بأقلامهم >بأقلامهم
تعطيل "الأونروا" لتصفية قضية فلسطين
تعطيل "الأونروا" لتصفية قضية فلسطين ‎الأحد 28 01 2024 20:45 غازي العريضي
تعطيل "الأونروا" لتصفية قضية فلسطين

جنوبيات

منذ عقود من الزمن وأنا أكتب عن خطرين يستهدفان الشعب الفلسطيني: خطر على حق عودة اللاجئين في الشتات الى أرضهم، وخطر على حق الباقين المقيمين على أرضهم بجزأيها المحتل في كيان الاغتصاب اسرائيل، أو تحت إشراف السلطة الفلسطينية نظرياً والذي لا يزال يتعرض لمزيد من قضم الأراضي والتوسع وبناء المستوطنات من قبل المحتلين. وبهذين الخطرين يقع الخطر على كل فلسطين وشعبها. ومن خلالهما كتبت ولاحقت بالتفصيل كل ما يتعلق بمنظمة "الأونروا" أي الهيئة التي أنشئت لرعاية اللاجئين الفلسطينيين والمستهدفة دائماً من قبل اسرائيل وأميركا اللتين تريدان إلغاءها. السبب، وسأعود مرة جديدة الى شرحه هو الموقف الاسرائيلي من المنظمة. لماذا؟ لأن اسرائيل تعتبر عدد اللاجئين في الشتات 700 ألف اي الذين اقتلعوا من أرضهم وطردوا الى الخارج، بينما تعتبر الأونروا العدد بالملايين نظراً الى الولادات التي حصلت واستمرت منذ 1948 حتى اليوم. والموضوع هنا دقيق. إذا، إذا، إذا قبلت اسرائيل حق العودة وإذا إذا إذا ذهبت الى التفاوض فإن عدداً قليلاً جداً جداً هو الباقي من الـ 700 ألف. أما إذا التزمت بموقف الأونروا فإنها ملزمة بالملايين! وهذا "خطر" لا يمكن أن تقبله! وإذا كان الحل بالتعويض المالي فإن اسرائيل تدّعي أن ثمة 700 ألف يهودي "هجّروا" من الدول العربية وبالتالي ثمة تعادل فلا يعطى الفلسطينيون شيئاً. لكن، اسرائيل تدّعي أيضاً أن ثمة أملاكاً وأموالاً لليهود في هذه الدول يجب إستعادتها يعني في مفهوم وخطة واستراتيجية اسرائيل: لا عودة لأبناء الشتات. لا تعويضات. بل ثمة تعويضات مفتوحة ستبقى تدفع لها من قبل الدول العربية، على اعتبار أن أرض فلسطين لهم وما فيها وعليها وما تركه الفلسطينيون هذا حق لهم! سيكون لاسرائيل في "ذمتنا" مبالغ وفيرة!
هذا هو الموضوع الأهم في مسألة الأونروا . لم تترك اسرائيل وأميركا مناسبة إلا وهدّدتا المنظمة ودعتا الى وقف تمويلها. ولم تنجحا رغم تعثّر عملها في أكثر من مكان وانعكاس ذلك على اللاجئين الفلسطينيين في الخارج. مع الحرب على غزة والحملة على اسرائيل لحماية المدنيين وقرارات الدول والأمم المتحدة والمنظمات الدولية لإدخال المساعدات والمواد الضرورية لهم، خرج الاسرائيليون بمواقف واضحة: "الحل هو بنقل الفلسطينيين الى دول أخرى من الأردن الى مصر الى أفريقيا وكندا وغيرها وشكلوا لجاناً لمناقشة هذا الأمر". "ولا دور للأونروا في ما بعد الحرب". وقال الاسرائيليون بوضوح ستكون هيئات نشرف عليها نحن، وكرّر هذا الأمر وزير المالية سموتريتش في الساعات الأخيرة عندما أعلن: "سيكون حكم عسكري اسرائيلي في غزة ويشرف على المساعدات الإنسانية". واقترح غيره منظمات وجمعيات يشرفون هم أيضاً على عملها. يعني المطلوب التخلّص من الأونروا في هذا الظرف واستغلال الحرب لماذا؟ قالوا لأن "ثمانية من العاملين في المنظمة شاركوا في هجوم 7 أوكتوبر". والمنظمة عندما سمعت التهمة علّقت عملهم وفتحت التحقيق لجلاء الحقيقة لكن هذا الأمر لا تقبله اسرائيل بالتأكيد. ما تقوله هو الحقيقة والحساب كالعادة يجب أن يكون العقاب الجماعي للفلسطينيين. لا بد من إسقاط الأونروا. وبدأ النقاش مع مستشار الأمن القومي جايك سوليفان حول الآليات للوصول الى ذلك. في توقيت دقيق أعلنت أميركا تعليق تمويل "الأونروا" وكرّت سبحة الدول المؤيدة في "العالم الحر" "الحريص على الإنسانية والحرية والديموقراطية". إن هذا القرار هو خطوة على طريق إسقاط الأونروا رسمياً وإلغاء دورها بدءاً بتعطيله. وهذا يعني خطوة على طريق إسقاط حق العودة وشرعنة تهجير الفلسطينيين في غزة والضفة من خلال الضغط الإنساني والاجتماعي ورأينا حالة الذلّ التي يعيشونها في ظل البرد والشتاء وأوضاع الخيم إضافة الى المأساة والكارثة التي سببّت تهجيرهم ولا تزال مستمرة.
نعم المسألة هي في منتهى الخطورة مع هذا القرار وخلفياته وأبعاده. وما جرى خطوة على طريق تصفية القضية الفلسطينية بالكامل.
من هذا المنظار يجب أن نقرأ فلسطينياً وعربياً هذا الخطر الكبير . إنعكاسه ليس على فلسطين فحسب بل على الأردن ومصر ودول الجوار وكل الدول العربية. إذ ليست مسألة بسيطة أن تخرج اسرائيل لتقول ومعها أميركا والغرب: إنسوا غزة. إنسوا غداً الضفة. إنسوا حق العودة وحق البقاء. إنسوا فلسطين وحقها وقضيتها. هذا أمر مستحيل أن يمر بهذه السهولة. بالعكس سيكون سبباً إضافياً لمزيد من الصراع والقتال وسيؤدي الى فوضى في كل المنطقة وهذا ما تريده اسرائيل في الأساس. في لبنان لنفكر بتداعيات القرار على أوضاع المخيمات وللبحث صلة.

المصدر : جنوبيات