يُحكى في خبايا الزمن وخفاياه أنّ طفلًا لم يتجاوز من العمر الثّماني سنوات، توفّيت والدته وهو في أشدّ الحاجة لعطفها وحنانها وحسن تربيتها. فتزوّج أبوه من امرأة ثانية كي تقوم برعاية طفله وتربيته وتعويضه عن الفراغ المقيت، وجذوة الفقد من غياب أمّه.
ومع مرور الوقت، وتداول الأيّام، لاحظ الأب أنّ ولده يعاني الانطواء وشيئًا من الوحدة فسأله قائلًا:
ما الفرق يا ولدي بين أمّك القديمة وأمّك الجديدة؟!
فردّ عليه الصغير بكلّ براءة:
 "لقد كانت أمّي الحقيقيّة تكذب عليّ، أمّا أمّي الجديدة فهي صادقة ولا تكذب"!
تعجّب الأب من كلام ابنه ورمقه بنظراتِ الدهشةِ والاستغراب وسأله: كيف هذا؟!
فأجاب الصّغير (وعيناه تدمعان ببريق الحزن الملتهب):
"عندما كنت ألعب وأُغضب أمّي كانت تقول لي:
إذا لم تنتهِ من عدم الاستجاب لطلباتي، وتصرّفك الطائش هذا، فلن أُطعمك!
ولكنّي لم أكن أكترث لكلامها لأنّني كنت أعرف تمامًا أنّها ستخرج وهي مضطربة بحثًا عنّي في أزقّة القرية لتعيدني إلى البيت وتطعمني!
أمّا اليوم فعندما ألعب تقول لي أمّي الجديدة:
إذا لم تنتهِ من اللعب فلن أطعمك!
وها أنا جائع منذ يومين ومعدتي لم تذق طعم الطّعام حتّى السّاعة"!
فبكى الأب بحرقة شديدة، وصبّ جام غضبه على زوجته الجديدة (ورمى عليها يمين الطّلاق)، ونادى بأعلى صوته قائلًا:
"لا أحد يعوّض حنان الأم الحقيقيّة". وأنشد بيت الشّعر المعروف للشّاعر حافظ إبراهيم:
"الأمّ مدرسة إذا أعددتها..
أعددت شعبًا طيّب الأعراق".