بأقلامهم >بأقلامهم
عقيدة جيش العدو الإسرائيلي قتل أكبر عدد ممكن من المدنيين
الدعم اللا محدود لـ"إسرائيل" من أميركا والغرب يجعل ضباط وجنود جيشها لا يحسبون حساباً لمصروف الذخيرة ويفرطون في استعمالها
عقيدة جيش العدو الإسرائيلي قتل أكبر عدد ممكن من المدنيين ‎السبت 16 03 2024 15:12 العميد الركن منير شحادة
عقيدة جيش العدو الإسرائيلي قتل أكبر عدد ممكن من المدنيين

جنوبيات

لماذا تعتمد "إسرائيل" في حروبها، منذ تكوينها، على المجازر والتدمير الممنهج؟ ولماذا تتقصّد قتل أكبر عدد ممكن من المدنيين؟ سؤال توضح الإجابة عنه حقيقة ومنهجية تفكير هذا الكيان الذي أصبح، بعد عدوانه على المدنيين في غزة ولبنان، منبوذا عالمياً من ملايين البشر حتى في أوروبا والولايات المتحدة. 
البداية من نشأة هذا الكيان الذي بُني على احتلال أرض الغير وطرد شعبٍ بكامله منها بناء لعقيدة دينية عمرها آلاف السنين، واستناداً إلى وعد من "لورد" بريطاني (آرثر بلفور) يقطن على بعد آلاف الكيلومترات من أرض وعدهم بها ولا يملكها.

العقيدة القتالية العسكرية 
تتمحور عقيدة إسرائيل العسكرية حول الحاجة إلى قتال مستمر. في خمسينيات القرن الماضي بدأ دافيد بن غوريون، رئيس أوّل حكومة لدولة الاحتلال ووزير دفاعها، العمل على بلورة العقيدة الأمنيّة الإسرائيلية وفقاً للظروف الجيوسياسية المتعلقة بتلك المرحلة. وارتكزت تلك العقيدة على عدد من الأمور أهمها: 
- تعزيز قوّة الردع.
- استخدام الحرب الوقائيّة.
- حسم المعركة بسرعة كبيرة. 
وهي ركائز وضعت نصب عينيها استحالة قيام إسرائيل بالدفاع عن حدودها نظراً لافتقارها إلى العمق الإستراتيجي، ما يعني نقل المعركة إلى أرض "العدو" واحتلال أماكن فيها لتحقيق مكاسب سياسية لاحقاً.
ومنذ نشأتها عام 1948 واحتلالها لأرض فلسطين، باشرت إسرائيل بارتكاب مجازر في حق سكان القرى والبلدات (صدر مؤخراً وثائقي يعرض مقابلات مع عسكريين إسرائيليين يتحدثون بوقاحة عن كيفية ارتكابهم تلك المجازر)، لترويعهم وإجبارهم على النزوح ونشر أخبار هذه المجازر أينما حلوا كخطة لتهجير أكبر عدد ممكن من السكان الأصليين.
حَدَث تهجير الفلسطينيين سنة 1948 عندما نَزَح أو طُرِد أكثر من 700,000 فلسطيني - قُرابَة نصف سكان فلسطين - من بيوتهم. كان التهجير عَامِلًا مركزيًّا في تَشْتيت المجتمع الفلسطيني، والاستيلاء على مُمْتَلَكَاته، وإبعاده عن أرضه، وهو ما يُعْرَف باسم النكبة التي شملت تدمير ما يراوح بين 400 و600 قرية فلسطينية، إضافة إلى تَهْويد التاريخ الفلسطيني.
ويشير مصطلح النكبة أيضًا إلى الفترة التي تزيد مدتها عن مدة الحرب نفسها والاضطهاد الذي جاء بعد الحرب والمستمرّ حتى يومنا. وقد كانت مجزرة دير ياسين نقطة تحول في تدمير الساحة السياسية العربية حسب ما يرى عالم السياسة الإسرائيلي ميرون بنفتستي.

"جيش لا يُقهر ولا يُحاسب"؟
هناك قناعة راسخة لدى القادة الإسرائيليين وصولاً إلى أصغر جندي بأن الجيش الإسرائيلي لا يُقهر ولا يُحاسب. إذ لم يحاسب على أي من المجازر الموصوفة التي ارتكبها في كل الحروب التي خاضها، رغم الاستعمال المفرط للأسلحة بشكل غير متناسب. وهناك دائماً دعم دولي بواسطة جسور جوية وبحرية بأعتى أنواع الأسلحة، وبمواقف معلنة تتحدث عن حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها، ويلاقيها دعم إعلامي عالمي تسيطر الصهيونية العالمية على معظمه، ما جعل الجيش الإسرائيلي يُمعِن في ارتكاب المجازر والتدمير والاستمرار في الاستعمال المفرط للأسلحة.
الجدير ذكره أن هذا الكيان يقف اليوم، للمرة الأولى في تاريخه، أمام العدالة الدولية في محكمة العدل الدولية، ليحاكم في ارتكاب جرائم إبادة جماعية في حربه على غزة، بموجب دعوى تقدمت بها جنوب أفريقيا، وقد أصدرت المحكمة قرارات احترازية فيها شبه إدانة لهذا الكيان. لكن تصريح رئيس الوزراء الإسرائيلي بأن إسرائيل غير معنية بما يجري في هذه المحكمة، يؤكد استعلاء إسرائيل المستمر وإظهار نفسها فوق القانون وفوق أي قرارات دولية، من دون أن نغفل الدعم اللامحدود الذي تتلقاه من الولايات المتحدة (تحصل إسرائيل على 55% من موازنة مساعدات التسليح الأميركية للدول الحليفة) والغرب في كل المجالات، تسليحياً ومادياً واقتصادياً، ما يجعل من ضباطها وجنودها لا يحسبون أي حساب لمصروف الذخيرة ويفرطون في استعمالها، وهو ما يؤدي إلى مجازر. 
أما التدمير الممنهج الذي تتبعه إسرائيل في كل حروبها منذ النكبة، في فلسطين المحتلة وفي الحروب التي شنتها على لبنان وفي الجولان المحتل وإلى يومنا هذا، فيهدف إلى فرض أمر واقع بصعوبة العودة، لتصل الى هدفها الأساسي وهو اللاعودة.

حالة حرب دائمة
العامل الأساسي الذي يجعل من الجيش الإسرائيلي أداة قتل وارتكاب جرائم، يكمن في مقولة تُتداول على نطاق واسع في إسرائيل، بخاصة في الأوساط السياسية والعسكرية، وهي أن الجيش الإسرائيلي هو دائماً في حالة حرب: إما أنه يقاتل فعلياً على الجبهة أو يستعدّ للحرب المقبلة. وتنسب هذه المقولة للجنرال والمفكر العسكري الألماني البروسي كارل فون كلاوزفيتش (1780-1831)، لكن إسرائيل تبنّتها حرفياً وطبّقتها عملياً. وهي تلخّص مجموعة من الحقائق.
إذ تؤكّد أن هذه الدولة المزروعة في قلب الوطن العربي محاطةٌ ببيئة معادية من دول وتنظيمات وشعوب، وتعكس كذلك النزعة العدوانية العسكرية لدولة إسرائيل التي إن لم تجد عدواً فعلياً، تبادر إلى اختراعه، كما تكشف الدور الوظيفي الموكل لهذه الدولة من المراكز الغربية الرأسمالية، وهو دور عسكري وأمني بامتياز، ما يعطي الجيش الإسرائيلي دوراً محورياً في تسيير شؤون الدولة ورسم ملامحها والتأثير على سماتها الاجتماعية والاقتصادية والثقافية.

صناعة الأسلحة وتسويقها
توجد في إسرائيل نحو 1000شركة متخصّصة في إنتاج الأسلحة وتسويقها وبيعها، تستقطب ضباط الجيش وخبراءه المُسرّحين. وتمثل الصناعات العسكرية الإسرائيلية المرتبطة بالتكنولوجيا الحديثة رافعةً للاقتصاد الإسرائيلي، وتوفّر أيضاً مدخلاً لتعزيز النفوذ الإقليمي والدولي لإسرائيل. وهذا يعد دافعاً إضافياً لدى إسرائيل لاختراع حروب تكون حقول تجارب لهذه الأسلحة. ويتم التسويق للصناعات الإسرائيلية، عند بيعها للشركات والحكومات العالمية، باستخدام عبارة "تم اختبارها في المعركة". وذكر تقرير لـ"بوليتزر سنتر"، نُشر عام 2016، ان اسرائيل تقوم بتجربة الأسلحة في الضفة الغربية وغزة قبل عرضها في السوق الدولية على أنها أسلحة ثبتت فعاليتها في المعركة. وفي عام 2022، أنفقت إسرائيل 23.4 مليار دولار على جيشها وفقاً لمعهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام، ما يجعلها ثاني أكبر منفق في العالم في ما يتعلق بنصيب الفرد. وصدّرت إسرائيل منتجات دفاعية بقيمة قياسية بلغت 12.556 مليار دولار عام 2022 ما يمثل زيادة 55% عن الأعوام السابقة، علماً أنها تملك عدداً من مصانع الأسلحة في عدد من الدول كالهند.

عنصرية التعاليم الدينية
نصل هنا الى الدليل الواضح والقاطع على أن العنصرية في التعاليم الدينية اليهودية، هي وراء تقصّد الجيش الإسرائيلي في ارتكاب المجازر والتدمير الممنهج في كل حروبه. يدخل ذلك في تكوين عقيدة الشعب الإسرائيلي منذ الولادة، والتي تجعل من كل فرد كائناً مليئاً بالحقد والكراهية والاستعلاء واحتقار كل ما هو غير يهودي.


ملخص دراسة تأصيلية عن العنصرية في التعاليم الدينية اليهودية 
تتناول هذه الدراسة "العنصرية في التعاليم الدينية اليهودية"، وهي اعتمدت الدراسة على تأصيل هذه الظاهرة من خلال تعاليم العهد القديم التي جعلت اليهودي مقدساً عند الله واليهود شعب الله المختار الذين اختصهم الله له دون غيرهم. وقد تربت أجيال من اليهود على كراهية الغير استناداً إلى تعاليم عنصرية تطفح بها كتبهم المقدسة، حول التعالي اليهودي وكراهية الأغيار وإباحة ممارسة الإرهاب والعنف تجاه غير اليهود والدعوة إلى القضاء عليهم وإبادتهم. 
من بعد هذه الدراسة الملخصة عن العنصرية اليهودية يصبح من الواضح سبب جنوح الجيش الاسرائيلي إلى ارتكاب المجازر وتقصده تدمير البشر والحجر.
إسرائيل كيان أنشئ باغتصاب أرض وارتكاب مجازر وتهجير شعب وتدمير بلدات وقرى بكاملها، وأتى بمستعمرين من كل أصقاع العالم ليستوطنوا فيها وتغيير تسمية البلدات من العربية الى العبرية لمحو الذاكرة، واستمرت في قضم الأراضي وبناء المستوطنات في أراض تصادرها الى أن أصبح الفلسطينيون يعيشون فوق 15% فقط من الأراضي الفلسطينية، كما ارتكبت منذ نشأتها مجازر لا تحصى ليس آخرها المجزرة الحالية في غزة على مرأى من شاشات العالم وبدعم لا محدود من أميركا ودول غربية، في دليل جديد على وقاحة ازدواجية المعايير في هذا المجتمع الدولي. 

* منسّق الحكومة اللبنانية السابق لدى قوات الطوارئ الدولية والرئيس السابق للحكمة العسكرية.

المصدر : القوس