مقالات هيثم زعيتر >مقالات هيثم زعيتر
مصطفى إسماعيل الزين "أبو ماهر".. يرحلُ ببصمةِ عمل الخير والتفاني
خسارة الرحيلِ تكون كبيرةً على الأهلِ، لكن على مَنْ يكون له أثرٌ في مجال عمله وتخصُّصِهِ، تكون أكبر، وأشمل لمَنْ كانت له بصماتٌ في عمل الخير الصالح.
هذا ما ينطبق على المرحوم مصطفى إسماعيل عز الدين الزين "أبو ماهر"، الذي رحل عن عمرٍ يُناهز 87 عاماً، قضاها مُؤمناً وعاملاً للخير.
تربّى على التقوى والصلاح وحب الخير وعمله، مع شقيقه الراحل قاضي صيدا الشرعي الشيخ أحمد الزين وأفراد العائلة، في كنف والديهما الراحلين الحاج عز الدين الزين والحاجة منيرة اسكندراني.
ترك بصماتٍ في مجال المُحاسبة، التي كان فيها خبيراً مُحلّفاً، فعمِلَ على مسك حساباتِ العديد من الشركاتِ والمُؤسّسات بكل ثقةٍ وأمانةٍ، وإنقاذها من التَعسُّر.
خاضَ في عالم الأرقام والحسابات، وفَهِمَ لُغتها، وعرف كيف يصل إلى الخواتيم السعيدة، و"يُدوزن" الأمور بين الدائن والمدين، وأفسح مجالات العمل أمام الكثير من الخرّيجين، الذين معظمهم تبوؤا مراكز مرموقة.
لمساته في العمل الخيري بارزة رغم رحيله، فقد شارك في تأسيس العديد من الجمعيات والهيئات والمراكز الخيرية والاجتماعية والثقافية والتربوية والصحية، التي عمل فيها بكل أمانةٍ وإخلاص، سواء بوضع اللُبُنات الأولى للتأسيس، أو لإضافة مداميكٍ إلى البناء، الذي نمى وتطوّر بشكلٍ بارز للعيان.
أمضى أكثر من ثُلثي عُمُره في العمل الخيري، الذي يُشهد له على أنّه أخلص فيه، دون أي مُقابل، إلا تقرُّباً من الله سبحانه وتعالى.
تَحْفَظُ له مدينة صيدا بأحرُفٍ من ذهب سيرته العطرة، التي استطاع فيها رغم صعوبات الحياة والأوضاع الاقتصادية والمعيشية الصعبة، التي عانت منها البلاد، وأثّرت على الكثير من المُؤسّسات والشركات، التي كان يتولّى مسك حساباتها، القيام بواجباته على أكملِ وجهٍ، بفعل حكمتهِ وحنكتهِ اللتين أكسبتهما إياها السنين، حيث تعدد الحوادث والمحطات، وتبقى الذكريات والحِكَم، التي استخدمها للوصول إلى الخواتيم السعيدة، وإقناع المعنيين بوجهة نظره، حتى المُتناقضين في التوجّهات السياسية، والآراء المُتباينة، وتفاوت السن بين ذوي الخبرة والجيل الشاب المُفعم بالحيوية، فكان لا يُعطي جواباً ارتجالياً، بل يُطبّق جملته المشهورة "اتركني أدرُسها"، فيقوم بدراسة وتمحُّص الموضوع، قبل إعطاء الجواب، بعد التمعّنِ فيه من الجوانب كافة، ليخرج بالحل الأنسب والأنجع.
أبصر النور في مسقط رأسه مدينة صيدا في العام 1937، ووعى باكراً قضية فلسطين ونكبة أهلها في العام 1948، فناضل لأجلها في المجالات كافة.
عمل مُكرِّساً مع شقيقه القاضي الشيخ أحمد الزين على الوحدة الإسلامية، والتعايش الوطني مع الشريك المسيحي في الوطن.
تجربتي مع الراحل مصطفى الزين كانت قبل 4 عقودٍ من الزمن، بعد إنهاء الدراسة والبحث عن عمل، حيث قصدته في تموز/يوليو 1983، برفقة والدي، صديق الراحل، في مكتبه المُتخصِّص بالمُحاسبة، فعمل على تأمين عمل لي لدى الراحل حسن عنتر، كمُحاسبٍ وكاتب في "محلات عنتر التجارية" في صيدا، وكانت البداية في 9 تموز/يوليو 1983، خلال فترة الاحتلال الإسرائيلي للمدينة قبل تحريرها من رجسه.
يرحلُ قبل أقل من شهرٍ على إتمامه عامه الـ87، وعلى أسابيعٍ من الذكرى السنوية الثالثة لرحيل شقيقه القاضي الشيخ أحمد الزين (2 آذار/مارس 2021).
يُشكّل الرحيل خسارةً كبيرة لابنٍ بارٍ بمسقط رأسه مدينة صيدا، التي عمل فيها في المجالاتِ كافةٍ، بصمتٍ وهدوءٍ ومن دون ضوضاء، تاركاً بصمته الجينية الخاصة المُفعمة بالنخوة والشهامة والمروءة والأخوّة، المُستمدّة من الأصالة، وثقته بما حقّقه من مُميّزاتٍ أثمرت استشاراتٍ راجحة.
يرحلُ وهو مُجسِّداً الحديث الشريف: "إذا مات ابن آدم انقطع عملَهُ إلا من ثلاث، صدقةٍ جارية، أو علمٍ ينتفع به، أو ولدٌ صالحٌ يدعو له".
ترك الراحل كُل هذه القيم، من الصدقات الجارية العديدة في الجمعيات والمُؤسّسات والمدارس التي استفاد منها كُثرٌ، وأمّن الحياة الكريمة لأيتامٍ وأراملٍ ومُحتاجين، وعلمٍ يُنتفع به من المبادئ التي كرّسها في عمله كخبيرٍ مُحلّفٍ في المُحاسبة أو عمل الخير، وعائلة صالحة ربّاها مع زوجتهِ المُربية الحاجة سميرة البابا، وغرسا المبادئ والحِكَم والقيم في أولادهما المُحامي العام الاستئنافي في الجنوب القاضي ماهر الزين والدكتورة عبير وسُهير، والأحفاد ليسيروا على طريق الخير، الذي خطّه وسار عليه وعمل من أجله.
رحم الله الراحل وأسكنه فسيح جنانه وألهم أهله ومُحبيه الصبر والسلوان.