بأقلامهم >بأقلامهم
محمد علي الخطيب... السنة الأولى على الغياب
جنوبيات
هذه السنة الأولى على غيابك يا "أبا باسل"، وما أصعب الغياب! أن نكتب عنك في غيابك لهو أمر صعب، وأراهن على أنّ كل مَن يريد أن يكتب، سيشعر بهذه الصعوبة، لأنه سيحتار عمّن سيكتب عن الشاعر أو الرسام أو الأديب أو المسرحي أو الناقد، أو عن شخصيتك في نزاهتها وعمقها ولطفها ومحبّتها وثقافتها، أم عن موضوعيتك ونظرتك الجديّة والثاقبة واستشرافك مستقبل الأمة بشفافية ومحبة؟ هناك خيط حريريّ يصل شخصيتك بفكرك المبدع هو الروح الفنيّة التي تطبع شخصيتك فترسم طريقة أداء الأفكار في أعمالك الفنيّة كافة.
يقولون: "إن لكل شخصية أسلوبها، فأنت بأسلوبك برهنتَ أنّك رجل فنّان موسوعيّ صاحب رسالة، واثق من أفكاره وطروحاته وخياله، ومن مواقفه إلى حدّ الإيمان بأن الفن رسالة وقضية يستطيع أن يغير بالفكر وبالسلوك، وبطريقة حياة الإنسان"...
لقد كنت فنانًا بكل ما للكلمة من معنى، كما كنتَ مفكراً وباحثاً عن الحقيقة، ومناضلاً ضد الظلم والاستبداد، كنت تحلم بوطن يحمي مواطنيه ويحافظ على كرامتهم، كما كنت تحلم بأمة عربية موحدة تسودها الديمقراطية والعدالة الاجتماعية، ضمن علاقات عمل متقدمة تضمن نمو وتطور وازدهار المرافق الحياتية والمعيشية كلّها...
كنت تمثّل منطقاً مختلفاً وخاصاً وجميلاً، ونموذجاً للفنان المتميز والمميز، بأفكارك الجميلة وروحك الدافئة، وبسهولة فهمك وتعاملك مع الناس، في كل مرة كنت ألتقيك أكتشف بأن ثمة شيئاً جديداً لديك، إن فهمي لك مبني على معرفتي بك، التي تعود إلى أواخر الثمانينات من القرن الماضي، عندما كنتُ طالباً في المرحلة الثانوية، ودعتني زوجتك، المربيّة الفاضلة السيدة ذكاء الحر للمشاركة معها في عمل مسرحي، وكان لقائي الأول معك في منزلك، لقد كنت إنساناً متواضعاً ومحباً، ولا تزال تلك اللوحة الكبيرة المعلّقة على الجدار تتوهّج في ذهني وذاكرتي، وهي عبارة عن حكاية شعب مظلوم ومستعبد، بالإضافة إلى العديد من اللوحات التي تحاكي قضايانا المعاصرة، عدا عن اللوحات الزيتية والبورتريهات الجميلة، الممزوجة بألوان روحك.
وفيما بعد حدثت لقاءات كثيرة وعملتُ ضمن عملين مسرحيين لك، حتى أصبحتُ جزءاً من عائلتك الكريمة التي أحببت.
وتوالت السنون، وأخذتني الحياة في خضمها، ولم نعد نلتقي دورياً كما كنا، إلّا أنه عندما كنا نلتقي، نتحدث ونتسامر وكأننا كنا بالأمس معاً.
"أبا باسل"، لقد صفعتك الحياة صفعة كبيرة، برحيل بكرك الحبيب باسل، إلا أن قلبك ظلّ ينبض متسربلاً بصمته الرمادي، متدفقاً بخجل، وملبداً، مثل الضباب الممتد في كل اتجاه، ليبعث الكآبة في كل كائن يلمسه.
وهكذا يتجلى المستتر حاضراً على صفحة الوجود بما يفيض من كآبة معنوية تنعكس بدورها على صفحة واقعك الذي كان حاضراً محقّقاً وجوده فوق خريطة ألم الإبداع.
لقد استطعت إبداع بنية تشكيلية تستند إلى ذهنية متأملة، مستلهماً الواقع والأسطورة بقالب يحاذي الواقعية والسريالية معاً، رسمتَ في كل القضايا، وغصت بريشتك في شتى المواضيع، ولوّنت بألوانك مواقف وحالات تتمخض عنها رؤى فلسفية مشبعة بتأملات عميقة، وذوبان في المطلق، من دون أن يغيب عنها قضايا عربية، وفي طليعتها القضية الفلسطينية.
رحمك الله أستاذي محمد علي الخطيب، كم كنت مخلصاً في حياتك لفنك، وخاصة في بحثك عن الحقيقة، فقد عشت فناناً مفكراً طليعياً، ومتّ ناسكاً زاهداً، فتستحق ذكراك الخلود والرحمة والسلام.