بأقلامهم >بأقلامهم
هل سيواجه الكيان الإسرائيلي "نبوءة التلمود".. أم سينهار على عتبة "العقد الثامن"؟
هل سيواجه الكيان الإسرائيلي "نبوءة التلمود".. أم سينهار على عتبة "العقد الثامن"؟ ‎الثلاثاء 13 02 2024 10:27 العميد محمد الحسيني
هل سيواجه الكيان الإسرائيلي "نبوءة التلمود".. أم سينهار على عتبة "العقد الثامن"؟

جنوبيات

انتشر فيما مضى وعلى نطاق واسع عبارة: "إنّ الدول العربية سترمي اليهود في البحر"، وتضاربت الآراء حول مصدرها، وفي الحقيقة أنّ أول من أدلى بها هو عبد الرحمن عزام باشا أمين عام جامعة الدول العربية في 15 مايو 1948، تلقفها ورددها من بعده أحمد الشقيري رئيس منظمة التحرير الفلسطينية في حينها، ليصدح بها فيما بعد الإعلامي المصري أحمد سعيد عبر إذاعة "صوت العرب من القاهرة" (1953 - 1967)، من ضمن شعارات وطنية وعربية أطلقها في تلك الحقبة من الزمن. إستغل الإعلام الصهيوني هذه العبارة وروجها أمام شعبه لتوحيده ورفع همته للقتال، وعممها غرباً في محاولة لتشبيه العرب بالنازيين، بأنهم مهددون في وجودهم كدولة صغيرة محاطة بالأعداء المتأهبين للقضاء عليها، فكسب العدو تعاطف الغرب وتأييده …موهماً العالم أجمع أنه بحالة دفاع دائم عن النفس وبناء عليه أطلق على جيشه مسمى "قوات الدفاع الإسرائيلي".
 
لكن الوقائع التاريخية، تُبين عكس ذلك:
1. نكبة عام 1948: صورّها العدو بأنه دولة صغيرة ناشئة تخوض حرباً ضد 7 جيوش عربية. بينما حقيقة الأمر أنّ الصهاينة الأوائل إحتلوا دولة فلسطين العربية، ولم يواجههم سوى 25 ألف جندي عربي غير موحدين، في المقابل كانت عصاباتهم قد دربت وسلحت حوالي 65 ألف مقاتل.
2. العدوان الثلاثي عام 1956: كانت إسرائيل هي البادئة بالحرب باعتراف قادتها أنفسهم.
3. عدوان يونيو 1967: سبقته دعاية واسعة إستطاعت اجتذاب تعاطف كبير في الغرب لصالح إسرائيل "المهددة بأن تلقى في البحر".
4. حرب 1973: في الواقع لم يشعر الكيان بالتهديد الوجودي فمسرح العمليات كان على أراضٍ عربية احتلها العدو في العام 1967 هاجمتها كل من مصر وسوريا بهدف تحريرها، إستطاع الاحتلال أن يستوعب الصدمة الأولى ليحولها من نصف هزيمة إلى نصف انتصار.
5. حربي 1978- 1982: إجتاح العدو فيهما لبنان تحت شعار مُخادع وهو إبعاد المقاومة الفلسطينية عن الحدود اللبنانية مع فلسطين المحتلة. 
إنحرف المسار التاريخيّ لحروب العدو العسكرية خلال عدوان تموز 2006 فلأول مرة يجتاح العدو قرى وبلدات عربية، ليضطر إلى الانسحاب منها على الفور تحت ضربات المقاومة، حيث لمس قدرات "حزب الله" القتالية ومن خلفه الجمهورية الإسلامية في إيران، متوجساً تهديداً في وجوده لأول مرة منذ نشأته ككيان. لتزداد هواجسه بعد حرب 2014 بينه وبين فصائل المقاومة في القطاع.
 حتى جاء "طوفان الأقصى" وما بعده، حيث بدأ النقاش ضمن مراكز الأبحاث الغربية حول المصلحة الإمبريالية في استمرار دعمهم لهذا الكيان بعد إنقلاب الرأي العام العالمي ضد الصهيونية، وجدوى بقائه في ظل إخفاقاته السياسية والإقتصادية والعسكرية:
 أولاً - السياسية: تزايد الضغوط الداخلية والخارجية، التي تطالب بإنهاء هذه الحرب أدت إلى إحداث تصدعات ضمن الكيان الصهيوني على محورين:
أ‌- محور الداخل: تنامي المعارضة التي تمثل عائلات الأسرى إلى جانب قادة جيش وضباط سابقين يتحدثون عن إستراتيجية فاشلة للحكومة، في ظل نقاش جدي عمن ينقذ إسرائيل من "نبوءة التلمود" ويعبر بها العقد الثامن؟.. فحرب غزة لم تحقق أي من الإنجازات في ظل الخسائر الكبيرة التي يتكبدها جيش الإحتلال، الذي فقد هيبته بعد إخفاقه في توفير الأمن والأمان لمستوطنيه، حيث هاجر قرابة 500 ألف مستوطن منذ بداية الحرب، وعشرات الآلاف غادروا مستوطناتهم من غلاف غزة والجليل إلى الداخل خوفاً من المقاومتين في فلسطين ولبنان، وانعكاسات عدم الاستقرار هذا على جدوى الهجرة المعاكسة والإستيطان فيه، التي تعتبر بمثابة الشريان الرئيس الذي يرفده بالحياة. وبات "نتنياهو" بين أمرين، إما أن ينضم إلى اليمين المتطرف وله تبعاته الخارجية، أو أن يُبقي على الأئتلاف الحكومي مع ما تحمله من تداعيات توحي بإنهيار قريب لهذا الأئتلاف.
ب‌- محور الخارج: على الرغم من أنّ قرارات محكمة العدل الدولية صدرت دون المستوى الذي ترقى إليه معاناة الشعب الفلسطيني، إلا أنّها أعادت إحياء "حل الدولتين" في الأروقة الدولية  وساهمت في ضبط الإيقاع "الأمريكي" بضرورة إنهاء الحرب. كما أصابت مقتلاً في الكيان، أوقعت مسؤولوها في "هيستيريا" ردات الفعل غير المدروسة، بعد أن إنكشف للعالم جرائم حربهم في القطاع، لصالح الدعم غير المسبوق للقضية الفلسطينية في العالم. لكن في المقابل فإنّ الغياب العربي عما يجري في فلسطين عامة وغزة خاصة، يعطي مبرراً إضافياً لإستمرارية العدوان وبالتالي الإحتلال...
 
 ثانياً -الإقتصادية: هناك رؤية ضبابية للمستقبل الإقتصادي للعدو، الذي بلغ حد الإنكماش بسبب تراجع النشاط التجاري والطلب الإستهلاكي، فما نسبته 40% من الإستيراد يصل من خلال البحر الأحمر عبر قناة السويس (بسبب حصار "أنصار الله" في اليمن للملاحة الاسرائيلية)، وتزايد الإنفاق الأمني والعسكري على المدايات القصيرة والمتوسطة والطويلة، أدت إلى عجز في الميزانية إضافة إلى مشاكل البطالة والزراعة... وحدها شركات الأسلحة الإسرائيلية قفزت إيراداتها الفصلية بنسبة 12%. لتصبح غزّة مختبراً واسعاً لهذه الشركات، وحقل تجارب لأسلحتها الجديدة والفتاكة على المدنيين في القطاع، لتسوقها على حلفائها، خصوصاً في الإتحاد الأوروبي وأمريكا الشمالية. والحقيقة الثابتة في هذه الحرب هي أنّ كلفتها قد تصل في الربع الأول من العام 2024 فقط 37 مليار دولار، فإلى متى سيستمر الدعم الأمريكي بلا حدود؟ يوماً ما سيتوقف لأنّه غير قادرعلى الإستمرار...
 
ثالثاً - العسكرية: يبرز من خلال:
أ‌. جبهة غزة:  يُصرح العدو في الوقت الحالي أنّه سيهاجم "رفح"، بهدف القضاء على كتائب القسّام هناك، لكن حقيقة الأمرأنّه يهدف إلى دفع مئات الآلاف من الفلسطينيين إلى سيناء، كي يُعلن إنتصاراً مزيفاً على المقاومة، علّها تُخفف عنه وطأة الهزيمة الاستراتجية، فالأهداف الثلاثة التي أعلنها قد فشلت: تدمير حماس، إعادة الأسرى ومنع أي تهديد قد يطاله مستقبلاً من غزة، عبرإخضاعها لوصايته المباشرة. في المقابل نجحت "حماس" باستدراجه الى "آتون حرب إستنزاف"، وأفشلت كامل عملياته في الميدان لإنقاذ ولو أسير واحد، وأثبتت أنها لم تفقد "القيادة والسيطرة" عن شبر واحد من القطاع من خلال عملياتها الموثقة، أو من خلال ظهور أفراد من "حماس" بلباس الشرطي في المناطق التي انسحب منها الإحتلال، كما لم تتضرر كثيراً "قدراتها القتالية" على الرغم من إلقاء العدوعلى القطاع عشرات الأطنان من المتفجرات منذ بداية الحرب، والأهم حافظت على عمقها الإستراتيجي "الأنفاق"، التي شكلت مفاجأة للعدو، بسبب فشل تقديراته وتوقعاته، فأصابه شللاً تكتيكياً ومقتلاً إستراتيجياً.
 
ب‌. الجبهة الشمالية: إنّ توسيع العدو لعملياته إلى "النبطية" و"جدرا" شمال مدينة صيدا، سيقابله حتماً ردأً من المقاومة قد يطال عمق الجليل. وما تنفيذه لإعادة إنتشار وحداته وسحبها من المستوطنات بحجة التخفيف من الإصابات، إلا ليؤكد أنّ جبهة الشمال تشكل إزعاجاً وإرباكاً كبيرين للعدو، خاصة باتباع المقاومة الإسلامية "سياسة الردع التدريجي"، من خلال كشفها في كل مرة يُصّعد فيها الإحتلال سواء من خلال عملياته في الجنوب اللبناني أو من خلال شاشاته في تل أبيب، عن سلاح جديد متطور، وليس آخرها صاروخ ATGM (ألماس) المطور محلياً. أما تصريح العدو عن إنتقال الفرقة 36 إلى الشمال الفلسطيني، فإنها في الأساس كانت منتشرة شمالاً وجرى إقتطاع وحدات منها لصالح جبهة غزة، والآن عادت فأُلحقت بمراكزها في الشمال.
 
ت‌. جبهة اليمن: هي حرب يخوضها الأميركيون والبريطانيون "بالإنابة عن إسرائيل" ضد أنصار الله في اليمن، على خلفية شلّهم لملاحة العدو التجارية في البحر الأحمر، ولا يمكن تفسيرها سوى رداً على الدليل الدامغ بالإبادة الجماعية في غزة، ولأنهم لا يستطيعون الدفاع قرروا توسيع نطاق العنف ومضاعفة الوحشية، هذه هي الطريقة الامريكية، التي حولت بَوصَلتها الإستراتيجية من الصين وروسيا إلى جبال اليمن الجرداء.
 
وإن كان عنصريّ "القوة الخارجية" لهذا الكيان من الدعم "الأمريكي" إلى الغياب العربي تُعززان من صموده، فإنّ عناصر "الضعف الداخلي" أقوى بكثير وتكمن في غطرسته وغروره منذ نشأته، اللذين انعكسا فشلاً في صُنع القراريتبعه إحباط في أهدافه الإستراتجية عموماً، فلا إغتصابه لأرض فلسطين التاريخية كان حكيماً، ولا تقديره للموقف الأممي خلال عدوان 1956 كان صائباً، وفوجىء في حرب 1973 نتيجة لعدم تنفيذه القرار242 بعد حرب 67، وغرق في المستنقع اللبناني بدءاً من العام 1987 وانسحب مذلولاً في العام 2000، ولم يتعظ في حرب تموز2006، ولا في حربه على غزة 2014، ولا إستطاع حماية كيانه بجدران "الفصل العنصري"، والآن لا هو قادر على السيطرة في غزة ولا هو قادر على وقف هجمات المقاومة من الجنوب اللبناني، بعد أن تقلصت مساحته "الديموغرافية"...  فهل ترهلت صورة: "الكيان المهدد بالزوال من قبل محيطه"، ليصبح: "الكيان المهدد بالزوال نتيجة أفعاله"؟ وبعد مضي 75 عاماً على نشأته، هل يهرول الكيان الصهيوني نزولاً باتجاه لعنة "العقد الثامن"؟…

المصدر : جنوبيات