الاثنين 12 حزيران 2023 09:10 ص

الألم طريق الإنسان الحرّ


* جنوبيات

كل منّا يرى الأمور من وجهة نظر مختلفة، قد لا نتشابه في الحكم على القضايا، وقد لا تكون رؤيتنا وافكارنا وبصائرنا واحدة  لكن الذي يمكننا ان نتشارك به هوالشعور بالألم، وبالتالي الشعور بتكبيل الطاقة والعجز عن الحراك، فالحياة تقسو على الإنسان ولا تعطيه جل ما يتمناه، بالمقابل نرى ان الإنسان محكوم عليه بألا  يستسلم ويقف متحسّراً، انما ينهض ويسعى ويكافح ويتحدى المصاعب ويقاتل اذا لزم الأمر، فالمواجهة هي التي تمكنه من الوصول الى مبتغاه، والعقبة التي لا تثنيه انما بالواقع تقويه، هنا نتساءل هل الإنسان محكوم عليه بالألم والمرارة أم أن هذا الألم هو لصالحه ولكي تصنع منه انساناً قوياً قادراً على مواجهة الصعوبات بكل دراية وحكمة واتزان وحلم؟ أهذا الألم هو مفتاح الحرية على الرغم من شعورالفرد بالأسى والأسف؟ 

يتخذ هذا الفرد  الصبر طريقاً له ونراه يصبر ويتحمّل ويقوى ويجاهد ويعاند المصائب ويطوّعها ويتأقلم معها أي انه يخرج من التجرية المريرة شخصاً آخر، شخصا لا يريبه احد، فهو قوي بإيمانه، قوي بمبادئه، قوي بقيمه، أي لديه كامل المقدرة على اتخاذ قرارات مصيرية، أي لديه نظرة ثاقبة وصبر متفان  للأمور الحياتية.

في الواقع يخرج الإنسان من التجربة ويأخذ اللب، أي يستفاد من الدروس التي تلقاها فنراه يعتصر ألما على خيبات الأمل التي تلقاها، وعلى الخذلان الذي ألمّ به، فهو لم يكن على دراية بحقائق الأمور، كانت نواياه الحسنة  تصوّر له ظاهر الأشخاص بأنهم أخياربينما حقيقة يضمرون الشرّ، انه عاد من تجربته حراً طليقاً لا يملك سوى خبرات الحياة  حيث الخيارات الممكنة للتفاعل الاجتماعي، إذ هو وحده يعيش ألم التجربة التي اعتصرته، فهو فرد اجتماعي،  بمجتمع تحكمه الماديات والمظاهر، التي لا تقيم اعتبار للروح الحرّة الأبيّة، كل ما يهم هذا المجتمع المظاهر والشكل الخارجي من كينونة هذا الإنسان المناضل والمجاهد لحرب ضد الأهواء البشرية.

هذه الحرب بطبيعتها لا تحتاج الى ذخائر بل تحتاج الى تغليب العقل على العاطفة، فالعقل هو السلاح الذي يمنح الإنسان الخبرة، ويدفعه نحو اتخاذ قرارت مصيرية، تحدد مساره ووجهته حيث يعلو صوت العقل على بقية الأصوات الداخلية، فنعمة العقل تمكننا من الوصول الى ابعد الحدود، والإنسان الذي يحكّم عقله في كل القضايا  هو انسان عاقل وقادر على التوازن في حياته، وقادر على التمييز بين الخير والشرّ ، فالحياة التي لا تعلّم الإنسان دروسا هي ليست جديرة بأن تكون حياة، والفطن هو من استطاع ان يخرج من التجربة بأنفع  الدروس تعلماً وهدىً، فالعلم والمعرفة هما سرّ الإهتداء للطريق لتحرير الإنسان من ظلم الإستعباد، وقيود العبودية المظلمة، فالجباه لا تنحني إلا للخالق،  ولا تكوى سوى بشعلة الإيمان والصبر.  
 

المصدر :جنوبيات