الثلاثاء 10 أيلول 2019 19:48 م

مؤتمر طبّي في أوتيل ديو تحت عنوان: الإبتكار في معالجة قصور القلب من الأقراص إلى الأجهزة


* جنوبيات

أقيم مؤتمر طبّي حاشد في أوتيل ديو تحت عنوان: الإبتكار في معالجة قصور القلب من الأقراص إلى الأجهزة

(الجزء الأول)

 

1-مقدمة: في إطار النّشاطات العلميّة التي يقوم بها "قسم القلب" في مستشفى أوتيل ديو(الجامعة اليسوعيّة في بيروت) وبدعوة كريمة من رئيس القسم البروفيسور ربيع عازار ،نُظِّمَ صباح أمس مؤتمر طبّي حاشد حول مرض قصور عضلة القلب تحت عنوان: «الإبتكار في معالجة قصور القلب: من الأقراص إلى الأجهزة».
المؤتمر إمتدّ لفترة ست ساعات وحاضر فيه عدد من الخبراء الأميريكيين والأوروبيين واللّبنانيين اللّامعين والمتخصّصين في هذا المجال.
وكنّا أشرنا سابقاً في مقالاتٍ نشرناها على عدة حلقات ان أمراض القلب منتشرة انتشاراً واسعاً في لبنان والعالم، ومن أبرزها قصور القلب أو فشل القلب الذي يُعتبر حاليًا سببًا رئيسًا للمرض والوفيات. قد تُصاب العضلة القلبية بالقصور او الفشل عندما تصبح ضعيفة فتضخ كميات قليلة من الدم، ما يؤدي إلى انخفاض تدفق الدم إلى أعضاء رئيسة في الجسم كعضلات الاطراف والهيكل العظمي والكلى والجهاز الهضمي والدماغ ،وفي نهاية الأمر فأنّ قصور عضلة القلب هو من المشاكل الصّحّيّة الأساسيّة التي تهدّد المجتمعات المتقدّمة والفقيرة منها على حدٍّ سواء، بحيث أنّ مختلف أمراض القلب والشّرايين تؤدّي في نهاية الأمر إلى وجود ضعف أو قصور في عضلة القلب، ممّا يؤدّي إلى دخول المريض إلى المسشفيات بشكل متكرّر والى حصول حالات إحتقان رئوي حاد متكرّرة أو إضطرابات خطيرة في كهرباء القلب ،أو أحياناً الموت المفاجئ بسبب ذلك.
وتشير آخر الإحصاءات إلى أنّ أعدادا كبيرة من المرضى تعاني من هذا المرض، إنْ في الولايات المتّحدة الأميركيّة أو في أوروبا أو حتى في لبنان. ومن هنا تأتي أهميّة هذا المؤتمر الذي جمع أهم الخبراء العالمييّن واللّبنانييّن المتخصّصين في علاج هذا المرض الذي يشكّل أهم وأخطر ظاهرة قد تصيب مرضى القلب.
لذلك، نظّم قسم الأمراض القلبية الإجتماع السنوي الثاني، في تاريخ 6 و7 أيلول 2019، بعنوان «الإبتكار في معالجة قصور القلب: من الأقراص إلى الأجهزة» بحضور وزير الصحة د. جميل جبق وبالتعاون مع كلية الطب في جامعة القديس يوسف ورئيس الجمعية اللبنانية لأطباء القلب الدكتور مالك محمد. وحضر هذا المؤتمر أهم الأخصائيّين في أمراض القلب والأوعية الدموية في لبنان والدول العربية المجاورة.
افتُتح المؤتمر بكلمة ترحيبيّة تلتها وقفة مع النشيد الوطني. ثمّ ألقى البروفسور ربيع عازار، رئيس قسم الأمراض القلبيّة في مستشفى أوتيل ديو، كلمة أوضح فيها أهمية «معالجة قصور القلب التي أصبحت عمليّة متقدّمة ومعقّدة. فبالإضافة إلى الأدوية، يعتمد العلاج اليوم على تدخّلات هيكليّة غير جراحيّة متقدّمة ومتطوّرة وعلى أجهزة كهربائيّة متنوّعة تم التطرق الى اهمها واخر التطورات في مجالاتها. ولذلك يتوجّب على أطباء أمراض القلب أن يبقوا على اطّلاع دائم في هذا المجال لأنّ الابتكارات في هذا المجال تشهد تقدما كبيرا وتزايداً مستمرّا يستدعي ان نبقى جميعا على اطلاع عليها.
أضاف "أنّ قصور القلب حاليًا يعدّ سببًا رئيسًا للوفيات في جميع أنحاء العالم. ويعود سبب انتشاره إلى شيخوخة السكان بسبب التقدم الحاصل في مجالات العناية الصحية في مختلف الدول المتقدمة وإلى استمرار زيادة انتشار أمراض الشرايين التاجية للقلب في الدول الفقيرة بسبب استمرار انتشار آفة التدخين بشكل مخيف في الدول النامية او الفقيرة ومنها لبنان، بسبب استمرار تفشي وانتشارامراض ارتفاع الضغط الشرياني وداء السكري والبدانة وغيرها من عوامل الخطورة المعروفة لهذه الامراض ،ما يؤدي في النهاية الى الاصابة بقصور عضلة القلب والاعراض الخطيرة التي يتسبب بها والتي قد تكون مميتة في بعض الاحيان وخاصة في المراحل المتقدمة لهذا المرض.
وفي كلمة ألقاها أمام الحضور، استعان وزير الصحة د. جميل جبق ببعض الإحصاءات، وقال إنّ أكثر من 2 في المئة (أي ما يزيد عن 130 مليون من سكان العالم) يعانون من قصور القلب. أمّا في لبنان فيعاني منه أكثر من 70 ألفاً، ويسجَّل سنوياً دخول ما يزيد على 11000 حالة مصابة الى المستشفيات، وتغطي وزارة الصحة ما يزيد على 33 في المئة منها، بحسب الوزير جبق.
وتابع وزير الصحة العامة أنّ هذه الأرقام تدلّ على الإنتشار الواسع لهذا المرض في لبنان كما في العالم، ما يضفي أهمية خاصة على هذا المؤتمر. كذلك، سلّط الوزير جبق الضوء على مسألة وهب الأعضاء داعيًا المؤتمرين إلى المشاركة في إحداث نقلة نوعية والقيام بواجب ثقافي واجتماعي بهدف دعم لجان وهيىئات وجمعيات وهب الأعضاء من خلال تشجيع الناس على التبرع بأعضائهم.
وختم الوزير جبق مؤكدًا أنّ لبنان كان دائمًا منارة الشرق الأوسط في الإستشفاء ،ووزارة الصحة لن تألو جهدًا لتعيد لبنان وجهة للعالم العربي في هذا المجال.
كما كانت مداخلات للحاضرين شدّدت على أهمية انعقاد المؤتمرات لتبادل الخبرات والمعرفة في هذا المجال . وقد ناقش أعضاء كلية الطب المحليّون مع أهم الأخصائيّين في أمراض القلب والأوعية الدمويّة الأميركيّين والأوروبيين، كافة نواحي إدارة قصور القلب من علاجه من خلال الأقراص إلى علاجه بواسطة الأجهزة.
وحضر هذا المؤتمر إضافةً الى المحاضرين رئيس جمعية أطباء القلب في لبنان الدكتور مالك محمد وعدد كبير من اعضاء هيئتها التنفيذية وعدد كبير من الأطباء اللّبنانيين الذين أتوا من مختلف المناطق اللبنانية وشاركوا بشكل تفاعلي كبير في كل المحاضرات والمناقشات التي جرت خلال جلسات المؤتمر.
وقد اشاد الدكتور مالك محمد بأهمية هذه الخطوة التي بادر اليها مستشفى اوتيل ديو واكد دعم الجمعية الكامل لهكذا نشاطات علمية عالية المستوى وشدد على اهمية الاستمرار بتنظيم هكذا نشاطات علمية في مختلف المناطق اللبنانية بالتعاون الوثيق مع الجمعيات العلمية الاوروبية والاميركية والعربية المتخصصة بامراض القلب والشرايين من اجل تبادل الخبرات.
ولأهمية المداولات التي جرت في هذا المؤتمر سوف اقوم بتلخيص اهم النقاط الأساسية التي تكلّم عنها المحاضرون باجزاء ثلاثة مُفصّلة:

1- الجلسة الأولى لهذا المؤتمر : وهي الأهم وكانت مخصّصة لثلاثة محاور وتخلّلها مُحاضرتان قيّمتان للخبير الأميريكي Mark Alan Pfeffer وهو بروفيسور في جامعة Harvard Medical School ويُعتبر من أهم الخبراء العالميين في مجال تطوير علاج مرض قصور القلب.وقد كان هو وزوجته الدكتورة Janice Pfeffer والطبيب الأميركي الآخر المشهور جداً عالمياً Eugene Brunwald أوّل من أطلقوا نظرية أهميّة علاج مرضى قصور القلب بواسطة عائلة الأدوية التي يُطلق ال Angiotensin-Converting Enzyme Inhibitors (ACEIs) وقام بنشر عدّة دراسات مهمّة تركّز على أهمية دور هذه العائلة من الأدوية في التخفيف من الأعراض الجانبية للذبحات القلبية وإعادة تصميم او بناء وهندسة عضلة القلب الأيسر (Left Ventricule Remodeling) بشكلٍ مُفيد وفعّال بعد الاصابة بالذبحة القلبية ، مع تناول هذه الأدوية مُباشرةً بعد الإصابة بالذبحات القلبيّة او بعد ايام واسابيع من ذلك .وقد كان لهذا الإكتشاف أثر كبير في تطوير علاجات قصور عضلة القلب .وقد كرّت السبحة من بعد ذلك من خلال إكتشاف عدّة أدوية فعّالة جداً لعلاج قصور عضلة القلب ،من ضمنها عائلات كثيرة من الأدوية سوف نستعرضها.ويُعتبَر الدكتور Pfeffer صاحب أكبر عدد من الجوائز العالمية في مجال علاج قصور القلب وله تجربة عالميّة لا يضاهيه بها أحد. وقد إستعرض في محاضرتيه الأولى والثانية كيفية التدرج التاريخي في علاجات قصور عضلة القلب بالطرق الدوائية وعرض التسلسل التاريخي الدقيق الذي مرّت به علاجات أمراض القلب ،مروراً بالوصول حالياً الى ترسانة مهمة جداً من الأدوية الفعّالة لعلاج قصور عضلة القلب تحتوي على الأقل خمسة عائلات من الأدوية وهي:
١-مُحِصرات او مُضادات Beta أو -Beta blockers
وهي أدوية فعّالة جداً في علاج قصور القلب وفي تخفيض الضغط الشرياني وعلاج إضطرابات الكهربائية للقلب ،وهي مُتوفرة في كل الدول المتقدّمة منها والفقيرة واسعارها جداً مقبولة ،وهي من الأدوبة التي أظهرت فعّاليّتها بشكلٍ كبير في في علاج قصور القلب وتخفيف اعراضه ونسبة الوفيات الناتجة عنه.

٢-عائلة ال Angiotensin- Converting Enzyme Inhibitors (ACEIs)
وهي العائلة التي تكلّم عنها البروفيسور Pfeffer بشكل مُسهب ،وأكّد أنها ومنذ تسعينيّات القرن الماضي كانت إكتشافاً كبيراً أسهم في إنقاذ حياة العديد من المرضى. وهي لا تزال تُستعمل حتى تاريخ اليوم وقد أُجريت دراسات سريرية عليها شملت أعدادا هائلة من المرضى الذين تناولوا هذه الأدوية بفعّالية عالية واثبتت انها وبشكل قاطع تمنع الوفيات المُبكرة بأمراض قصور القلب والشرايين ،وتمنع اعادة إدخالهم الى المستشفى والوفيات القلبية الناتجة عن ذلك في الوقاية الثانوية بعد حصول المرض وحتى في الوقاية الأولية قبل حدوث المرض القلبي، ومن هنا اهميتها القصوى في هذا المجال.

٣- عائلة ال Angiontensin Receptor Blokers (ARBs) وهي عائلة جديدة أيضاً نسبياً. وتلعب على ايقاف دور اونزيم ال Angotensin ويوجد منها على الأقل خمسة الى ستة أدوية مُتوفرة في الأسواق العالمية ،ولها دور كبير في علاج قصور عضلة القلب وهي متوفرة في لبنان وفي كل الدول المُتقدّمة وحتى الفقيرة منها .وقد كانت حتى الماضي القريب مُكلفة الى مستوى معين لكن اسعارها انخفضت بشكل كبير منذ فترة.
٤-عائلةال Anti -Aldesterone :وكلنا يعلم أنّ هرمون ال Aldesterone يلعب دورا كبيرا في تطوّر مرض قصور عضلة القلب وأن اعطاء الأدوية المضادة لهذا الهرمون Anti Aldesterone يلعب دورا كبيرا في الحماية من أعراض قصور القلب لأنه يُدّر البول ويؤدي الى تحسّن حالة المريض .وقد تم مؤخراً اكتشاف وتطوير دواء جديد يسمّى ال Elperlenone وهو يعمل بذات الطريقة التي يعمل فيها دواء ال Anti Aldesterone لكنه ليس له الآثار الجانبية الكثيرة التي يعاني منها ال Anti Aldesterone وهو يعتبر من ضمن الترسانة الموجودة لعلاج أمراض قصور عضلة القلب وقد اثبت انه يخفف ايضاً الوفيات عند هؤلاء المرضى .
٥-العائلة الجديدة وهي عائلة ال Angiotensin
Receptor-Neprilysin Inhibitors (ARNi)
وقد شكّل اكتشاف مادة ال Neprilysin (Sacubitil) اساس تكوين هذه العائلة الجديدة جداً من الأدوية، والتي تتضمّن في ذات الدواء مشتقات من ال (ARB) وهو مادة ال Valsartan مع مادة ال Neprilysin اكتشافاً هائلاً في الفترة الأخيرة ،وزاد دواءً نوعياً وثورياً جديداً في علاج أمراض قصور عضلة القلب. وقد تمّ تسويق الدواء تحت اسم Entresto وهو متوفر بعدّة جرعات مختلفة يجب إعطاؤها للمريض بشكل متدرّج وتحت مراقبة سريرية وبيولوجية مُشددة، لمنع حصول الأعراض الجانبية لهذا الدواء. وهو يُسوّق في لبنان والعالم من قِبل شركة Novartis العالمية وهو يُعتبر الآن الدواء الأكثر فعالية في تخفيف الوفيات وتخفيف حالات الدخول الى المستشفى بعد التعرُّض لحالة قصور عضلة القلب. لكنّ سعره لا يزال مرتفعاً وبحدود 150 الى 200 $ شهرياً ،و ينتظر أن تنخفض أسعاره بشكل مهم لكي نبدأ بتوسيع إمكانات إستعماله لأن الكثير من المرضى لا يتمتعون بالقدرة الشرائية التي تسمح له بشراء هذا الدواء.

٦- وقد تطرق البروفيسور Pfeffer ايضاً بشكل سريع الى دور دواء ال Ivabradine (Procoralan)والذي تمّ تطويره اساساً لعلاجات الحالات المُتقدمة او المُستعصية لمرض تصلُّب الشرايين التاجية للقلب. لكنه اثبت ايضاً ان له دورا مُهما في علاج مرض قصور القلب . لكن مكانه في الترسانة الموجودة في علاج قصور القلب لا يزال يخضع لبعض التجاذبات ،ولا يعرف الخبراء مكانه الدقيق والمُحدد بين هذه الأعداد الكثيرة التي اصبحت متوفرة لعلاج هذا المرض .
أما التركيز الأكبر في مُحاضرة البروفسور Pfeffer فكان حول أهمية الأدوية الجديدة المُعالجة لمرض السُكّري من عائلة SGLT2 وهي عائلة جديدة ظهرت منذ حوالي ٤ سنوات لعلاج مرض السكري. وأثبتت فعالية كبيرة في علاج المرض وأظهر استعمالها عند المرضى المصابين بمرض السكري أنها تُخفّف بشكلٍ كبير أعراض قصور القلب وتُساعد مرضى السكري لعلاج الكثير من أعراض قصور القلب لأنها مُدرة للبول. و قد شكّل اكتشافها فجوة كبيرة في جدار علاج مرضى قصور القلب وباعتقاد البروفسور Pfeffer أن هذه الادوية الجديدة لعلاج مرض السكري سوف يكون لها دور كبير في الوقاية الثانوية وحتى في الوقاية الأولية لمنع حدوث مرض قصور عضلة القلب او لعلاج أعراضه حينما يكون موجودا. وقد أجُريت عدة دراسات على هذه الأدوية أثبتت أنها تُخفف الوفيات القلبية بأمراض القلب والشرايين عن طريق منعها لحصول قصور عضلة القلب ومنع تطور مرض العضلة. وهناك دراسات سريرية كثيرة على هذه الأدوية لكي يقرّر لاحقاً الأطباء إذا ما كانت فعالية هذه الأدوية ستسمح لأطباء القلب باستعمالها كعلاج لقصور عضلة القلب ،لأنها أثبتت انها فعالة عند المرضى المُصابين بالسكري، وحتى عند المرضى غير المُصابين بالمرض لمنع تطوّر مرض قصور عضلة القلب .

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

المصدر : جنوبيات