عام >عام
ما هي الأبعاد الخفية لمحاولة اغتيال الديبلوماسي الفلسطيني في صيدا؟
ما هي الأبعاد الخفية لمحاولة اغتيال الديبلوماسي الفلسطيني في صيدا؟ ‎الثلاثاء 31 01 2017 14:54
ما هي الأبعاد الخفية لمحاولة اغتيال الديبلوماسي الفلسطيني في صيدا؟


 
توشك الانباء عن تعرّض قيادات وكوادر فلسطينية تنتمي الى هذا التنظيم او ترتبط بذاك الفصيل لاطلاق نار او محاولات اغتيال ان تصير مادة خبرية يومية وروتينية، خصوصا داخل مخيم عين الحلوة او في نطاقه الجغرافي الاوسع وصولا الى مشارف صيدا او تخوم البلدات اللبنانية المجاورة.

ولكن ان يتعرض ديبلوماسي في السفارة الفلسطينية ولدى مروره في قلب عاصمة الجنوب السبت الماضي هو ولاريب نبأ يعدُّ جديدا من نوعه يحدث للمرة الاولى ولا يمكن المتابعين إلا مقاربته على اساس انه ينطوي على أبعاد مختلفة وعناصر جديدة في إطار الصراعات الفلسطينية.
 
احد عناصر الجدة والغرابة في النبأ ان الشخص المستهدف ويدعى اسماعيل شروف يحمل وفق معلومات مصادر على صلة بالسفارة الفلسطينية بطاقة ديبلوماسية من وزارة الخارجية اللبنانية، اي انه يتمتع بالحصانة الديبلوماسية، وهو في الاصل أتى من الضفة الغربية الى بيروت قبل مدة مبعوثا من وزارة الخارجية الفلسطينية بصفة مستشار ديبلوماسي وهي صفته الاساسية. اما مسؤوليته الحالية في السفارة فقد نيطت به في نطاق توزيع المهمات على الطاقم العامل في السفارة.

اما العنصر الثاني اللافت في سياق الحدث الامني نفسه، فهو ان اطلاق النار على الديبلوماسي شروف تم، وفق ما اظهرته التحقيقات الاولية، بقصد اغتياله وليس بقصد ترويعه او بعث رسالة مشفرة الى من يعنيهم الامر، وهو اصيب في كتفه اصابة بالغة.

وثمة عنصر ثالث يتجلى في ان عملية اطلاق النار على الرجل تمت في صيدا لدى خروجه من مخيم عين الحلوة، وهذا حدث غير مسبوق ويحمل رسالة متعددة الجهة تنطوي على عملية تحد ومضامين استفزازية، اي ان ثمة من سعى من الفاعلين الى نقل الصراعات والتجاذبات الفلسطينية – الفلسطينية الى حيز جغرافي يتخطى حدود المسرح المعتاد والمألوف وهو مخيم عين الحلوة.

واتصلت "النهار" بالجهات المعنية في السفارة الفلسطينية مستفسرة عن رأيها في خلفيات الحدث وابعاده واستهدافاته السياسية والامنية، وعمن يقف وراء هذا الفعل، فرفضت استهلالا في معرض اجابتها ان تحمّل اي جهة مسؤولية الحادث قبل ان تنهي الاجهزة الامنية اللبنانية التحقيق الذي شرعت به فور وقوع الحادث.

واذ اشارت الى انها لا تقلل خطورة ما حدث كونه الاول من نوعه، قالت ان "التحقيق هو بالكامل في يد الاجهزة الامنية اللبنانية المعنية ولنا ملء الثقة بها وبجهدها، وهي بحسب ما ابلغتنا عازمة على المضي قدما في عملية جلاء ملابسات الامر والكشف عن خلفياته وتفاصيله وابعاده ومعرفة الجهات المتورطة والقبض على الجناة وسوقهم الى العدالة".

وذكرت الجهات عينها ان التحقيقات في العملية قطعت شوطا لابأس به في اتجاه الهدف الاساسي، اي معرفة الفاعلين، وانه لن يمر وقت طويل قبل ان تتمكن الاجهزة من وضع يدها على التفاصيل والملابسات التي تكتنف العملية برمتها. إلا أنها لم تخفِ ان ثمة غموضا يحيط بالعملية لان الفاعلين دبّروها بحرفية عالية وارادوا لها ان تبقى محاطة بستار من الالتباس والغموض وان تبقى في اطار تجهيل الفاعلين.

وتشير الجهات عينها الى انها مصرة على الاعتصام بالصمت في انتظار انتهاء التحقيقات الرسمية في الحادث، الا ان ذلك لا يحول دون الاشارة الى ان محاولة الاغتيال تأتي في سياق ثلاثة امور:

- الاول: انها حلقة من حلقات المحاولات الرامية الى ابقاء التوتر والاحتقان سيد الموقف داخل مخيم عين الحلوة بغية ابقائه بؤرة قابلة للانفجار ساعة يرون ذلك مناسبا لحساباتهم ويخدم غاياتهم وتوجهاتهم.

- الثاني: ان ما حصل هو جزء من الجهود المضمرة الرامية الى ابقاء حال انعدام الثقة قائمة بين المخيم من جهة ومحيطه اللبناني من جهة اخرى.

- الثالث: تبديد الجهود الحثيثة التي تبذلها منذ زمن الفصائل وفي مقدمها فصائل منظمة التحرير بالتعاون والتنسيق مع الجهات والاجهزة اللبنانية المعنية لطي صفحة التوتر وانعدام الامان التي تبرز في اكبر تجمع سكاني فلسطيني في لبنان بشكل دائم، واستطرادا نزع الصورة النمطية المأخوذة عن المخيم بانه ملاذ للخارجين على القانون والمطلوبين للعدالة ومأوى للمجموعات المتشددة المحاطة بشبهة الارتباط بالتنظيمات المصنفة ارهابية، ومعلوم انها جهود مضنية تبذل منذ وقت وتحتاج الى اتصالات مكثفة.

ومهما يكن من امر، وبعيدا عن رأي السفارة الفلسطينية ورؤيتها لحدث محاولة قتل احد ديبلوماسييها المولجين مهمات دقيقة وحساسة، فان ثمة اوساطا على صلة بمآل ملف الاوضاع في المخيمات الفلسطينية في لبنان في الآونة الاخيرة ترى ان محاولة اغتيال هذه الشخصية وفي صيدا بالذات تحمل في طياتها احتمالات عدة ابرزها:

- توريط السفارة الفلسطينية في بيروت التي ظلت منذ فتح ابوابها قبل ما يقرب من عقد من السنين تسمو على كل التناقضات والتجاذبات الفلسطينية، وظل الجميع، وفي مقدمهم السلطة اللبنانية، يتطلع اليها كمرجعية لكل الفصائل والتيارات ومختلف شرائح اللاجئين في لبنان والراعية لشؤونهم.

- توجيه رسالة مباشرة وعاجلة الى القيادة الفلسطينية العليا في رام الله ومن ورائها بطبيعة الحال منظمة التحرير وعصبها حركة "فتح" يعرف القيمون على هذه القيادة فتح مغاليقها ومعرفة اسرارها.

- توجيه رسالة مماثلة الى الدولة اللبنانية نفسها تختلف عن رسائل سابقة، خصوصا ان محاولة الاغتيال حصلت في نطاق جغرافي يقع أمنه مباشرة في قبضة أمن هذه السلطة.

- ان محاولة الاغتيال أتت في المهلة الزمنية المفترضة التي اعطتها الدولة للجهات الفلسطينية المعنية بالوضع في مخيم عين الحلوة لتقدم خطة امنية كفيلة بحفظ الوضع الامني داخل المخيم وتكون بديلا من خطة جدار الفصل الذي كانت الدولة شرعت ببنائه قبل اشهر لاقفال المعابر السرية وغير الشرعية التي يسهل الدخول عبرها الى المخيم والخروج منه بعيدا من اعين حواجز الجيش اللبناني ونقاط تفتيشه المقامة على المداخل الاربعة الشرعية للمخيم، وهي الخطة التي قوبلت باعتراض شديد من الجانب الفلسطيني في حينه.

الى ذلك، أتت العملية في وقت تتواتر معلومات عن حال احتقان وتوتر تسيطر على بعض اجزاء المخيم في اعقاب سريان انباء عن لقاء جمع وفدا فلسطينيا وممثلين عن الاجهزة اللبنانية، سلم خلاله الوفد تصوره للخطة البديلة المنتظرة عن الجدار.

وبناء عليه، ثمة من يرى ان محاولة الاغتيال هي جزء من محاولة ترمي الى تسعير الصراعات الفلسطينية - الفلسطينية والخلافات الفلسطينية - اللبنانية ونقلها الى مراحل تخرجها عن نطاق السيطرة والتحكم.

المصدر : ابراهيم بيرم