عربيات ودوليات >أخبار دولية
نزاهة الوسط هي من تصنع الفرق
نزاهة الوسط هي من تصنع الفرق ‎الجمعة 27 01 2017 13:39
نزاهة الوسط هي من تصنع الفرق

حسن البراري

 

في لقاء جمعني مع آرون ديفيد ميلر (مستشار لستة وزراء خارجية أمريكان، آخرهم كولن باول) في منزله بميرلاند قبل سنوات، طرحت عليه سؤالًا مباشرًا عن أسباب عدم قدرة الإدارات الأمريكية المتعاقبة على إقناع إسرائيل بضرورة العمل على ترجمة فكرة حل الدولتين إلى واقع. كانت إجابته مثيرة وصريحة، إذ قال إن فريق السلام في عهد كلينتون كان مكونًا من أمريكان بقياد دينس روس وكلهم كانوا يهودًا. طبعا ينحدر السيد آرون ديفيد ميلر من عائلة يهودية لذلك كان مطلًا أكثر من غيره على دور اليهود في صوغ سياسة الولايات المتحدة إزاء الصراع والسلم بين الفلسطينيين والإسرائيليين.

وكان للسيد آرون ديفيد ميلر رأي بأنهم وفي أثناء التوسط بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي كانوا يحاولون الحفاظ على مصالح إسرائيل، واستخدم مصطلح "محامي إسرائيل" للإشارة إلى هذا الدور. وكتب آرون ديفيد ميلر مقالا نشر في واشنطن بوست عام ٢٠٠٥ وصف فيه الرئيس بيل كلينتون بأنه أيضا كان محاميا لإسرائيل، الأمر الذي أثار غضب كلينتون لدرجة أن الأخير رفض منح آرون ديفيد ميلر مقابلة في سياق إعداد الأخير لكتاب عن الأرض الموعودة.

لا تكمن المشكلة في الهوية الدينية أو المذهبية أو الإثنية للوسيط، لكنها تتحول إلى عائق عندما يسمح لها بإملاء المواقف والتفسيرات، ففي أدبيات فض النزاع لا يفترض في الوسيط أن يكون محايدا في رغباته ولكن ينبغي أن يكون نزيهًا. ويذهب البعض في القول بأن تعيين أمريكيا يهوديا كوسيط في عملية السلام يمكن أن يكون إيجابيا لأن الإسرائيليين سيشعرون بالاطمئنان وعندها يمكن دفع عملية السلام قدما. ربما كان هذا الأمر صحيحا في السابق ولم يعد كذلك بعد التغير الجذري الذي طرأ على بنية المجتمع الإسرائيلي.

على كلٍ أسوق هذه المقدمة بعد أن قرر الرئيس دونالد ترامب تعيين صهره اليهودي جارد كوشنر وسيطا في عملية السلام، وبهذا الصدد قال دونالد ترامب بأنه إن لم يستطع صهره المساعدة في التوصل إلى اتفاق سلام فإن لا أحد سيتمكن من فعل ذلك. بطبيعة الحال كلام ترامب ليس صحيحا لأن ممارسة الضغط على إسرائيل كما فعل بوش الأب وجيمس بيكر هي أفضل طريقة لتغيير أولايات الإسرائيليين ودفعهم لقبول الحل المتعارف عليه دوليا وليس تعيين شخص مقرب من إسرائيل من أمثال جارد كوشنر، فلا علاقة كوشنر مع ترامب ولا درجة الدكتوراه التي حصل عليها من جامعة هارفارد ولا أي شيء آخر سينفع كوشنر من إنجاح عملية سلام إن لم يكن وسيطا نزيها وإن لم تمارس إدارة ترامب ضغطا شديدا على قوى التشدد التي تتحكم في زمام الأمور بتل أبيب.

عبثا أحاول أن أجد بصيص أمل مع هذه الإدارة الجديدة، فالرئيس يبدو جادًا في بحث مسألة نقل سفارة بلاده إلى القدس، وما تعيين السفير الأمريكي الجديد وكذلك جارد كوشنر (يعتبران من الصهاينة المتطرفين الداعمين للاستيطان) إلا إشارة واضحة تفيد بأن الإدارة الجديدة هي من أهم عقبات عملية السلام ولن تكون جزءًا من الحل. لا نعرف بالضبط ماذا في جعبة الجانب العربي (أو ما تبقى منه) لمواجهة التحديات الجديدة التي بدأت تطل برأسها، فهذه تحديات من نوع مختلف ستطرح أسئلة على المجتمع العربي الذي يعاني من تشظي في الرؤية بعد أن أطبق فكا الكماشة الايراني شرقا والصهيوني غرب النهر.