يعيش كل انسان حياة تختلف عن الآخر، لكل منا طريقته في الإختيار وطريقته في تجسيد الواقع الذي يعيشه، منا ما يتناسى ومنا ما يواجه ومنا ما يتهرّب ومنا ما يستسلم للأمر الواقع وغيرها من السلوكيات التي تميز الناس عن بعضها البعض، فالفكر والعقل والعاطفة، كلاهم يعملون في الإنسان، ويشكلون القاعدة المثالية للإختيار والعيش ضمن دائرة الإحداثيات، التي تحكم توجهها نحو السلوكيات المترافقة مع التطورات الحياتية، التي تتصف بالتجديد والتطورات، فقد تغني المعرفة الحسية والحدس والتجربة الإنسانية الإنسان وتدفعه الى الرؤية الواضحة والتبصّر والتبحر في الخيارات وعيش المستقبل،  مستفيداً بذلك من تجاربه السابقة وماضيه السحيق،  الذي إن دل على شيء فقد يدل على ذاك الماضي المتسم بنقص الوعي الإجتماعي وقلة  المعرفة  وغياب النضوج والأمان العاطفي، كل ذلك  ينطلق ومصدره الفكر والعقل البشري، الذي يأخذان الإنسان الى مرحلة جديدة من حياته بما تسمى العقلانية، اي لا يختار شيئا ما لم يستند على العقل اما العاطفة فهي تحتلّ المرتبة الثانية بعد العقل.
في الواقع ان الإنسان ما لم يصل الى التحليل لكل ما يمر به من تجارب ابتداء من الشك للوصول الى اليقين والمعرفة الحقيقية، فإنه سيقع ضمن دائرة الجهل والعمى ، فالإنسان يخطئ وما لم يخطئ لا يتعلم، والعلم والمعرفة هما البابان من ابواب الوعي والتبصّر ، فليس كل من يرى يرى فمنهم من يرى سطحياً اي لا يتعمق في الرؤية والتحليل، لذا ان التفكير والعقلانية هما ايضا نتيجة لما وصل إليه الإنسان من الوعي والنضوج، لكن السؤال ،هل يعيد الإنسان ترتيب أولوياته ويقدّر ذاته ويضع امامه اهدافاً بعيدة؟ هل ان مجريات الأحداث والتجارب الحياتية هم اللذين يصنعون من الإنسان شخصاً واعياً وناضجاً؟
يبدو للوهلة الأولى ان الإنسان كائن غامض في كينونته وسيرورته، لكن ما إن تعمقنا لرأينا ان الإنسان من خلال العلم والمعرفة يصل الى مسافات بعيدة جدا تضيء له فكره وعقله وتفتح له آفاقا واسعة من الوعي، لكن المسألة تتطلب الصبر، فالصبر هو المفتاح الذي يساعد على التعلّم والإكتشاف والإكتساب، فهم الزاد اللذين يصنعون من الإنسان إنساناً آخر يفهم ذاته منسجماً مع تلك  الصفات الإنسانية المستجدة، لذا بالصبر نبلغ معالي الأمور الحياتية وبالصبر نتخلق بأخلاق حميدة تميزنا عن غيرنا من البشر.