إنّها عرين العلماء وبلدة الشهداء، إنها رفيقة فلسطين العروس الجريحة، بل إنّها بلسم التوّاقين إلى تنفّس هواء الأبطال والأحرار... وإنها وإنها وباختصار هي ميس الجبل القرية اللبنانية المشرفة على الحبيبة فلسطين، وتحتضن منارة العهد الفلسطيني على أعلى تلالها فلا يفصل بينهما سوى شريط لعين شائك..

أصلها منسوب إلى شجر الميس المغروس على جنبات منازلها العتيقة، ومَنْ يزور ميس تأسره أهم معالم صدرها المفتوح لضيف والزوّار، بركة المياه الواسعة في وسط ساحة البلدة حاضنة مياه الأمطار لري المحاصيل.

كما تضم ميس أقدم المحال الصناعية والحرفية في جنوب لبنان حتى أصبحت هذه القرية الوادعة أشبه بمدينة مصغّرة في قضاء مرجعيون، ولكن للأسف خلت اليوم من أنفاس أهلها وتدنس طهر أرضها بفعل العدوان الصهيوني.

صُوَرٌ من صيف العام 2023 في القرية التي كانت تضج بالحياة وتزدحم بأهلها وزوارها، ففي مثل هذه الأيام ييمم سكان بيروت الجنوبيون وجوههم شطر الجنوب، ويجملون أمتعتهم الصيفية لزيارة مسقط رؤوسهم وتنشق عبيرها الممزوج بروائح الطهر والقداسة.

اليوم وللأسف أصبحت "ميس الجبل" قرية منكوبة استناداً إلى إعلان رئيس بلديتها عبد المنعم شقير، بعد ما لحق بها من أضرار عمرانية، اقتصادية وزراعية، بسبب العدوان الإسرائيلي الغاشم الذي تلى عملية "طوفان الأقصى" يوم 7 أكتوبر 2023.

نزح سكانها إلى بيروت أو إلى قرى بعيدة عن الحدود، والخسائر التي طالت البلدة ليس بالإمكان تقديرها بشكل دقيق، لكنها كنظرة أولى كبيرة جداً جداً، وفي كل يوم تزداد في الأملاك العامة والخاصة إضافة إلى موت المحاصيل الزراعية.

لم تكن ميس يوماً لأهلها فقط، بل كانت ولا تزال مشرّعة أبوابها لكل سائل عن طيف فلسطين، أو قاصد لمحالها التجارية، التي أصبحت أغلبيتها اليوم كومة من الركام، وحتى مراكز الإسعاف ودور العبادة لم تسلم من العدوان الغاشم.

على أحر من الجمر، وبشوق العطاشى للمياه، يترقب أهالي "ميس الجبل" العودة إلى ربوعها، وإعادة إعمار منازلهم التي هدمها العدوان الصهيوني، وعودة الحياة إلى أحيائها، بعد النصر المرتقب بإذن الله، وزوال غيمة الصيف التي تمر جنوب لبنان مآزرة ومساندة للجارة فلسطين..