الأحد 27 آب 2023 11:26 ص

"لا زلتَ تجهلُ الحسابَ"!


* جنوبيات

يُروى أنّ فتاةً تزوّجت من شابٍّ متعلّقٍ بأمّه إلى حدِّ الولهِ. وكانت في كلِّ مرّة تحضرُ له أكلةً يحبُّها يقولُ: 

طيّبة، ولكنّ أمّي تطهوها أحسن من هذه . فتبتسمُ وتنظرُ إلى عينيه وتتمتمُ بعضَ الكلماتِ المرافقةِ لابتسامتها البريئةِ. وفي كلِّ مرّة تضعُ عطرًا جميلًا يقولُ لها: رائعٌ وكأنَّه عطرُ أمّي. فتبتسمُ أيضًا وتتمتمُ بالكلماتِ نفسها. وهكذا قضت كلَّ حياتِها معه تسمع كلمةَ أمّي تفعلُ، أمّي تقولُ، تشبهُ أمّي، عطرُ أمّي، طبخُ أمّي، ولم تغبْ أبدًا تلك البسمةُ والكلماتُ الّتي تتمتمُ بها دائمًا. وبعد انقضاءِ 27 سنة على زواجهما توفّيَت أمُّه. وبعد الدفنِ وانقضاءِ مراسيمِ الجنازةِ جلسَ الزوجُ وحيدًا، فذهبَت إليه زوجتُه تواسيه في محنتِه، فقال لها:
 الآن أصبحَ طبخُك كطبخِ أمّي، وكلامُك ككلامِ أمّي، وضحكتُك، وعطرُك أيضًا.. ابتسمَت وقالَت:
 لماذا؟ 
فقالَ لها:
 لقد تزوّجتُك في سنّ ال27، وقد مضى 27 عامًا على زواجِنا، فأصبحتِ متعادلةً مع أمّي. فقالت: 
رغمَ أنّك أستاذٌ في الرياضيّاتِ إلّا أنّك "لا زلتَ تجهلُ الحسابَ". لن أتعادلَ مع أمّك ما حييت، ف54 سنةً من العطاءِ لن تعادلَها 27 سنةً، ومَن تحت قدميها الجنّةُ لن تتعادلَ مع مَن سترافقُك إلى الجنّةِ فقط. ستبقى هي الأولى دائمًا وأبدًا. فسقطت دمعتُه وقبّلَ رأسَها وقالَ: 
ألم تنزعجي يومًا من تكرارِ تشبيهِ كلّ شيءٍ بأمّي كما تفعلُ سائرُ النساءِ. قالت : لا أبدًا، بالعكسِ. فقال : 
وما تلك الكلماتُ التي كنتِ تتمتمينَها ولم أسألْك عنها طوالَ حياتي؟ 
فقالت: في كلِّ مرّة كنتَ تتذكّر أمَّك وتقارنُني بها كنتُ أقولُ:
 "الّلهم ازرعْ حبّي في قلبِ ابني، كما زرعْت حبّْ جدّتِه في قلبِ أبيه". فحبُّك لها فاقَ كلَّ الحدودِ، وكنتُ أتفاخرُ بك، لأنّك نلتَ رضاها وعلّمْت ابني كيف ينالُ رضى أمِّه.

المصدر :جنوبيات