بأقلامهم >بأقلامهم
"الفلاّح السّعيد"!
جنوبيات
انها قصّة من مخزون الذّاكرة اخبرنيها والدي "طيب الله ثراه" ومؤادّها: "حكمة فلّاح، باله مرتاح".
يُحكى في خوابي الزّمان أنّ أحد الملوك خرج ليتنزّه بين الحقول، فرأى فلّاحًا يحرث الأرض وهو في غاية السّرور، ويدندن بعض الكلمات في نشاط وابتهاج.
فسأله الملك قائلًا: أيّها الرّجل، أراك سعيدًا بعملك في هذه الأرض، فهل هي لك؟
أجاب الفلّاح: لا يا سيّدي، إنّها ليست لي، بل أعمل فيها بالأجرة.
فقال الملك: وكم تأخذ من الأجر لقاء عملك هذا؟
أجاب الفلّاح: أربعة قروش كلّ يوم.
ردّ الملك (بتعجّب): وهل تكفيك؟
أجاب الفلّاح: نعم تكفيني (وبدا السّرور على محيّاه)، وأردف قائلًا: قرش أصرفه على عيشي، وقرش أسدّد به ديني، وقرش أسلّفه لغيري، وقرش أنفقه في سبيل الله.
فقال الملك: ويحك يا هذا، إنّه لغز لم أفهمه. فهل لك أن توضّح لي كنه كلامك؟
ردّ الفلّاح: أنا أشرح لك يا سيّدي؛ أمّا القرش الذي أصرفه على عيشي فهو قرش أعيش منه أنا وزوجتي المصون.
وأمّا القرش الذي أسدّد به ديني فهو القرش الذي أنفقه على أبي وأمّي أطال الله في عمرهما، فقد ربّياني صغيرًا وأنفقا عليّ وأنا محتاج، وهما الآن كبيران ولا يقدران على العمل.
وأمّا القرش الذي أسلّفه لغيري فهو القرش الذي أنفقه على أولادي. أربّيهم وأطعمهم وأكسوهم، حتّى إذا كبروا وجب عليهم أن يردّوا إلينا الدّين، حينما نكبر ونصبح غير قادرين على العمل.
أمّا القرش الذي أنفقه في سبيل الله فهو القرش الذي أنفقه على شقيقتيّ المريضتين.
عندها قال الملك: "أحسنت يا رجل"، وترك له بعض النّقود وغادره، وهو متعجّب من حكمة رجل بسيط.
إنّها حكمة فلّاح باله مرتاح، في ظلّ حكم الملك العادل الذي يهتمّ بشؤون رعيّته.
فأين نحن من هؤلاء؟ وقد حلّ علينا البلاء.
رحماك يا ربّ السّماء.