بأقلامهم >بأقلامهم
الطوابعيّ الصيداوي شفيق طالب كتب تاريخ لبنان بالملقط
جنوبيات
يستحقّ شفيق طالب لقب عميد طوابعيّي لبنان بجدارة، إذ أفنى الهاوي الصيداويّ العتيق جلّ عمره يحمل ملقط الطوابع، فيرتّبها ويدوزنها، يتفقّدها ويحفظها، وينقلها بعناية حينما يوجب نقلها، ويداريها برقّة الحبيب تجاه حبيبته لتعيش عمرها الموغل أصلها في التاريخ عميقًا، تمهيدًا لعمر جديد مديد، هكذا هي أحوال الطوابع البريديّة مذ أبصرت النور لأوّل مرّة في أنجلترا في 6 أيار/ مايو سنة 1840 بطابع يحمل صورة الملكة فيكتوريا.
في يوم عيد الفطر، في العاشر من نيسان/ إبريل الجاري، فاجأت عائلة شفيق طالب المؤلّفة من بناته الأربع وابنيه الاثنين وأولادهم، المنتشرين بين فرنسا وكندا والإمارات العربيّة المتّحدة والسعوديّة، ربّ العائلة والجدّ، بأن التمّت دفعة واحدة في البيت الأساس في الهلاليّة (صيدا)، يقول: “فوجئت، لكنّهم أتوا جميعهم كي يحتفلوا ببلوغي سنّ التسعين، كانت مناسبة رائعة وعفويّة بالنسبة إليّ وغمرتني سعادة لا توصف”.
سعادتان دارت حولهما حياة “أبو ماهر”، سعادة الأسرة والأولاد في الدرجة الأولى، “التي لا يمكن تشبيهها بأيّ شيء أو أيّ سعادة”، وسعادة الاهتمام بالطوابع واقتنائها وترتيبها وجمع كلّ المعلومات عنها وحولها “هي هواية عظيمة شيّقة عشتها طوال 70 عامًا متواصلة من دون انقطاع، وخارج إطار الأسرة والعمل لم أهتمّ بسواها، وما دمت كذلك حتّى هذه اللحظة” بحسب تأكيده.
ملقط الطوابع
نادرًا ما يتخلّى شفيق طالب عن ملقط الطوابع، فبمجرّد سؤاله عن طابع ما أو حكاية تدور حوله، يسرع إلى ألبوماته التي لا تعدّ أو تحصى، كي يجيبك بالدليل الملموس والمعلومات عمّا تسأل، لكنّ هذا الملموس لا يجوز أن تلتقطه الأصابع أو تحرّكه، بل الملقط وحده المخوّل تقليبه وتحريكه، عملاً بقوانين الطوابع، ولكي تستعرضه كيفما شئت من دون المسّ بجوهره. يبهرك الرجل التسعينيّ بثبات يده دون ارتجاف وهي تلتقط هذه القطعة المعدنية المتواضعة وتتحرّك بحثًا عن مرادها بين الطوابع.
“يجب أن يستخدم هواة الطوابع الملقط في التقاط الطوابع بحرص وتحريكها حتّى لا يتمّ خدشها أو قطعها أو تشويهها، نظرًا إلى أنّ قيمة الطابع تقلّ وتتراجع بحدوث أيّ خدوش فيه أو عيوب بسطحه” توصية يؤكّدها شفيق طالب ردّاً على سؤالنا، قبل أن نخوض معه في بعض رحلته مع الطوابع البريديّة انطلاقًا من مطلع الخمسينيّات من القرن الماضي.
هاو من الكويت
يقول: “بدأت أجمع الطوابع قبل بلوغي الثامنة عشرة، أنا من مواليد صيدا سنة 1934، كنت أدّخر من مصروفي لتحقيق هذه الغاية، وكان سعر الطابع في حينه يراوح بين خمسة قروش و25 قرشًا، إلى أن تركت صيدا سنة 1953 وسافرت إلى الكويت في عداد مجموعة من صيدا ومناطق لبنانيّة أخرى ومن فلسطينيّين، 72 شخصًا سافرنا إلى الكويت مع شركة بريطانيّة أرادت إنشاء محطّة لتكرير المياه المالحة هناك”.
ويحكي قليلًا عن ذكرياته التي تعود إلى العام 1937، إذ أقام ذووه في محلّة تسمّى اليوم “التعمير”، الملاصقة لمخيّم “عين الحلوة” للاجئين الفلسطينيّين في مدينة صيدا، ويشير إلى أنّ البريطانيّين المشاركين في قوّات الحلفاء إبّان الحرب العالميّة الثانيّة، “استولوا على منزلنا وأقاموا فيه مركزاً للقيادة ومشفى. وفي العام 1946 رحلوا، بعدها أُنشئ مخيّم عين الحلوة، إثر نكبة فلسطين في العام 1948، منذ ذاك الوقت توطّدت علاقتي بالفلسطينيّين وبفلسطين، ولمّا تزل القضيّة الفلسطينيّة تحتلّ مكانة رائدة في ذاتي”.
في الكويت توجّه الفريق المقيم في مخيّم خاصّ نحو تأليف أندية رياضية، من كرة القدم وعمره القصير، إلى ناد مرخّص للمصارعة “لكن سرعان ما أوقفنا النادي الأخير إذ اكتشفنا أنّه يفرّق ولا يجمع، ويولّد حساسيّات كثيرة، وبما أنّ عديدًا من الرفاق كانوا من بلاد مختلفة عريقة بتراثها، وجدنا أنّ العامل المشترك بين الأكثريّة هو الطابع البريديّ، فذهبنا في هذا الاتجاه”.
في فريق الاغتراب والعمل تعرّف شفيق طالب إلى أساتذة من مصر “فمصر هي أوّل دولة في الكون اعتمدت صيغة البريد من أيّام الفراعنة، وهي كذلك أوّل دولة عربيّة أصدرت طابعًا بريديًّا في الأوّل من كانون الثاني/ يناير سنة 1866، وظهر أوّل إصدار في العام 1867 وعليه أهرامات الجيزة وأبو الهول، وانضمّت مصر إلى الاتّحاد البريديّ العالميّ سنة 1875” يقول ويشير إلى أنّ الرفاق المصريّين شجّعوه أكثر على الهواية وساعدوه في اقتناء أوّل مجموعة طوابع مصريّة ليكمل المجموعة بعدها.
إلى عالم الطوابع
كان لصديق هنديّ في الفريق يدعى “جون” دورٌ آخر في تعزيز هواية شفيق طالب “فالهند كانت مستعمرة بريطانيّة، وكانت الطوابع البريطانيّة تتداول فيها تلقائيًّا منذ زمن بعيد، وكانت الطوابع الموشّحة بعبارة الهند البريطانيّة تستخدم قبل الأربعينيّات في عدد من دول الخليج وعليها صورة الملك جورج الخامس والملك جورج السادس، كنا نقلّب هذه الطوابع ونتعلّق بها أكثر فأكثر إلى أن صدر أوّل طابع كويتيّ سنة 1958، بعدما كانت طوابعها إنكليزيّة تصدر منذ سنة 1923 موشّحة بكلمة الكويت، ورحت منذ ذاك الحين أجمع طوابع الكويت”.
لم يكمل أبو ماهر عقده الموقّع مع الشركة البريطانيّة مدّة ثلاث سنوات، بل قدّم استقالته وذهب نحو التجارة الحرّة، بدأها من مبلغ التعويض الذي منحته إيّاه الشركة، وبمساعدة تاجر كويتيّ يدعى حسن إبراهيم. “هذا الأمر والاكتفاء المادّيّ من الشغل الحرّ أتاحا لي الحصول على ما أرغب من طوابع”، يقول ويردف: “جمعت طوابع 16 دولة عربيّة، منها لبنان وفلسطين والكويت وسوريّا والعراق واليمن، بل جمعت أيّ طابع كان يشدّني إليه، ثمّ عملت بنصيحة أطلقها آينشتاين ذات سنة عن هواية جمع الطوابع”.
نصيحة أينشتاين
“أصدرت دائرة بريد الولايات المتّحدة أوّل الطوابع البريديّة سنة 1847. وفي ذكرى مرور مئة عام على هذا الطابع أقيم احتفال بحضور العالم ألبرت آينشتاين (1879- 1955) وكان من هواة جمع الطوابع، فطُلب إليه إلقاء كلمة في المناسبة، فقال: لن أطيل عليكم، إذا اردتم جمع الطوابع وتبوّء مكانة في هذا الأمر عليكم ألّا تجمعوا شيئًا لكلّ شيء، بل اجمعو كلّ شيء لشيء واحد”. هكذا فعل شفيق طالب والتزم بنصيحة أينشتاين عندما حدّد مجموعات معيّنة وأخذ يجمع كلّ إرثها الطوابعيّ، فتكوّنت لديه مجموعات متكاملة.
لم ينقطع شفيق طالب عن لبنان في زيارات للأهل، ثمّ في إحداها تزوج من السيدة سميرة السايس وانتقلت للعيش معه في الكويت حيث أنجبا أبناءهما الستة هناك “وكنت اغتنم أيّ فراغ لممارسة هواية جمع الطوابع وترتيبها، إلى أن أقمت أوّل معرض لي هناك سنة 1976 وكان موضوعه إصدارات الكويت الطوابعيّة، وقد لاقى المعرض نجاحًا كبيرًا”. وفي سنة 1995 أقام معرضه الأوّل في لبنان مستخدمًا طوابع 25 دولة، قدّمها في خان الإفرنج في صيدا برعاية النائب بهيّة الحريريّ”.
في العام التالي عرض طالب “المجموعة الكويتيّة” في بيروت برعاية رئيس مجلس الوزراء (في حينه) رفيق الحريريّ والسفير الكويتيّ في لبنان، على هامش تنظيم الأسبوع الثقافيّ الكويتيّ في بيروت.
في سنة 1997 غادر الطوابعي اللبنانيّ الكويت نهائيًّا “وعدت إلى لبنان لاستقرّ مع عائلتي، وأتفرّغ لهوايتي في جمع الطوابع وإقامة المعارض”. وفي سنة 1999 عرض مجموعة نادرة من الطوابع الفرنسيّة واللبنانيّة بمناسبة مرور 300 سنة على العلاقات الفرنسيّة اللبنانيّة بالاشتراك مع المركز الثقافيّ الفرنسيّ في بيروت. وتلاه في سنة 2000 معرض للمجموعة اللبنانيّة الكاملة في مناسبة العيد الـ57 لاستقلال لبنان بالاشتراك مع معهد غوته (الألماني) في بيروت.
“لبنان في طوابعه”
صدر كتاب “لبنان في طوابعه، مجموعة شفيق طالب” عن دار النهار للنشر بطبعته الأولى سنة 2001، من الحجم الموسوعيّ (23×32 سنتيمترًا) ومن 280 صفحة من الورق السميك.
يقول طالب: “كانت ابنتي البكر هدى مع زوجها نادر سراج خير مشجّع وعون لي في تحقيق حلم طباعة هذا الكتاب وولادته، إذ شكّلا فريق عمل إلى جانبي وتعاونا معي ومع دار النهار للنشر إلى أقصى الحدود، وكان لهما الفضل الكبير في أن يبصر الكتاب النور”.
ويضيف: “كنت أجلس مع أصدقائي الهواة في بيروت، وجلّهم من متخرّجي الجامعة الأميركيّة التي انطلقت منها أوّل جمعيّة لهواة الطوابع في لبنان سنة 1941 (توقّفت لاحقًا مع بداية الحرب الأهلية في لبنان سنة 1975) وأردّد أمامهم أنّه يجب علينا أن نفعل شيئًا، لم يكن يدور ببالي بعد رحلة اغتراب طويلة خضت في خلالها غمار التجارة على اختلافها أن يأتي يوم وأضع كتابًا للطوابع، وأيّ طوابع؟ طوابع بلدي الحبيب لبنان”.
ويكمل: “أتى هذا الكتاب ليكلّل مسيرتي الطويلة في عالم الطوابع، منذ تشكّل وعيي بهذا العالم معرفةً وثقافةً وخبرةً واقتناءً، وقد قيّضَ لي هذا الشغف أن احتكّ بثقافات الأمم والتجوال من خلال الطابع في رحاب حضاراتها الغنيّة والتعرّف إلى مشاهيرها ونوابغها واهتماماتها وعوالمها المختلفة”.
ويتابع: “قبل أن أضع هذا الكتاب أقمت العديد من المعارض لمجموعاتي الطوابعيّة العائدة لدول عربيّة وأجنبيّة في أكثر من مناسبة وأكثر من دولة، لا سيّما هنا في لبنان، في بيروت وفي صيدا مسقط رأسي، إلى أن أودعت مجموعتي اللبنانيّة الكاملة حتّى العام 2001 (تاريخ صدور الكتاب)، في كتاب مميّز وأنيق لاقى رواجًا لا مثيل له، واعتُبر المرجع الأوّل لذاكرة الطابع اللبنانيّ وتاريخه، الذي هو ذاكرة وتاريخ لبنان”.
لقد مهّد الكتاب لأنّ يطلّ صاحبه على عديد من الدول “التي اعتبرته هي الأخرى مرجعيّة الطوابع اللبنانيّة، خصوصًا بعدما قدّمناه بلغات ثلاث: العربيّة والفرنسيّة والإنكليزيّة. وثمّنت هذا المؤلف هيئات دوليّة معنيّة بالطابع وفي طليعتها “مكتبة متحف البريد في باريس” واتّحاد البريد العالميّ”.
أراد شفيق طالب من خلال الكتاب الموثّق للطوابع اللبنانيّة أن يترجم محبّته للطوابع وشغفه بجمعها وأن يتوجّه به إلى الناشئة اللبنانيّة “كي يطلّوا من خلاله على تاريخ بلدهم الخصب مرحلة إثر مرحلة، موقنًا أنّهم متى تصفّحوا الكتاب سيتعرّفون لا محالة إلى فواصل تاريخهم وسيقرأون مراحله بشغف وترقّب” بحسب طالب.
من الكتاب إلى العالميّة
فتح الكتاب أمام شفيق طالب وبمساعدة كريمته هدى طالب سراج آفاقًا عالميّة، فنظّم في العام 2002 معرضًا بعنوان “مشاهير في طوابع الدول الفرنكوفونيّة” على هامش انعقاد القمّة الفرنكفونيّة التاسعة في بيروت برعاية رئيس مجلس الوزراء اللبنانيّ رفيق الحريري ورئيس وزراء كندا جان كريتين.
وبعد معرض “التربية والرموز الثقافية في العالم العربي” في مدينة صيدا لمناسبة العيد الـ125 لتأسيس جمعيّة المقاصد الخيريّة الإسلاميّة، عرض في سنة 2006 المجموعة اللبنانيّة الكاملة من موقع مستقلّ غير رسميّ في مركز البريد العالميّ في بيرن (سويسرا) برعاية رئيس الاتّحاد الدوليّ للبريد إدوار ديان. وحتّى اليوم تجاوزت معارض شفيق طالب العالميّة والمحلّيّة 20 معرضًا ساعدته ابنته هدى في تنظيم معظمها، وقد أضحت هي الأخرى عضوًا في النادي الدوليّ للطوابع في بيرن (سويسرا) وعضو الأكّاديميّة العالميّة للطوابع (باريس).
ناشر ثقافة الطابع
في اتّحاد البريد العالميّ صار شفيق طالب يعرف بناشر ثقافة الطابع “لكثرة ما تعمّقت به وأقمت من معارض، وأنا الوحيد الذي حصل على هذا اللقب، ومن خلال معرض سويسرا صرت معروفًا عالميًّا، وقد دعاني أمير موناكو ألبير الثاني (ألبير ألكسندر لوي بيار غريمالدي) إلى المعرض الدولي للطوابع سنة 2007 تقديرًا لي”.
لقد منح وفد برلماني من الاتّحاد البرلمانيّ الأوروبّيّ شفيق طالب في سنة 1995 ميداليّة الصداقة، ومُنح في العام 2006 عضويّة الأكّاديميّة الأوروبّيّة للطوابع Académie Européenne de Philatélie وانتخب نائبًا لرئيس الأكّاديميّة العالميّة للطوابع (AMP) سنة 2008 بوصفه عضوًا مؤسّسًا، وكذلك انتسب في العام 2010 إلى النادي الدوليّ للطوابع.
هدايا الطوابع
تلقّى أبو ماهر عديداً من هدايا الطوابع وهي برأيه “من أجمل الهدايا، وتغمرك سعادة لا توصف عندما يهديك صديق أو أيّ كان طابعًا بريديًّا، أو إن أهديته أنت”. وقد تلقّى طالب هديّة “كبيرة” من رئيس مجلس الوزراء اللبنانيّ السابق تمّام سلام فماذا عنها؟
يقول: “لقد دُعي دولة الرئيس الأستاذ تمّام سلام إلى مصر لحضور احتفال تدشين توسيع قناة السويس في 6 آب/ أغسطس 2015، وهناك جرى توزيع مغلف على الحاضرين من جميع الدول، يتضمّن مجموعة الطوابع المتعلّقة بقناة السويس منذ تأسيسها، وقد عاد الرئيس سلام ليلاً إلى بيروت، وفي صبيحة اليوم التالي أتاني اتّصال من مكتبه، يقول إنّ لك هدية من دولة الرئيس تفضل لاستلامها، ولأنّني كنت في صيدا طلبت إلى ابنتي هدى وزوجها نادر سراج استلام الهديّة بالنيابة، وكانت هدية رائعة ومميّزة لا أتوقّع الحصول عليها”.
وتلقّى شفيق طالب سنة 2018 هديّة قيّمة من “اتّحاد البريد العالميّ” وهي كناية عن قسيمة “كوبّون” للبريد الدولي Coupon-Reponses International، كانت قد أُعدّت للتداول في لبنان سنة 1926، تحت عنوان “دولة لبنان الكبير” Grand Liban (Piastres Syro-Libanaises)، بيد أنّ إعلان الجمهوريّة اللبنانيّة في 23 مايو/أيّار 1926، أطاح بهذا “الكوبون” ولم يسرِ في التداول، بل سُحب قبل تعميمه، و”يعتبر هذا الكوبون وثيقة تاريخيّة مهمّة جداً وقد خصّصت به دون غيري تقديرًا من رئيس اتّحاد البريد العالمي إدوار ديان ومسؤول العلاقات العامّة فرنسوار لوجيت”.
في سنة 2015 أصدرت هدى طالب سراج متعاونة مع مصرف لبنان كتاب “لبنان في طوابعه، حكاية وطن” مجموعة شفيق طالب، من 80 صفحة، احتفاءً بعيد الاستقلال في فترة الشغور الرئاسيّ ويتضمّن مجموعة من طوابع لبنان في عهود رئاسيّة وسياسيّة مختلفة.
بعض تاريخ لبنان
يطلّ شفيق طالب بكتابه “لبنان في طوابعه” قبل مرحلة صدور الطوابع اللبنانيّة بكثير، من المرحلة التي استخدم فيها الطابع في لبنان على الرسائل والمعاملات، منطلقًا من المرحلة العثمانيّة التي يعود تاريخ طوابعها إلى الفترة ما بين 1885 و1918، من خلال طوابع استخدمت في مكاتب: بيروت، صيدا، صور، جونية، الدامور، صوفر، شتورا، البقاع، دوما وحاصبيّا.
ثمّ الطوابع الفرنسيّة التي استخدمت في لبنان قبل الانتداب على لبنان، قبل العام 1914، إذ يبرز طابعًا فرنسيًا Levant ظهر عليه لأوّل مرّة اسم بيروت (Beyrouth) توشيحًا يعود تاريخه للعام 1905، وقد استخدمت هذه الطوابع في إبّان الدولة العثمانيّة بتوشيح T.E.O (Terretoires Ennemis Occupés) وسعّرت هذه الطوابع بالملّيم والقرش، بالعملة المصريّة التي كانت سائدة في لبنان ومنها تشتقّ كلمة (مصريّات).
في كتاب شفيق طالب يورد صاحبه أنّه بعد إعلان دولة لبنان الكبير بتاريخ 31 آب/ أغسطس 1920 تأخّر إصدار الطوابع اللبنانيّة حتّى العام 1924، إذ ظهر اسم لبنان الكبير منفردًا (توشيحًا) على أوّل إصدار للطوابع في المجموعة اللبنانيّة، وهي عبارة عن مجموعة فرنسيّة موشّحة باللغة الفرنسيّة (Grand Liban)، ثمّ وشّحت لاحقًا باللغتين العربيّة والفرنسيّة سنة 1924 وسنة 1925.
في سنة 1925 وبناءً على القرار 50 تاريخ 28 شباط/ فبراير استُقدم الفنّان الفرنسيّ M. J. de la Nézière من بلاده كي يرسم مجموعة لوحات مناظر لبنانيّة، انتشرت على 13 طابعًا لتسع مناطق لبنانيّة، أضيفت إليها الأرزة، وهي: بيروت، طرابلس، بيت الدين، بعلبك، المختارة، صور، زحلة، دير القمر، صيدا، ثمّ بعلبك وطرابلس وبيروت. وتبعتها طوابع تغريم كتب عليها كلمة “تحصيل” لـ: نهر الكلب، بعلبك، معبد باخوس، بيروت (الحرج)، صخرة الروشة وقلعة الشقيف.
ظلّت الطوابع على مراوحتها حتّى بدأت مرحلة الجمهوريّة اللبنانيّة سنة 1927، توشيحًا للطوابع السابقة في عهد الرئيس شارل دبّاس باللغة الفرنسيّة (République Libanaise) ثمّ لاحقًا بالعربيّة حتّى كانت سنة 1930 حيث صدرت طوابع الجمهوريّة اللبنانيّة بإبراز مناطق لبنانيّة عديدة.
“أبو الطوابع”
منذ خمس سنوات اهتمّ شفيق طالب بتوثيق وجمع ما صدر من طوابع للموسيقيّين في العالم، لتكون نواة كتاب يُمكن إصداره. واهتمّ بعدها بإعداد معرض في بيته يتناول الثقافة والأدب والفنون في العالم العربيّ من خلال الطوابع.
هو لا يكلّ، يُلقي العمر خلف ظهره، وتراه أوّل من يحضر في مناسبات العرض والمعارض التي يقوم بها الهواة ممّن أتوا من بعده، تتقدّمه “أبوّة” اهتمام ورعاية وابتسامة تكاد لا تنقطع، وهو العالم بحال جمع الطوابع وعرضها، وهو من أفنى عمره يركّب معرضاً ويفكّك آخر، من دون ملل أو كلل، وبالطبع يشرف بنفسه على هذه المهمّات الشاقّة والتي تحتاج إلى جهد جسديّ وفكريّ، من أوّلها حتّى آخرها.
حاول الرئيس إميل لحود منحه وسامًا جمهوريًّا سنة 2004 لكنه اعتذر “في ظلّ الخلافات التي كانت متأزّمة بين الرئيسين لحود ورفيق الحريري الذي يعني لي كثيرًا، رحمه الله”.
يتمنّى طالب في ختام اللقاء “حظًّا وافرًا لجميع الهواة في لبنان، مع أسفي الشديد أنّني في هذا العمر المتقدم بتّ أرى أنّ معظم الهواة في لبنان صاروا تجّارًا وتخلّوا عن أصول الهواية، أمّا الطابع في لبنان فصار أشبه بأوراق أغلفة حبّات الشوكولا، بعدما فقد كثيرًا من رونقه وانعدام الاختصاص لدى القيّمين على إصداره”.
أغلى طابع في العالم
في تشرين الأول/ أكتوبر 2021 أعلنت صالة “سوذبيز” للمزادات أنّها ستعرض نموذجًا لأوّل طابع بريديّ في العالم “بيني بلاك” بسعر تقديريّ يصل إلى 8.25 مليون دولار.
“بيني بلاك” هو أوّل طابع بريديّ في العالم يستخدم في نظام البريد العام. تمّ إصداره لأوّل مرّة في بريطانيا العظمى في أوّل مايو 1840، ولكنّه لم يكن صالحًا للاستخدام قبل 6 مايو. حمل بيني بلاك صورة الملكة فيكتوريا، واختير له أن يحمل اسم “بيني بلاك”، والبيني هو أصغر وحدة نقديّة في بريطانيا (بنس)، للدلالة على كلفته، أمّا “بلاك” فيشير لخلفيّة الطابع التي اختير أن يكون لونها أسود.