بأقلامهم >بأقلامهم
على وقع القصف ... طلاب "حلتا" الحدودية يتابعون عامهم الدراسي
جنوبيات
لم تنتظر إدارة "مدرسة حلتا المتوسّطة الرسميّة" انفراج الوضع الأمنيّ والعسكريّ على الحدود كي تعيد فتح أبوابها وتعليم تلامذتها، بل سارعت قبل أواخر شهر تشرين الثاني/نوفمبر 2023 إلى تحويل المدرسة بأكملها نحو التعليم الألكترونيّ "الخطّ المفتوح" (أونلاين) بدوام كامل وعلى فترتين متتابعتين، واحدة قبل الظهر وأخرى بعده.
حلتا قرية صغيرة هي اليوم في قلب “المعركة” الدائرة على الحدود بين لبنان و”إسرائيل” على أرض فلسطين المحتلّة. تقع في أقصى الجنوب الشرقيّ من لبنان عند مثلث الحدود اللبنانية، الفلسطينية السورية، وتتبع إداريًّا إلى بلدة كفرشوبا (قضاء حاصبيّا) وقد تعرّضت هي وأطرافها للقصف مرات عدّة منذ تشرين الأول/ أكتوبر العام المنصرم، فهي تطلّ على الأراضي التي تحتلّها إسرائيل من الجهة السوريّة، وعلى الجزء اللبنانيّ المحتلّ من قرية الغجر، وسبق أن دمّرتها قوات الاحتلال الإسرائيليّ في ستينيّات القرن الماضي، وانتقلت البلدة المأهولة على إثرها للجهة المقابلة بعد “وادي الحمى”.
على إيقاع جرس الناظر
يرنّ جرس المدرسة “الألكترونيّة” عبر “واتس أبّ” في تمام الثامنة من صباح كلّ يوم دراسيّ، ورنّ الجرس مهمّة ناظر المدرسة المداوم هو الآخر، الذي يعيد الكرّة بين الحصّة والحصّة حتّى انتهاء الدوام عند الثانية إلّا ربعًا بعد الظهر، “كي يدرك التلامذة تمامًا متى يبدأ الدرس، ومتى ينتهي، وكأنّهم على مقاعد الدراسة في قلب المدرسة التي نزحوا عنها قسرًا بسبب الأوضاع الراهنة منذ أكثر من ثلاثة أشهر” والكلام لمدير المدرسة الدكتور منصور العنَز (نائب رئيس رابطة التعليم الأساسيّ).
لا يطول الأمر، وبعد ربع ساعة بالتحديد، يبدأ دوام ما بعد الظهر، بجرس جديد وبأجراس تفصل بين الحصّة والحصّة حتّى السابعة مساء “نحن نعلّم الفترة الثانية للتلامذة السوريّين المسجّلين في مدرستنا، وكنّا نعلّمهم في الأيام العادية بعد الظهر وحتى المساء” يقول المدير.
نسأل المدير العنز عن جدوى الجرس المستخدم في التعليم الأكترونيّ، فيجيب: “ندرك تمامًا مدى فاعليّة الجرس في المدرسة، ما يجعل التلميذ يتحضّر لما بعده، إن كان حصّة تعليميّة أو فرصة، هو الأمر عينه، يجب على التلميذ أن يعرف متى تبدأ الحصّة ومتى تنتهي، هذا الفاصل المنبّه مهمّ جدًّا عند التلميذ، فقبل الجرس كان التلميذ يسأل أكثر من مرّة، هل انتهت الحصّة؟ أمّا الآن فجرس الناظر هو الفاصل”.
فرضت ظروف النزوح أن يتوزّع الأساتذة وإداريّو المدرسة وتلامذتها في بلدات ومناطق عدّة، في حاصبيّا ومحيطها وفي خارج حاصبيّا وصولًا إلى البقاع. يضيف الدكتور منصور لـ” مناطق نت”: “لكنّ الحضور والمشاركة إلزاميّان للجميع، الموزعين مجموعات وصفوف عبر “الواتس أب”، يدرّس المعلمون من أماكن تواجدهم، مباشرة بعد رنين الجرس، يبدأون بعرض البرنامج المقرّر “التحضير” للحصّة كيّ يتمكّن التلامذة من المتابعة ثم ينطلقون بالشرح والتدريس، لمدّة ساعة كاملة، وقت الحصّة الدراسيّة”.
تقوم الإدارة بتوثيق هذه العمليّة، “وكلّ آخر مساء نجتمع ونستعرض مجريات النهار، ثم نحفظ هذا التوثيق (من خلال جدول توثيقيّ) في سجلّات المدرسة”. ثمّة 15 معلّمًا يتولّون التدريس والعمليّة التربويّة قبل الظهر، ويرتفع هذا العدد إلى عشرين معلّمًا في الفترة المسائيّة بسبب مضاعفة عدد التلامذة في هذه الفترة.
“أونلاين” بشروط المدرسة
كلّ الحصص التعليميّة مباحة وضروريّة في التدريس الإلكترونيّ بما فيها حصّة “الإرشاد الصحّيّ وحصّة “الدين” إذ يتولّى رجل دين متخصّص تعليمها.
يشارك في الفترة الصباحية من التدريس “أونلاين” نحو 125 تلميذًا (لبنانيًّا) هم من قرى حلتا والجوار، و292 تلميذًا في الفترة المسائيّة، وجميعهم من التلامذة السوريّين. ويثني المدير العنز “على مشاركة التلامذة السوريّين والتزامهم بالدوام والمتابعة، ويلاحظ اهتمام أهلهم في عمليّة المواكبة وتأكيد الحضور الدائم وعدم التغيّب، ومع ذلك ثمّة غياب لا يتجاوز عشرة بالمئة في الفترتين”.
ويضيف: “لا يمكن أيّ تلميذ أن يتغيّب عن فترة أونلاين إلّا لسبب وجيه أو قاهر يبرّره ذووه من خلال رسالة خطّيّة عبر واتس أب إلى الإدارة، أو صورة تقرير طبّي تضاف جميعها وتدوّن في سجلّات المدرسة، مثلما تدوّن باستمرار تحضيرات الأساتذة ودوامهم، إذ أتوجّه أنا والفريق الإداريّ أكثر من مرّة في الأسبوع، إلى مبنى المدرسة في حلتا لإجراء المقتضيات الإداريّة بالرغم من خطر القصف المحدق على أطراف البلدة والجوار”.
استفادت إدارة مدرسة حلتا من تجربة “كورونا”، إذ اضطرّت في حينه إلى التعليم “أونلاين” بعدما فرضت الجائحة التعطيل الاحترازيّ الإلزاميّ على الجميع “وعندما بدأت الحرب وتعرّض المنطقة للقصف المدفعيّ وغارات الطيران الحربيّ، اضطررنا إلى التعطيل، فرفعنا طلبًا إلى وزارة التربية للموافقة على تعليم “أونلاين”، وعندما أتت الموافقة باشرنا بالتدريس فورًا كي لا يضيع العام الدراسيّ على أيّ من تلامذة المدرسة” بحسب المدير العنز.
يمكن وزارة التربية أن تتابع العمليّة التعليميّة هذه وأن تشارك بمن يرغب، إذ إنّ أرقام التلامذة جميعهم رُفعت هي الأخرى إلى الوزارة “يمكن للوزارة كذلك أن تتابع المسابقات والامتحانات، وقد أجرينا حتّى اليوم امتحانين فصليّين، وحصّة الامتحان ساعة كاملة”.
تجربة رائدة لا تضاهي المدرسة
يعتبر المرّبي العنز تجربة التدريس “أونلاين” رائدة وناجحة، لكنّها لا تعطي الهدف التعليميّ كاملًا “فالمشاركة بالحضور وجهًا لوجه والتفاعل بين التلميذ ومعلّمه جدواها التربويّة والتعليميّة أفضل بكثير، وهذا ما يجلعني أفكّر جدّيًّا بإجراء امتحان حضوريّ لجميع التلامذة في حال سمحت الظروف قليلًا، لن نغامر بطبيعة الحال إذا بقي الوضع الأمنّي على تصعيده الحاليّ، وهي مجرّد فكرة حتّى الآن”.
ويختم الدكتور منصور العنز: “أرضنا ملكنا ولا يمكن لأحد مهما كان أن ينتزعنا منها، نغادرها في بعض الأحيان جسديًّا، لكنّنا حاضرون فيها فكرًا وثقافة وتربية ووجدانًا”.
إلى مسافة قريبة من حلتا، ثمّة مدرسة في قرية الماري جارة حلتا، يتعلّم فيها 34 تلميذًا هم عدد تلامذتها الإجماليّ، وجميعهم من البلدة عينها، يتناوب على تعليمهم الحضوريّ عددٌ من الأساتذة، إذ يتمّ جمعهم في الوقت الراهن في غرف “آمنة”.
وبسبب طوال فترة التعطيل القسريّ جرّاء القصف الإسرائيليّ الذي يطال يوميًّا عشرات البلدات والقرى الواقعة على خطّ “التماس” مع فلسطين المحتلّة، لجأت أخيرًا بعض إدارات المدارس الرسميّة فيها إلى ملاذ التعليم “أونلاين”، في محاولة إنقاذ العام الدراسيّ في ما لو طال أمد الحرب، إنّما بشروط مفتوحة لا تلزم كثيرًا التلامذة الذين نزحوا مع ذويهم إلى أرجاء الجنوب والبقاع، وصولا إلى العاصمة بيروت.