الاثنين 31 كانون الأول 2018 11:22 ص

2018 يبدأ أمنياً من صيدا ويستمر في عين الحلوة.. ولا ينتهي في «المية ومية»!


لم ينفرد مخيم عين الحلوة خلال العام 2018 بالحدث الأمني في منطقة صيدا، بل تقاسمه مع مخيم المية ومية، بعدما كان العام بدأ بحدث أمني فلسطيني لكن مسرحه مدينة صيدا. أحداث أمنية عدة لازمت المخيمين خلال العام، تراوحت بين اشتباكات محدودة وعمليات اغتيال وحوادث أمنية متفرقة في الأول وبين اشتباكات هي الأعنف والأكثر دموية منذ سنوات في الثاني، لكن النتيجة واحدة، فالوضع الأمني في المخيمين أبقى منطقة صيدا في دائرة القلق الأمني وبالتالي تحت مجهر الاهتمام الأمني والسياسي والرسمي لبنانياً وفلسطينياً.. وفاقمت الأوضاع الأمنية في المخيمين معاناة أبنائهما الحياتية والمعيشية والاجتماعية، ورفعت وتيرة التيقظ الأمني اللبناني حول المخيمين.

تعتبر مصادر فلسطينية أن الوضع في مخيمي عين الحلوة والمية ومية مرشح لأن يبقى في واجهة الاهتمام خلال العام 2019، لأسباب عدة منها: أن كثيراً من الملفات الأمنية التي تقدمت إلى الواجهة خلال العام 2018 لا تزال أسبابها قائمة سواء في هذا المخيم أو ذاك.. كما أن ملف ما يُسمى بالمطلوبين أو من تبقى منهم في المخيمين وبخاصة عين الحلوة – بحسب المصادر نفسها، يمكن أن يُشكل عامل توتير مع بقاء بعض الحالات المسلحة الخارجة عن الإجماع الفلسطيني على أمن واستقرار المخيمين، سيما وأن أحداثاً سابقة وقعت في المخيمين أظهرت أن بعض هؤلاء المطلوبين مرتبط بأجندات خارجية يتم تحريكه عن بعد عند أي استحقاق أو حدث خارجي أو حتى داخلي لاستخدام المخيمات كورقة أمنية أو صندوق بريد لتوجيه رسائل في غير اتجاه، وبشكل أساسي على خط قضية اللاجئين التي بدا واضحاً، وفق هذه المصادر، إن القرارات الأميركية المتلاحقة بدءاً بقرار نقل السفارة، مروراً بصفقة القرن، وانتهاء بقرار وقف التمويل الأميركي للأونروا، إنها تستهدف بشكل أساسي قضية اللاجئين من خلال إضعاف الأونروا كشاهد دولي حي عليها وصولاً إلى إفراغها من مضمونها وشطب حق العودة وتوطين الفلسطينيين في أماكن تواجدهم وفق ما يتوجس الفلسطينيون أنفسهم.

أما فلسطينياً، وبسبب تنامي المخاوف مما يمكن أن يُحاك للمخيمات ومن خلالها لقضية اللاجئين للأسباب الآنفة الذكر، فتبدو كافة القوى والفصائل الفلسطينية الوطنية والإسلامية في المخيمين أكثر حذراً وتنبهاً لدقة المرحلة، ولما يمكن أن يؤدي إليه أي حادث أمني مهما كان صغيراً في أي من المخيمين في حال تُرك يتفاعل ولم تتم معالجته في حينه. وانطلاقاً من هذا التوجس الفلسطيني من تلك المخاطر، سجل العام 2018 إعادة إحياء الإطار الموحد ممثلاً بهيئة العمل الفلسطيني المشترك بمبادرة من رئيس مجلس النواب نبيه بري.

بالمقابل، تعتبر مصادر مطلعة، أن التعاطي الأمني اللبناني مع المخيمين لم يعد «بالمفرق» كما كان في السابق، بل أصبح «بالجملة». ذلك أن الأحداث التي شهدها المخيمان خلال العام 2018 انتجت واقعاً أمنياً مترابطاً نظراً لتداخل بعض الملفات الأمنية بين المخيمين.

وتتابع المصادر أن هذا التعاطي الأمني اللبناني مع المخيمين معاً بدأ يترجم خلال العام 2018 باعتماد السلطات اللبنانية منظومة جديدة للأمن الاستباقي والتي أصبح بموجبها كلا المخيمين والمنطقة الفاصلة بينهما (اللبنانية بطبيعة الحال)، مربعاً أمنياً واحداً محكوماً ميدانياً بالتدابير والإجراءات الأمنية الاستباقية التي يتخذها الجيش اللبناني ضمن هذا النطاق الجغرافي أو تلك الطارئة التي يتخذها عند أي حدث أمني يطل من هذا المخيم أو ذاك.

صيدا

أطل الحدث الأمني مطلع العام 2018 من خارج المخيمين وتحديداً من مدينة صيدا بمحاولة اغتيال استهدفت المسؤول في حركة حماس محمد حمدان (أبو حمزة) عبر تفجير عبوة ناسفة بسيارته في محلة البستان الكبير في المدينة في 14 كانون الثاني. طرحت هذه العملية تساؤلات في توقيتها وموقعها واستهدافاتها، قبل أن تُظهر التحقيقات التي تولاها القضاء العسكري ضلوع الموساد الإسرائيلي بها إثر توقيف المشتبه الرئيسي في هذه العملية المدعو «محمد ح.» في تركيا بناء لطلب السلطات اللبنانية.

وطوال العام بقيت المدينة كما جوارها تتأثر سلباً بين الحين والآخر بالأحداث الأمنية التي شهدها بداية مخيم عين الحلوة ولاحقاً مخيم المية ومية، مع ما كان يرافق بعض تلك الأحداث بطبيعة الحال من حركة نزوح باتجاه المدينة وسقوط رصاص قنص في أحيائها وانفجار قذائف صاروخية في أجوائها وتعليق دروس في مؤسساتها التربوية وشلل في أسواقها التجارية.

عين الحلوة

لم يغب الحدث الأمني عن مخيم عين الحلوة خلال العام وإن كان بوتيرة أقل من تلك التي شهدها في العامين السابقين. ففي التاسع من شباط اندلعت اشتباكات بين عناصر من «فتح» وناشطين إسلاميين إثر إشكال تسبب به المطلوب الفلسطيني محمد جمال حمد، ما أدى إلى مقتل الشاب عبد الرحيم المقدح وسقوط جريحين. وفي الخامس من نيسان قتل الفلسطينيان شادي حمد وعامر شريدي وأصيب أربعة آخرون في اشتباك في حي الصفصاف، إثر إشكال فردي بين الفلسطينيين محمد جمال حمد ومحمد شريدي.

وفي 12 تموز هزت المخيم جريمة مروعة حين أقدم شاب على قتل عمته وإحراق جثتها ومنزلها وجرى توقيف الجاني وتسليمه إلى مخابرات الجيش اللبناني. وفي 16 تموز، قتل الشاب اللبناني سليم هادي إثر إصابته برصاصة طائشة مصدرها إطلاق نار ابتهاج في عرس في مخيم عين الحلوة أثناء تواجده في منطقة حارة صيدا. أثارت هذه الحادثة حالة استياء عارمة في الأوساط الصيداوية واستنكاراً واسعاً من المخيم وتعالت الأصوات مطالبة بتوقيف مطلقي النار الذين جرى تسليم ثلاثة منهم في وقت لاحق إلى السلطات اللبنانية.

وفي 22 تموز أقدم شخصان مسلحان على استفزاز عناصر حاجز الجيش عند مدخل المخيم لجهة درب السيم، وحاولا التهجم على الحاجز المذكور وقاما بتحطيم لافتات تحمل شعارات المؤسسة العسكرية، على خلفية إشكال بين عناصر الحاجز وتاجر السجائر «فضل ع.» الذي كان متجهاً إلى المخيم وبرفقته سيدة سورية لدى محاولة حاجز الجيش التحقق من هويتها، ما اضطر عناصر الجيش لإطلاق النار في الهواء.

وفي 15 أيلول أقدم أحد المطلوبين البارزين «محمد أ.» على اغتيال الفلسطيني هيثم السعدي عند مدخل حي الصفصاف. بقي الوضع في المخيم بعدها لأيام في حال من التوتر والشلل إثر رفض ذوي المغدور دفن جثمانه إلا بعد تسليم قاتله منفذين عدة تحركات احتجاجية غاضبة. وبعد أسبوعين على الحادث تم دفن الجثمان مقابل تعهد القوى الفلسطينية بتسليم الجاني.

ملف المطلوبين

سجل العام 2018 تسليم مزيد من المطلوبين في مخيم عين الحلوة أنفسهم للسلطات اللبنانية، ومغادرة آخرين المخيم إلى سوريا وعبرها إلى أوروبا، ومن بين هؤلاء وأولئك مناصرون للشيخ الموقوف أحمد الأسير. وعلمت «المستقبل» في هذا السياق، أن مغادرة المطلوبين مخيم عين الحلوة تراجعت أخيراً إثر توارد معلومات عن أن المطلوب «محمود و.» الذي كان غادر إلى سوريا في وقت سابق تم توقيفه من قبل السلطات السورية هناك.

الجدار الإسمنتي

وشهد العام 2018 متابعة الجيش اللبناني استكمال الجدار الإسمنتي حول مخيم عين الحلوة والذي كان قد بدأ العمل فيه قبل عامين، حيث لحظت المرحلة الأخيرة من الجدار إعادة رسم لقسم من الحدود الشرقية الجنوبية للمخيم وتحديداً في المنطقة الواقعة من مدخل النبعة شرقاً باتجاه طلعة سيروب جنوباً وبستان الطيار باتجاه المخيم غرباً.

وتقدمت إلى الواجهة خلال العام تفاعلات البوابات الإلكترونية والإجراءات الأمنية المُشددة التي اتخذها الجيش على مداخل المخيم والتي قوبلت بتحركات فلسطينية داخل المخيم وبحراك سياسي فلسطيني لبناني خارجه بالتنسيق مع قيادة الجيش أفضت إلى إزالة هذه البوابات مع الإبقاء على الإجراءات وفق ما تقتضيه التقديرات الأمنية للجيش.

وفود عسكرية أميركية

ولم تغب الوفود العسكرية الأميركية عن استطلاع مخيمات صيدا خلال العام 2018، حيث سجلت في نيسان زيارة قائد المنطقة الوسطى في الجيش الأميركي الجنرال جوزف فوتيل مع وفد مشترك من القيادة الوسطى والسفارة الأميركية إلى مشارف مخيم عين الحلوة، وأعقبها في الثاني من أيلول زيارة وفد عسكري أميركي مع مسؤول في السفارة في بيروت لمنطقة مطلة على المخيم ووضعت هاتان الزيارتان في إطار الاهتمام الأميركي بعين الحلوة والإطلاع عن قرب على المخيم والوضع في هذه المنطقة.

عمليات أمنية نوعية

تميز العام 2018 بأنه كان عام العمليات الأمنية النوعية للجيش اللبناني وشعبة المعلومات في قوى الأمن الداخلي في ملاحقة مطلوبين بارزين وفي استدراج بعضهم من داخل المخيم.

ففي 14 أيلول تمكنت شعبة المعلومات من وضع اليد على خيوط أساسية في قضية محاولة الاغتيال التي استهدفت مسؤول الاستخبارات في سفارة فلسطين في لبنان العميد اسماعيل شروف «أبو أيهاب» في مدينة صيدا في 30 كانون الثاني 2017، حين قادت اعترافات أحد الموقوفين ويدعى محمد ذيب والمعروف باسم «شيبوب» إلى توقيف نائب الأمين العام لحركة أنصار الله الفلسطينية محمود حمد في مدينة صيدا للاشتباه بتورطه في هذه القضية.

وفي 17 أيلول وبعد رصد ومتابعة تمكنت مديرية المخابرات في الجيش اللبناني من استدراج وتوقيف المطلوب الفلسطيني البارز بهاء حجير وسحبه من داخل المخيم. وفي 10 تشرين الأول وفي عملية نوعية تمكنت مخابرات الجيش من توقيف المسؤول السابق في الجبهة الشعبية – القيادة العامة الفلسطيني حسن نوفل، والشهير بلقب «الحكيم» أحد أبرز المطلوبين للأجهزة الأمنية في قضايا تزوير كبرى مرتبطة بملفات أمنية أكبر.

مخيم المية ومية

على خلفية تراكم تفاعلات أحداث وملفات وقضايا أمنية شهدها على مدى سنوات سابقة، خطف مخيم المية ومية خلال العام 2018 الوهج الأمني من مخيم عين الحلوة، فسجل الأول سلسلة أحداث دراماتيكية جعلت الوضع الأمني فيه يتقدم تدريجياً إلى الواجهة، وبدأت في شهر آذار باغتيال نائب قائد قوات «الأمن الوطني الفلسطيني» محمد أبو مغيصيب على يد مجهولين داخل المخيم.

لكن الوضع الأمني في المخيم بدأ يتجه فعلياً نحو التدهور في 18 تموز بعد معلومات عن إحباط محاولة اغتيال أمين عام أنصار الله جمال سليمان وكشف النقاب عن اسم المشتبه به، وجد هذا الشخص وهو الفلسطيني بلال زيدان (وينتمي لحركة أنصار الله نفسها) مقتولاً داخل المخيم. وأصدرت الحركة حينها بياناً أشارت فيه إلى أن المذكور شنق نفسه بعدما رفض تسليم نفسه للدولة اللبنانية. ومنذ ذلك التاريخ، بدأ المخيم يشهد بين الحين والآخر حالات استنفار داخل صفوف كل من «أنصار الله» و«فتح»، وتوالت بعد ذلك الإشكالات الأمنية بين الطرفين، لتأتي محاولة اغتيال المسؤول الفتحاوي فايق أبو مغيصب (24 عاماً) قائد كتيبة شهداء المية ومية، في السادس من أيلول وتأخذ الوضع في المخيم إلى مزيد من التوتر، قبل أن ينفجر في 15 تشرين الأول على إثر اشكال وقع بين عنصر من فتح وآخر من أنصار الله تطور إلى تبادل لإطلاق النار وما لبث أن توسع ليتخذ شكل اشتباكات عنيفة على جولتين أسفرت عن سقوط قتيلين وعشرات الجرحى، وفصلت بينهما هدنة لم تصمد سوى لأيام رغم التوصل إلى أكثر من اتفاق على وقف النار بمساعٍ من الرئيس نبيه بري وبالتنسيق مع الفصائل الفلسطينية وحزب الله. ونفذ الجيش اللبناني خلال الفترة الفاصلة بين الجولتين عملية اعادة تموضع عند مداخل مخيم المية ومية ومحيطه، وتمركز في نقاط متقدمة ضمن حدود المخيم.

بموازاة ذلك ارتفعت الأصوات اللبنانية وبخاصة المسيحية مناشدة أعلى المرجعيات الرسمية والسياسية والأمنية وضع حد لهذه الاشتباكات بعدما طال رصاصها وانفجارات قذائفها بلدة المية ومية التي يقع المخيم على أراضيها. توقفت الاشتباكات بضغط لبناني، وبدأت الأطراف الفلسطينية واللبنانية المؤثرة البحث جدياً في صيغة لنزع فتيل التفجير نهائياً من المخيم. فتم توقيع اتفاق برعاية حركة أمل وبالتنسيق مع حزب الله من جهة وقيادة حركة فتح وهيئة العمل الفلسطيني المشترك يقضي بخروج جمال سليمان وعائلته من المخيم وتكليف أحد مسؤولي أنصار الله الحاج ماهر عويد مهام الإشراف عليها. ووضع الاتفاق موضع التنفيذ في السادس من تشرين الثاني وخرج سليمان وبرفقته نحو 20 من عائلته والعناصر التابعة له إلى وجهة تبين لاحقاً أنها سوريا، من دون أن يخرج كحركة أنصار الله من المعادلة السياسية والأمنية في مخيمات صيدا.

ورغم استعادة المخيم لهدوئه وحياته الطبيعية إلا أنه بقي متأثراً بتلك الأحداث سواء لجهة الأضرار الجسيمة التي ألحقتها بالبيوت والممتلكات أو لجهة استمرار المخاوف لدى أبنائه من عودة التوتر نظراً لكون أسباب هذا التوتر لا زالت قائمة!.

 

مقاتلان من فتح امام احدى الدشم أثناء الاشتباكات في مخيم المية ومية

صرخة من اهالي عين الحلوة: كفى استهتاراً ولا تنسوا

المصدر :رأفت نعيم - المستقبل