي يتآكله الصدأ اليوم، بينما كان في الماضي مكتظاً بالزبائن، الذين كانوا - وفق ما يقول: "يقفون بالصف لأصلح لهم "بوابير" الطهي و"قناديل" الكاز، التي كانت تُسمّى "لوكس"، وغيرها من الأدوات المعدنية، التي كانت أساسية في كل منزل".. وغالباً ما يكون المطلوب إصلاحها بـ"اللحام" - أي استخدام النار عن طريق تطويع الحديد تحت المطرقة من أجل إعادة تقويمه أو تلحيمه.

خمدت نار موقد "أبو وليد"، كما هي حال باقي "السنكرية" في غير مكان من لبنان، مع أفول نجم "بوابير الكاز" و"قناديل الإنارة" والمرشّات الزراعية، فتقلّص حضور هذه المهنة، تحت ضربات مطرقة الحداثة والتطوّر، وأصبحت اليوم حرفة تراثية أكثر منها مهنة، مع تراجع الحاجة إليها.

تبدّل الوضع

يعتبر الكثيرون أنّ محل "السنكري" كان قديماً بمثابة مركز "الصيانة" الدائم، للعديد من الأدوات والمقتنيات ذات الاستخدام المنزلي ولابتكار بعضها.. 
أدواته مطرقة، مقص معدني، سندان، كماشة ورقائق معدنية.. لكن تبدّل الوضع اليوم كلياً، في ظل هذا التطوّر في الكثير من وجوه الحياة، حيث طغت الأدوات التي تعمل بالكهرباء والغاز والبلاستيك على تلك الوسائل، وقلائل مَنْ لا يزالون يستخدمون "بابور" الكاز.. ولكن الشيء الوحيد الذي لا يزال يشغل "السنكرية" في هذه الأيام هي "النراجيل" المنتشرة كثيراً في مجتمعنا، حيث يقصد أصحابها "السنكري" لإصلاحها وصيانة كل مستلزمانتها وما يتعلّق بها من أدوات.
وبابتسامة على وجه "أبو وليد"، قال: "تقريبا لم يبقَ في هذه المهنة إلا أنا في مدينة صيدا، وقد أصبحت هذه المهنة بالنسبة لي ولغيري من أبناء الكار، وسيلة لملء الفراغ، وتمضية ما تبقى من العمر في المكان الأحب إلى قلبي، والذي أمضيت فيه أكثر من نصف عمري، وفي العمل الأكثر التصاقاً بي، ومع أدوات كادت أن تتماهى ثقلاً مع كفي المرتجفين بفعل سنوات الكبر".
وأضاف: "لقد تعلمتُ هذه المهنة منذ الصغر، حيث كان أحد الجيران يعمل فيها، وأنظر إليه لدى عودتي من المدرسة، فأحببتها وقد ترسّخت في رأسي، وعندما توقفت عن الدراسة تعلمت هذه المهنة، للأسف، حالياً أنا فقط موجود في صيدا، أغلبهم توفوا، وأعمل على تصليح "البوابير" و"الفوانيس" و"اللوكس"، ومرشّات الأدوية الزراعية و"النرجيلة"، لكن في السابق كنّا نعمل في تنك الزيت، نحضرها من داريا، ونعمل على تركيبها، حوالى 15-20 تنكة، وفي أيامنا هذه أصبحت جميعها من البلاستيك".
وختم "أبو وليد" قائلاً: "كنّا نتمنّى أنْ تهتم بنا الدولة، وتحافظ على هذا الإرث الجميل، لأنّ العمل باليد يعطي قيمة للشغل والقطعة، التي نشتغلها، ففي السابق كان الناس ينتظرون دورهم حتى آخذ منهم أغراضهم، أما الآن فأنا أنتظر الزبون بين كل حين حتى آخذ منه ما يريد أن يصلحه".

"السنكري".. مهنة أكل الدهر عليها وأفنى أعمار روّادها

 

 

 

المصدر :اللواء