بأقلامهم >بأقلامهم
السيناريوهات المستقبلية للعلاقة الأمريكية الإسرائيلية
جنوبيات
توصف العلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل بأنها علاقة استراتيجية وثيقة ومستقرة، وتحالف استراتيجي قوي، وتعتبر كذلك من أهم العلاقات الثنائية في العالم، كما أنها تلعب دوراً هاماً في حفظ الأمن والاستقرار في المنطقة.
يمكن القول بأنّ هذه العلاقة تتميز بعدة خصائص، فعلى الصعيد السياسي، هناك تعاون وثيق بين البلدين، حيث تُنسق الدولتان حول العديد من القضايا الإقليمية والدولية، كما في الصراع الإسرائيلي- الفلسطيني، والتهديد الإيراني. كما تدعم الولايات المتحدة إسرائيل بشكل كبير في الأمم المتحدة، حيث تُعارض أيّ محاولات لمقاطعة إسرائيل أو فرض عقوبات عليها، ولكن شذّت القاعدة عندما امتنعت عن التصويت مؤخراً على مشروع قرار وقف إطلاق النار الذي جاء بمبادرة من عشر دول غير دائمة العضوية في مجلس الأمن.
ومن ناحية التعاون العسكري، تعتبر الولايات المتحدة أكبر مُقدم للمساعدات العسكرية لإسرائيل، وهناك تعاون مشترك يتعلق بتطوير الدولتان تقنيات عسكرية متقدمة، وتُشاركان بالعديد من التدريبات العسكرية المشتركة.
أمّا التعاون الاقتصادي، والذي لا يقل أهمية عن التعاون العسكري والسياسي، فيتمثّل في أنّ الولايات المتحدة تُعدّ أكبر شريك تجاري لإسرائيل، حيث تُبرم الدولتان العديد من الاتفاقيات التجارية والاستثمارية، وتشاركان في العديد من المشاريع الاقتصادية المشتركة.
ولا يمكن إغفال أنّ البلدين لديهما قيم مشتركة، عالأقل ظاهرياً، مثل الديمقراطية التي تتغنيان بها والحرية وحقوق الإنسان، حيث تعتبران من أقوى الديمقراطيات في العالم، هذا بالإضافة إلى أنهما تدافعان عن القيم الليبرالية في المنطقة.
وعلى الرغم مما سبق، إلّا أنّ الدولتين تواجهان تحدّيات عديدة تتعلق بمستقبل العلاقة بينهما، فهناك خلافات حول كيفية حل الصراع الإسرائيلي- الفلسطيني الذي طال أمده ولا زال دون حل، وبرز ذلك خلال العدوان على غزة، بعد أن مورست ضغوطات شعبية كبيرة على الولايات المتحدة، لاتخاذ موقف أكثر انتقاداً تجاه الإجراءات الإسرائيلية، وكذلك مع اقتراب موعد الانتخابات، حيث تنبّه بايدن إلى خطورة الدعم اللامحدود لإسرائيل في عدوانها على غزة، والذي أدّى الى تخفيف الولايات المتحدة من حدّة خطابها السياسي المتعلق بالعدوان، وأبدّت تعاطفاً مع ما يتعرض له الشعب الفلسطيني، ولكن مع المحافظة على تقديم المساعدات والأسلحة لها.
وهناك موضوع الاتفاق النووي الإيراني، فعلى الرغم من نقاط الاتفاق بين البلدين، والمتمثلة بأنهما تريان إيران كتهديد، وتُريدان منعها من الحصول على أسلحة نووية، وتؤيدان فرض عقوبات عليها، إلّا أنّ كيفية التعامل مع هذا التهديد هي نقطة خلاف، فإذا طوّرت إيران أسلحة نووية، أو كانت هناك مواجهة عسكرية كبيرة، فقد تجبر الولايات المتحدة على اختيار الدبلوماسية، ما قد يؤدي إلى توتر العلاقات مع إسرائيل، بالإضافة الى نقاط خلافية أخرى حول البرنامج الصاروخي الإيراني، وموضوع كيفية التفتيش على المواقع الإيرانية.
وعلى الرغم من وجود بعض الانتقادات للعلاقة الأمريكية الإسرائيلية، خاصة من قبل بعض الدول العربية والإسلامية، نظراً للدعم غير المشروط الذي تقدّمه الولايات المتحدة لإسرائيل، ما يُشجّعها على الاستمرار في احتلال الأراضي الفلسطينية، واستخدام الولايات المتحدة الأمريكية نفوذها وحق الفيتو لحمايتها من المساءلة الدولية، إلّا أنّ ذلك لم يؤثر على تغيير سياسة الولايات المتحدة تجاه إسرائيل على مدى عقود طويلة، حيث أنّ هذه العلاقة تُعدّ مُعقدّة ومتعددّة الأوجه.
وبما أنه من الصعب التنبؤ بدقة بمسار العلاقة الأمريكية الإسرائيلية الاستراتيجية المستقبلية، والتي تعتمد على العديد من العوامل المتغيرة، إلّا أنّ احتمال تغير هذا المسار وارد، في حال تغيّرت المصالح والمعطيات، وهناك بارقة أمل لحدوث نقطة تحول في السياسة الاستراتيجية الأمريكية تجاه إسرائيل، خاصة بعد امتناعها عن التصويت لصالحها، والذي يعتبر خروجاً أميركياً من العباءة الصهيونية، ولو مؤقتاً، وهذا التغيير، إن حصل، سيكون تدريجياً وبصورة بطيئة. ومن هنا، يمكن التكهن بالسيناريوهات أو ببعض القضايا المحتملة التي يمكن أن تؤدّي إلى نقطة تحول في السياسة الاستراتيجية للولايات المتحدة، أو تلك التي يمكن للعلاقة الأمريكية الإسرائيلية التحرك ضمن إطارها مستقبلاً:
أولاً: استمرار التحالف الاستراتيجي بين البلدين، وذلك استناداً إلى مستند حقائق صدر عن مكتب المتحدث باسم الخارجية الأمريكية في السادس والعشرين من شهر آذار 2022، والتي أكّد فيها على متانة الشراكة الأمريكية الإسرائيلية، وبأنّ التزام الولايات المتحدة بأمن إسرائيل وبالاستقرار الإقليمي لا يتزعزع، وهذا يعني: أ. استمرار التعاون الأمني والدعم الأمريكي لإسرائيل اقتصادياً وعسكرياُ، مع التركيز على مكافحة الإرهاب والتهديدات الإيرانية. ب. استمرار التعاون الاقتصادي، والمتضمن زيادة التبادل التجاري والاستثمارات بين البلدين. جـ. التنسيق الدبلوماسي الوثيق بينهما في القضايا الإقليمية والدولية.
ثانياً: توتر العلاقة بينهما نظراً ل: أ. اختلاف وتباعد وجهات النظر حول القضية الفلسطينية، خاصة تلك المتعلقة بحل الدولتين، وازدياد الضغوط الأمريكية على إسرائيل لتقديم تنازلات للفلسطينيين فيما يتعلق بالعدوان على غزة. ب. السياسة الإسرائيلية تجاه إيران، حيث يوجد خلافات حول كيفية التعامل مع البرنامج النووي الإيراني، كما سبق ذكره جـ. السياسة الداخلية في كلا البلدين، حيث يمكن للرأي العام التأثير على السياسة، فتأثر الرأي العام الأمريكي بالعدوان على غزة وما يرتكب من جرائم الحرب وضد الإنسانية والإبادة الجماعية، يمكن أن يعرض الإدارة الأمريكية لضغوط لتغيير سياستها تجاه إسرائيل، كما أنّ هناك ضغوط عليها من قبل الجناح التقدّمي في الحزب الديمقراطي لتغيير سياستها تجاهها، وبالمثل، فإنّ التحول في السياسة الإسرائيلية نحو حكومة أكثر يمينية أو قومية يمكن أن يخلق احتكاكاً ويؤثر على العلاقة بين البلدين.
ثالثاً: أن يحدث انفصال أو تباعد، والذي قد يترجم بعدة أشكال: أ. تراجع الدعم الأمريكي لإسرائيل بكافة جوانبه، وذلك بتقليص المساعدات المالية والعسكرية الأمريكية لها، وازدياد انتقادات الكونغرس الأمريكي للسياسة الإسرائيلية. ب. توجه إسرائيل نحو دول أخرى مثل الصين وروسيا، وتعزيز علاقاتها معها، لتقليل اعتمادها على الولايات المتحدة. جـ. في حال تصاعد التوتر بين إسرائيل وإيران، فإنّ ذلك سيزيد التوتر في المنطقة، وبالتالي ازدياد احتمال اندلاع حرب إقليمية، وبالتالي التأثير على العلاقات الأمريكية الإسرائيلية.
رابعاً: إعادة تقييم العلاقة بين البلدين من خلال: أ. إجراء حوار استراتيجي شامل لمراجعة العلاقة الأمريكية الإسرائيلية، وتحديد أهدافها ومجالات التعاون في المستقبل. ب. تحديد الأولويات المشتركة والتركيز على القضايا ذات الاهتمام المشترك، مثل مكافحة الإرهاب والتهديدات الإيرانية. جـ. السعي المشترك لإيجاد حلول جديدة للصراع الفلسطيني الإسرائيلي، مع مراعاة مصالح جميع الأطراف.
خامساً: أن يحدث هناك تغيرات جوهرية مثل: أ. تغير نظام الحكم في الولايات المتحدة، حيث أنّ وصول إدارة جديدة إلى السلطة نتيجة الانتخابات القادمة قد يؤدي إلى تغيير جذري في سياسة الولايات المتحدة تجاه إسرائيل. ب. حدوث تغيرات إقليمية في منطقة الشرق الأوسط، كصعود قوى جديدة مثل الصين أو روسيا، والتي قد تؤدّي إلى تغيير طبيعة العلاقة الأمريكية الإسرائيلية، ما قد يؤدّي إلى علاقة أقل تفضيلية. جـ. حدوث تغيرات في المجتمع الإسرائيلي ذاته، كازدياد التطرف مثلاً أو تغير جذري في نظام الحكم، قد يؤدّي الى تغيير طبيعة العلاقة مع الولايات المتحدة.
ويمكن الحديث عن عوامل داخلية أخرى في الولايات المتحدة، بالإضافة الى تغير نظام الحكم، منها التغيرات الديموغرافية، كأن يحدث ازدياد في التنوع السكاني في الولايات المتحدة، ويظهر جيل جديد يميل إلى اتخاذ مواقف أكثر انتقاداً لإسرائيل. فعلى الرغم من أنّ هناك دعم قوي من قبل الحزبين في الكونغرس الأمريكي لإسرائيل، إلّا أنّ الرأي العام أكثر تأثيراً، حيث تظهر الأجيال الشابة ارتباطاً أقل بالتحالف التقليدي بين الولايات المتحدة وإسرائيل، وهناك تحول مستمر في الرأي العام نحو توجه أكثر انتقاداً للسياسات الإسرائيلية، وهذا يمكن أن يضغط على السياسيين الأمريكيين. وكذلك بروز دور جماعات الضغط المؤيدة للفلسطينيين، والتي تضغط على الولايات وتدعو إلى تغيير السياسة الأمريكية تجاه إسرائيل. ولا يمكن تجاهل أهمية التغيرات التي حدثت في الرأي العام، حيث أن عدد الأمريكيين الذين يعتقدون أنّ الولايات المتحدة يجب أن تتخذ موقفاً أكثر حيادية في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني في ازدياد.
سادساً: قد يؤدي التطبيع مع الدول العربية، وترجمته على أرض الواقع، والتطبيع مع السعودية مستقبلاً بعد قيام الدولة المستقبلية المستقلة وعاصمتها القدس إلى تغيير قواعد اللعبة. فإذا أدّت هذه الاتفاقات إلى قبول عربي أوسع لإسرائيل، قد تشعر الولايات المتحدة بضغوط أقل لإعطاء الأولوية لمخاوف إسرائيل الأمنية، وبالتالي ينعكس على العلاقات بينهما بجميع أشكالها.
سابعاً: قد ترغب الولايات المتحدة في تحسين علاقاتها مع الدول العربية، ما قد يؤدي إلى ممارسة ضغوط على إسرائيل لتقديم تنازلات للفلسطينيين.
ثامناً: قد يتغير تصور الولايات المتحدة لخطر إيران، الأمر الذي قد يؤثر على دعمها لإسرائيل.
أمّا حول كيفية تغيير سياسة الولايات المتحدة تجاه إسرائيل، في حال حدوثها، قد تتضمن إنهاء المساعدات العسكرية الأمريكية لها، أو الضغط عليها لتقديم تنازلات للفلسطينيين، آخذين بالاعتبار أنّ اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة يتمتع بنفوذ كبير، وقد يقاوم أيّ تغيير في سياسة الولايات المتحدة تجاه إسرائيل.
وفي ضوء ما سبق، نخلص بأنّ التطورات في الولايات المتحدة والشرق الأوسط، والتغير في الرأي العام، والمصالح السياسية، كل ذلك، يمكنه أن يجعل الولايات المتحدة تغيّر من سياستها الداعمة لإسرائيل مستقبلاً، ولكن من غير المرجح أن يحدث ذلك فجأة أو بشكل جذري، وليس هناك أيضاً ما يضمن حدوث أيّ تغيير محدّد، وتبقى العلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل موضع نقاش في المستقبل المنظور.