ثقافة وفن ومنوعات >ثقافة وفن ومنوعات
الفتوش.. زينة المائدة الرمضانية
الخميس 21 03 2024 17:21جنوبيات
مهما كثرت أنواع السلطات الخضراء المُقدَّمة على المائدة اللبنانية والعربية، يبقى لسلطة الفتوش شكلها الخاص وحضورها المُميّز في وسط الطاولة، فهي زينة الموائد الرمضانية، كما تُعتبر من أشهر المُقبّلات الشرقية، التي تفتح الشهية على الأكل بطعمها اللذيذ ونكهتها الخاصة، وتُساعد في عملية الهضم إضافة إلى فوائدها الغذائية العديدة.
إنّها سلطة الخضراوات الأولى بين السلطات، إذ تضم باقة غنيّة ومُنوّعة من الخضراوات الشهية والطازجة التي تُزهر وتُثمر في كل المواسم، الأمر الذي يجعل منها طبقاً يومياً يُحبّه الكبار والصغار، ويكاد لا يغيب عن مائدة كل منزل ومطعم. انطلقت سلطة الفتوش من المطبخ اللبناني الذي لطالما تميّز باحترافه لفن الطبخ، فارتبطت باسمه مجموعة كبيرة من الأطباق اللذيذة، التي أصبحت جزءاً من التراث اللبناني العريق، وشهرة الفتوش بأنّه الطبق اليومي على المائدة الرمضانية، ولا غنى عنه، إذ إنّه يحتوي على باقة مُنوّعة من الخضراوات الطازجة التي تضم بدورها كميات كبيرة من الألياف الضرورية لجسم الإنسان، فخلال فترة الصوم والامتناع المؤقت عن الطعام، يحتاج الجسم إلى نظام غذائي سليم يعتمد بالدرجة الأولى على الخضراوات الغنية بالفيتامينات والأملاح المعدنية.
وهذه الخضراوات تتوافر بأنواع كثيرة ومُختلفة في سلطة الفتوش، التي تتمتّع بفوائد غذائية عديدة، وقد صنّفها خبراء التغذية بأنّها طبق صحي بامتياز، فهي سلطة خضراء اللون مُكوّنة من الخس، البندورة، الخيار، النعناع الأخضر واليابس، البقلة، البقدونس، الفجل، الفليفلة الخضراء، البصل بنوعية العادي والأخضر، ويضاف إليها السمّاق، الملح، البهار، عصير الحامض وزيت الزيتون، وطبعاً الخبز المُحمّص أو المقلي، وهناك مَنْ يُضيف الثوم والخل حسب الذوق والطلب.
ولكل من هذه الخضراوات فوائده الغذائية الثابتة، فالخس يحتوي على أملاح معدنية وفيتامينات وهو فعّال في تنشيط عملية الهضم، كما أنّه مُهدّئ للأعصاب وفاتح للشهية، أما البندورة والخيار فيحتويان على نسبة عالية من الألياف الغذائية، والبصل أيضاً يساعد على تنقية الدم ويعتبر مُضادّاً للغازات، والنعناع اليابس غني بفيتامين (أ)، كما يُنشّط ويُسّهل عملية الهضم، والبقدونس أيضاً يساعد على فتح الشهية وتسهيل عمل الجهاز الهضمي. والفجل يحتوي على الكثير من الفيتامينات والأملاح المعدنية والمواد العضوية مثل الحديد، الماغنيزيوم، الفوسفور وغيرها، ولا نغفل فوائد زيت الزيتون الطبيعية، إذ أظهرت الدراسات والبحوث الأكاديمية في جامعات أميركية وفرنسية أنّه يقاوم الأعراض الفيزيولوجية للشيخوخة، ويساعد الجهاز الهضمي على أداء وظائفه بكفاءة عالية، كما يحتوى على عدد من الفيتامينات الضرورية للجسم.
ولا يقل طبق الفتوش أهمية عن طبق التبولة أو غيره من المُقبلات التي تزيّن المائدة اللبنانية، فهو من الوجبات السريعة التي يسهل تحضيرها بشكل يومي، كما أنّ محتوياته تتوافر في كل منزل لبناني وعربي، كذلك يُعتبر الفتوش من الأطباق الرئيسية على موائد المناسبات ودعوات الغداء والعشاء، وما أفضل من تناول وجبة خفيفة وصحية من الخضراوات الطازجة قبل تناول أي وجبة غذائية أخرى سواء كانت خفيفة أو دسمة!
كذلك تبرز قيمة الفتوش الغذائية عندما يحل طبقاً أساسياً على المائدة إلى جانب صحن البطاطا المقلية، ويجتمع حوله أفراد العائلة والأصدقاء، وقد جرت العادة عند اللبناني أنْ يدعو أصدقاءه إلى أطيب أمسية فتوش، من تحضير والدته أو زوجته.
وترتبط سلطة الفتوش ارتباطاً وثيقاً بالريف اللبناني، الذي اشتهرت نسوته منذ القِدَم بصناعة أطيب طبق فتوش على الإطلاق، وذلك لا يعود فقط إلى مهارة المرأة الجبلية في فن الطبخ، لكن الأهم يكمن في استعمال أفضل نوعية خضراوات تخرج مباشرة من البستان إلى المطبخ.
ومن الروايات المتداولة حول الفتوش، أنّه كان بالنسبة لأهالي الجبال بمثابة كوب الماء على المائدة، وقد كانت المرأة آنذاك تُكرِم زوجها عند المساء بأطيب صحن فتوش أعدّته بيديها وقلبها، أما الشابّات الصغيرات فُكنَّ يُساعدن أُمّهاتهن في تحضير سلطة الفتوش، باعتباره الطبق الأحب إلى بطن الرجل والطريق الأسهل إلى قلبه.