بأقلامهم >بأقلامهم
التهويد في ظلّ الحرب
جنوبيات
على الرغم من أنّ إسرائيل أقرّت قانوناً باعتبار اليهودية دين الدولة، فإنّ فيها (أو لا تزال فيها) مجموعات كبيرة من غير اليهود يُفرض عليها أداء الخدمة العسكرية. من هذه المجموعات “العرب الدروز” مثلاً الذين يُقدّر عددهم بحوالي 150 ألفاً. وكان قُتل في حرب غزة أكثر من عشرة من كبار ضبّاط الجيش الإسرائيلي من الدروز. ومن هذه المجموعات أيضاً “البدو”. وهم يعملون بصورة خاصة في الزراعة في المناطق المحتلّة المتاخمة لقطاع غزّة. وفي عملية السابع من أكتوبر (تشرين الأول) التي قامت بها حركة حماس، قُتل منهم أثناء تلك العملية 21 شخصاً. وقُتل آخرون داخل غزة أيضاً.
البدو الأسرى
بين الأسرى الذين تحتفظ بهم حركة حماس حتى اليوم ستّة من البدو (بلغ عدد الأسرى لدى حماس 240 أسيراً) .
تفرض إسرائيل على غير اليهود أداء الخدمة العسكرية، لكنّها تعتبرهم وتعاملهم كمواطنين من الدرجة الثانية. فالسلطات الإسرائيلية تشكّ دائماً في ولائهم، ولذلك تفرض سقفاً منخفضاً للحقوق التي يُسمح لهم بممارستها. وقد وجّهت السلطات العسكرية الإسرائيلية الاتّهامات إلى العشائر البدوية بإيواء وحماية عناصر حماس أثناء عملية السابع من أكتوبر الماضي. ولا يزال عدد منهم في المعتقل على الرغم من أنّه لم تثبت على أيّ منهم “شرف” هذه التهمة. ولأنّ إسرائيل بحكم دستورها المعدّل هي دولة دينية يهودية، فإنّ كلّ من هو غير يهودي لا يمكن أن يتمتّع بحقوق المواطنة الكاملة. بل لا يحقّ له أن يكون موضع ثقة. فهو متّهم دائماً حتى إذا ثبت العكس يكون قد تحوّل إلى جثّة هامدة. كما حدث للعديد من البدو والدروز، قبل حرب غزة وخلالها.
توجد قرية صغيرة داخل إسرائيل قريبة من الحدود إلى الشرق من غزة تُدعى “راحات”، معظم سكّان هذه القرية هم من البدو ولهم أقرباء يعيشون في قرى داخل قطاع غزة مع بقيّة أهلهم الفلسطينيين. ولذلك هم موضع شكّ دائم في ولائهم لإسرائيل وأمانتهم في أيّ عمل يُعهد به إليهم، وخاصة “إعداد المساعدات الغذائية”. مع ذلك يُعدّ فيها متطوّعون بإشراف أمنيّ شديد وجبات الطعام الخاصة بأفراد الجيش الإسرائيلي الذين يقاتلون في غزة.
غياب الثقة الإسرائيلية
لا تثق السلطات العسكرية بأمانة هؤلاء المتطوّعين البدو، وتخشى أن يدسّوا السمّ في الطعام، ولذلك تفرض عليهم مراقبة شديدة وتخضعهم لتفتيش دقيق قبل بدء العمل وأثناءه. ويُخصّص قسم من هذه الوجبات الغذائية التي يرد معظمها تبرّعات من خارج إسرائيل لمساعدة العائلات اليهودية التي تعيش في قرى ومستوطنات قريبة من غزة. ويعتقد أنّ بعض هذه المساعدات الغذائية كان مخصّصاً لأهالي غزة المنكوبين، لكن جرت مصادرتها إلى الداخل الإسرائيلي وتحويلها إلى “كوشر”!!
ارتفعت حدّة اللاتعايش بين الدروز والبدو من جهة، والمستوطنين اليهود من جهة ثانية، بعدما تشكّلت الحكومة الحالية برئاسة نتنياهو التي ضمّت وزراء من المتطرّفين اليهود أمثال وزير الأمن القومي. فقد جرى تسليح وتدريب المستوطنين، كما قُدّمت الأسلحة لهم لإرهاب الدروز والبدو والبقيّة الباقية من عرب فلسطين مسلمين ومسيحيين، ويكاد لا يمرّ يوم في بلدات وقرى الضفة الغربية المحتلّة دون اقتحام قرية عربية أو قتل عدد من أهلها، أو تدمير منزل عربي بحجّة الانتقام أو الترهيب.
عندما قامت إيران بعمليّتها العسكرية فقصفت إسرائيل بالصواريخ والطائرات المسيّرة، سجّلت العملية إصابة واحدة كانت ضحيّتها فتاة عمرها سبع سنوات. والفتاة هي من بدو النجف. وكانت القذيفة الإيرانية قد اخترقت سقف منزلها العائلي في قرية نيفانيم التي تبعد 30 كيلومتراً عن مفاعل ديمونا النووي الإسرائيلي وأصابتها إصابة بليغة. واستناداً إلى المراجع الأميركية فإنّ إسرائيل تلقّت توضيحاً عبر واشنطن بأنّ المفاعل النووي لم يكن مستهدفاً. ويُعتقد أنّ بيت هذه الطفلة البدوية لم يكن مستهدفاً أيضاً. ولكنّه القضاء والقدر!!
قانونان كرّس إقرارهما سياسة التمييز العنصري في إسرائيل. يقول القانون الأوّل إنّ حقّ تقرير المصير في إسرائيل هو حقّ حصري لليهود وحدهم دون غيرهم. ويمنع القانون الثاني على غير اليهود إقامة بناء جديد أو ترميم بناء قديم من دون إذن مسبق من السلطات البلدية. وبما أنّ الفلسطيني (مسلماً كان أو مسيحياً) ممنوع من البناء أو حتى من الترميم، فإنّ معنى ذلك دفعه إلى الهجرة أو الموت اختناقاً مع تضخّم أفراد عائلته. ويعاني دروز الجولان من القانونين. كما يعاني منهما أهل الضفة الغربية، وخاصة القدس الشرقية.
إنّ إعلان إسرائيل دولة دينية يهودية ليس مجرّد إعلان دستوري. إنّه برنامج تهجيري قسري لغير اليهود أو تحويلهم إلى مأجورين لا مواطنين.