الثلاثاء 7 شباط 2023 19:52 م

غازي العريضي: ديمقراطية "اسرائيل" "1"


* جنوبيات

كما ذكرنا سابقاً وزير خارجية أميركا انطوني بلينكن زار دولة الاغتصاب والإرهاب اسرائيل منذ أيام. قدّم كل شيئ لرئيس حكومتها نتانياهو. تأكيد على مواجهة إيران ومنعها من امتلاك سلاح نووي. تأييد للعمليات الاسرائيلية ضدها في الداخل وضد قواتها وميليشياتها الحليفة في سوريا.  عمل مشترك لاستكمال التطبيع مع الدول العربية وبالتحديد المملكة العربية السعودية. عدم الذهاب بعيداً في التأثير على هذه المصالح المشتركة في الإجراءات الاسرائيلية ضد الفلسطينيين وسلطة ابو مازن. كل هذا لم ينفع. استغله نتنياهو ليمتص النقمة، واستكمل مع عصاباته بقيادة ايتمار بن غفير وزير الأمن القومي عمليات القتل ضد الفلسطينيين. العمليات التي لم تتوقف بل تكثفت استقواءً بقرار الكنيست الاسرئيلي الذي تجاوز قرارات المحكمة العليا، وسنّ تشريعات تغطي العمليات وتحمي القتلة والمجرمين بالقانون. هذه الإجراءات أثارت عاصفة من المعارضة في الداخل، مواجهات في الشارع، تحذير أصدقاء اسرائيل من مخاطرها على سمعتها ك "دولة ديموقراطية" وعلى الاستقرار الداخلي فيها. ونتانياهو لم يكترث. هذه هي طبيعة الرجل في الأساس. متهوّر. حاقد. عنصري. إرهابي. قات. لا يقيم اعتباراً لأي أمر إلا لشهوة قتل وإبادة الفلسطينيين. وبالرغم من خلافه مع الإدارة الأميركية فقد أعلن الرئيس الأميركي جو بايدن فور انتخاب نتانياهو: "سنتعاون معه في مواجهة إيران". ثم جاء بلينكن وقدّم له كل شيئ. وكانت وفود اسرائيلية زارت واشنطن وكذلك جاء من واشنطن إضافة الى وزير الخارجية مدير وكالة الاستخبارات المركزية وليم بيرنز ومستشار الأمن القومي جاك سوليفان، وأعطوه دعماً مكرّرين كلام بلينكن الذي تعرّض لهجوم لاذع من قبل نتانياهو لأنه اعتبر: "... إن العلاقات بين بلدينا متجذرة في المصالح والقيم المشتركة وهذا يشمل دعمنا للمؤسسات والمبادئ الديموقراطية والحفاظ على حقوق الانسان ونظام قانوني مساو للجميع وحقوق الأقليات وسيادة القانون وحرية الاتصال والحفاظ على مجتمع مدني قوي في اسرائيل " . فردّ نتانياهو قائلاً : " هذا تدخل صارخ وواضح وغير ضروري وغبي"!!
لا لياقة، لا تساهل، لا استعداد للنقاش، ممنوع التدخل في شؤوننا الداخلية وغبي من يتدخّل حتى لو كان وزير خارجية أميركا. أخذ ويأخذ ما يريد ويستمر في مشروعه المدمّر ذاته. فعلها مع الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون الذي كان أول المتصلين به لتهنئته بفوزه في الانتخابات وأول من وجّه اليه الدعوة لزيارة باريس مؤكداً أن البند الأول للنقاش سيكون مواجهة إيران. اعتبر ماكرون أنه قدّم له الطبق الشهي والاغراء الذي لا يقاوم . واستقبله منذ أيام بحفاوة استثنائية . كل شيئ كان على ما يرام حتى أشار الرئيس الفرنسي الى ضرورة تغيير خطة الحكومة الاسرائيلية لإصلاح النظام القضائي وإذا لم يحصل ذلك فإن باريس " تستنتج ان اسرائيل خرجت عن المفهوم المشترك للديموقراطية " . وأضاف: "خطة الإصلاح القضائي المقترحة تهدّد بكسر سلطة المحكمة العليا، القوة المضادة المؤسساتية الوحيدة في الحكومة" واعتبر الرئيس ماكرون أن الخطة " تفتح أزمة غير مسبوقة منذ نشأة اسرائيل عام 1948 " . فردّ نتانياهو: "المحكمة العليا أصبحت شديدة التطفّل وهي تضعف التنمية الاقتصادية"!! "لقد انتقلت اسرائيل معها من دولة قانون الى دولة محامين"!! "وأنا أريد إعادة التوازن بين فروع الحكومة القائم في الديموقراطيات الأخرى" .
لم يأبه لكلام ماكرون، ولم يقبل ملاحظات بلينكن، ولا يردّ على أحد. ويندفع في لعبته الجهنمية التي تستهدف الانتقام من الفلسطينيين وتكريس الدولة العنصرية بقوميتها اليهودية آخذاً بعين الاعتبار مأزق أميركا ومشاكلها في الداخل ، وورطتها في الحرب في أوكرانيا ، حاجتها الى اسرائيل، مشاكلها في أوروبا ومعها، مشاكلها مع عدد من دول المنطقة التي يراهن قادتها على نتانياهو أكثر من رهانهم عليها في النظرة الى ايران، والتصرف ضدها وهو يبيعها العمليات الاسرائيلية في الداخل الايراني ويعتبر أنه حقق إنجازات كبيرة على طريق التطبيع وليس لدى من لم يطبّع معه بعد في الخليج سوى الالتحاق بالركب ولو تأخر الزمن قليلاً. كذلك يعتبر نتانياهو أن فرنسا ليست في موقع الضغط عليه وهي لديها أزماتها ومشاكلها في الداخل وفي أوروبا وفي أوكرانيا وليست قادرة على التأثير عليه وهو في الأساس لم يكن يوماً مع أي دور فرنسي في حل القضية الفلسطينية. والدور الفرنسي في ترسيم الحدود البحرية مع لبنان لا يؤهلها لتكون في موقع من "يمون" أو يضغط عليه. لكل هذه الأسباب سيستمر نتانياهو في مشروعه وممارسة إجرامه ضد الفلسطينيين وتنفيذ ما التزم به خلال الانتخابات مع أركان العصابة حلفائه في الحكومة الذين ذهب بعضهم بعيداً، مثل بن غفير، فأكد نتانياهو "أنا رئيس الحكومة . أنا أمسك بكل الأمور".
لم تكن اسرائيل يوماً دولة ديموقراطية . لكنها تترسّخ أكثر فأكثر دولة اغتصاب وإرهاب وعنصرية ذات نزعات نازية. وعندما لا يصغي قادتها لأصوات في الداخل ولملاحظات الحاضن الأكبر والراعي والداعم الأكبر، ولصوت فرنسا ودول أوروبية كثيرة لن يستمع لأصوات عربية هو أصلاً لا يقيم اعتباراً لها ويؤمن أن قادتها يطربون لصوته ومواقفه . وللبحث صلة!!

المصدر :جنوبيات