يفتح استمرار الفراغ الرئاسي وما يسببه من خلل مؤسساتي كبير، المجال لابتكار معالجات للأوضاع التي تواجهها مؤسسات الدولة، ومن بينها التدابير التي باتت تتخذ لأجل ملء الفراغات في المواقع الأساسية التي لا بد من ملئها لتجنب توقف سير المرفق العام أو تجنب الأضرار البليغة التي قد تصيب المصلحة العامة. لكن المعالجات التي يتم ابتكارها تحت هذه العناوين، يلاحظ بأنها باتت تنطوي على أنواع مبتكرة أيضاً من المخالفات الدستورية والقانونية والتي لا يمكن تبريرها بالقواعد القانونية التي اعتمدها الاجتهاد القضائي التقليدي، ومن بينها نظرية الظروف الاستثنائية التي تشكل تخفيفاً لمبدأ الشرعية يتم اللجوء إليها في الأحوال الاستثنائية على قاعدة الضرورات تبيح المحظورات. ولكن المبالغة في الاستناد إلى هذه النظرية اليوم تطيح الشروط الصارمة التي فرضتها القواعد القانونية المستقرة حول هذه النظرية التي تفرض المحافظة على الحد الأدنى من احترام الشرعية والتي تحول دون تحويلها إلى غطاء لتبرير أي شيء بصرف النظر عن ضرورته.
بعد قرار مجلس الوزراء تعيين رئيس للأركان في الجيش لملء الفراغ في هذا الموقع وبهدف تأمين استمرار المرفق العام تبين أنه لم يصدر مرسوم بهذا التعيين حتى الآن وقيل بأنه تم الاستغناء عن إصدار المرسوم لأن قرار مجلس الوزراء هو العمل المنشئ لحالة التعيين أما المرسوم فهو العمل المعلن لها. هذا القول إذا صحّ بالفعل أنه قيل وأن المرسوم لن يصدر، يعتبر مخالفاً للدستور ولقانون الدفاع الوطني مخالفة لا يمكن تبريرها. فالقانون المذكور نص على أن التعيين يتم بمرسوم يتخذ في مجلس الوزراء، وهذا يعني أنه في ظل الفراغ الرئاسي، يتم اتخاذ قرار التعيين في مجلس الوزراء ويصدر بعده مرسوم يوقعه الوزير المختص ورئيس الحكومة ويوافق عليه مجدداً مجلس الوزراء بصفته ممارساً لصلاحيات رئيس الجمهورية بالوكالة. وهذه المراحل لا يمكن الاستغناء عنها إطلاقاً، وإلا اعتبر التعيين غير حاصل أصلاً وغير موجود، لأن الأداة القانونية للتعيين هي المرسوم وليس القرار، وإن كان المرسوم لا يمكن أن يصدر إلا بعد اتخاذ القرار في مجلس الوزراء.
هناك من يعتبر أن الاستغناء عن المرسوم في هذه الحالة يتم تطبيقاً للمادة 56 من الدستور التي تنظم صلاحيات رئيس الجمهورية بشأن طلب إعادة النظر بقرارات مجلس الوزراء، وبأن هذا الأخير يمارس اليوم صلاحيات الرئيس بالوكالة ويجوز له أن ينتظر انقضاء مهلة الخمسة عشر يوماً المعطاة للرئيس لطلب إعادة النظر بقرار التعيين، وعند انتهاء هذه المهلة يعتبر القرار أو المرسوم نافذاً حكماً ووجب نشره. ولكن في حال كان التفكير متجهاً بهذا الاتجاه فهو يصطدم بالنص الدستوري الواضح للمادة 56 التي تقول بأن مهلة الخمسة عشر يوماً تبدأ من تاريخ إيداع القرار رئاسة الجمهورية، أي المديرية العامة لرئاسة الجمهورية وفق قانون تنظيم هذه الأخيرة، وبالتالي إذا لم يتم هذا الإيداع فإن المهلة تكون لم تنطلق أصلاً ولا يمكن بالتالي اعتبار القرار أو المرسوم نافذاً حكماً بانتهائها لأنها لم تنطلق أصلاً.
حسنٌ أن يقوم مجلس الوزراء خلال فترة الفراغ الرئاسي وعلى رغم كون الحكومة مستقيلة، بتصريف أعمال الحكم واتخاذ جميع القرارات الضرورية في هذه المرحلة والحرص على استمرار الدولة بالقيام بواجباتها بالحد الممكن والمطلوب للحفاظ على المصلحة العامة، ولكن هذا الدور الهام المطلوب في هذه المرحلة الخطيرة يجب أن يمارس ضمن أعلى درجات الحرص على النصوص والقواعد الدستورية.