بأقلامهم >بأقلامهم
بالنظام - "ما بعد الخيبة"
بالنظام - "ما بعد الخيبة" ‎الخميس 20 06 2024 13:10 زياد شبيب
بالنظام - "ما بعد الخيبة"

جنوبيات

"ليس الهدف من الوصف الواقعي الغرق في حالة الخيبة واللامبالاة بل تذكير الشريحة الواعية بقدرتها على بث الروح الجديدة في المجتمع وحمل أكثرية المتلقين الواقعين في اللامبالاة على الخروج من هذه الحالة والانتقال إلى الأمل والحياة."

في زمن كثُر فيه المنتمون إلى مذهب اللامبالاة في جميع الشؤون العامة في السياسة ومصير الأوطان وحتى تلك المرتبطة بالبعد الروحي، يزداد دور الأقلية الواعية التي تحمل هموم الجميع أهميةً، ويشعر هؤلاء المنتمون إلى تلك الأقلية بثقل المسؤولية التاريخية ذات الطابع المصيري الملقاة على أكتافهم. وهذه المسؤولية ليست خارجية بطبيعتها بل هي ذاتية المصدر تنبع من دواخلهم.

الفردية التي ازدهرت في الغرب وانتقلت إلى هنا بفعل عولمة المفاهيم والسلوك والعادات كان لها الدور الأكبر في جنوح كثيرين نحو تلك اللامبالاة، لكن المصدر أو المسبّب المباشر عادة ما يكون الخيبات التي تعيشها الشعوب وهذه حال الكثير من اللبنانيين الذين وقعوا في هذه الحالة بعد مرورهم بتجارب ومراحل كانت مفعمة بالأمل وانتهت إلى الخيبة. ومن هذه الخيبات ما تراكم في السنوات الماضية. فقد شهدت هذه المرحلة انهياراً مالياً غير مشهود على مستوى العالم وسطواً مستمراً على الأرزاق وعلى إمكانية استعادتها أو السعي إلى غيرها، وترافقت مع خيبة لا تقل عنها خطورة على صعيد الأمل بتغيير حقيقي جذري في الشأن العام، جاء ذلك بعد انطفاء المحاولة التي حصلت في خريف العام 2019 والانتخابات النيابية التي حصلت بعدها، والتي لم تكن الخيبة منها نابعة من نتائج تلك الانتخابات وحسب بل من الأداء العام المسجّل لجميع من فازوا بها وفي طليعتهم العديد ممن أتوا من أصوات الناخبين الراغبين بالتغيير.

النقد هو البداية التي تتطلبها طبيعة الأمور، وقد بدأت طلائعه تظهر في الأبحاث والكتابات التي أخذت بالصدور والانتشار. منها مثلاً ما أصدرته دار النهار للنشر، للكاتب محمد علي مقلّد في نقد الحرب الأهلية وما تلاها حتى يومنا، وأهم ما فيه أنه وضع المنطلق المنطقي للخروج من مرحلة ما نزال نعيش فيها رغم انتهاء الحرب الساخنة، إلى مرحلة أخرى من السلم الحقيقي تأخرت كثيراً، وأنه فتح باب النقاش في جميع الاتجاهات بما يسمح بالتشخيص الصحيح ووصف العلاج. كما يأتي في هذا السياق كتاب محمد بركات عن أسباب انطفاء "ثورة 17 تشرين" ودور التلفزيونات والمصارف، ليضع مادة علمية أكاديمية المنهج بين أيدي العامة والمختصين تشرع مرحلة الصعود وما تلاها من تراجع وانكفاء بالأرقام وتحليل المواد الإخبارية ومصادر التمويل. والمجال مفتوح لدراسات جارية حول أحوال البلد وسبل حمايته وآفاقه المالية والمصرفية ، يمكن من خلالها التأسيس لفهم الحقائق ووعي المسؤوليات والسماح بالانطلاق إلى مرحلة صياغة الطروحات المستقبلية السليمة.

اللافت أيضاً ما يدور في مجال إبداعيٍ آخر هو المسرح حيث يشهد لبنان عودة لهذا القطاع بعد انكفاء أو غياب خطير شهدته السنوات الماضية. والمسرح هو مؤشر هام على الحيوية الفكرية للمجتمع والنخب فيه.

ليس الهدف من الوصف الواقعي المزيد من الغرق في حالة الخيبة واللامبالاة بل العكس. المطلوب تذكير الشريحة الواعية وهي القادرة دائماً على التفكير من خارج صندوق الخيبة والعصية على اليأس، بأن عليها دائماً واليوم أكثر مما مضى، أن تتحوّل من شريحة إلى جماعة أو جماعات أي أن تنتظم في أطر فكرية وسياسية جديدة شرط ألّا تطيل البقاء في حيّز النقد بل أن تنتقل إلى حيّز التشخيص ووضع العلاجات القائمة على أفكار جديدة أصيلة مبتكرة. هذه قد تُجمِعُ على التشخيص وعلى وصف العلاج أو قد تتنوّع، وهذا لا يقلّل من قدرتها على بث الروح الجديدة في المجتمح وفي حمل أكثرية المتلقين الواقعين في اللامبالاة على الخروج من هذه الحالة والانتقال إلى الأمل والحياة.

المصدر : النهار