بأقلامهم >بأقلامهم
ماذا عن لبنان وغزة وأوكرانيا إذا حكم "التجمع الوطني" فرنسا؟
ماذا عن لبنان وغزة وأوكرانيا إذا حكم "التجمع الوطني" فرنسا؟ ‎الثلاثاء 2 07 2024 10:04 فارس خشان
ماذا عن لبنان وغزة وأوكرانيا إذا حكم "التجمع الوطني" فرنسا؟

فارس خشان

إذا تمكن حزب "التجمع الوطني" من الحصول على الأغلبية المطلقة أو حتى على أكثرية نسبية مريحة في الجمعية العمومية الفرنسية، فإنّه سوف يشكل الحكومة الجديدة ويُجبر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون على "تعايش" صعب للغاية، ليس مع خصومه السياسيّين فحسب، بل مع خصومه العقائديين أيضاً.

وحتى قبل أن تفتح صناديق الاقتراع في الدورة الأولى التي أجريت يوم الأحد الماضي، بكّر حزب "التجمع الوطني" بزعامة مارين لوبن ورئاسة جوردان بارديلا، في إثارة موضوع دقيق للغاية: صلاحيات رئيس الجمهورية.

يرفض "التجمع الوطني" مقولة أنّ ملفي الدفاع والخارجية هما اختصاصان محفوظان لرئيس الجمهورية، ويجادل بأنّ الرئيس يمثل القرار الفرنسي الذي يتخذه مجلس الوزراء، في كل الملفات من دون استثناء، ولا تقف ضده الأكثرية المطلقة في البرلمان.

و"التبكير" في إثارة هذا الموضوع الخلافي ليس عبثيّاً، فهناك قرار ضمني لدى حزب "التجمع الوطني" بإدخال تعديلات جذرية على سياسة فرنسا "الدفاعية"، وخصوصاً في ملف أوكرانيا، و"الدبلوماسية"، لا سيّما في ملف الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني.

لبنان من لودريان الى اليونيفيل

في حال شكل حزب "التجمع الوطني" الحكومة، فإنّ السياسة الفرنسية تجاه لبنان، سوف تشهد تغييرات مهمة.

جان ايف لودريان، ومن دون دعم من البرلمان والحكومة ووزارة الخارجية، سيكون "بطة عرجاء"، بعدما أثبت في الأشهر التي أعقبت تكليفه مهمة الموفد الشخصي للرئيس الفرنسي، أنّه "أسد بلا أنياب".

عمليّاً، سوف تنتهي مهمة لودريان الآتي الى "الماكرونية" من الحزب الاشتراكي، إذ سبق أن عينه الرئيس فرانسوا هولاند وزيراً للدفاع. وفي الحكومة تعرف عن كثب الى ماكرون الذي أعجب بقدرته  التفاوضية، بعدما نجح في عقد صفقات أسلحة مهمة، ورفع مستوى التصدير الفرنسي الى مستويات غير مسبوقة.

بطبيعة الحال، لن يقتصر الأمر على الملفين الرئاسي والحكومي، بل سينسحب، وهنا الأهم، على نظرة فرنسا الى علاقة لبنان بإسرائيل المأزومة.

لن تبقى الخطة الفرنسية التي صاغتها وزارة الخارجية الفرنسية مع قصر الإليزيه، لاحتواء الجبهة اللبنانية - الإسرائيلية، على ما هي عليه.

حزب "التجمع الوطني" الذي سيستغل وجوده في الحكومة لتعزيز المصالحة مع اللوبيات اليهودية في فرنسا - وهي بالكاد بدأت - سوف يثبت أنّه في الخلاف بين إسرائيل وأي دولة في "جبهة المقاومة"، سوف يكون الى جانب إسرائيل.

الترجمة الأولى لهذا "الانحراف" سوف تكون في مجلس الأمن الدولي الذي سينكب على صوغ قرار تمديد ولاية "اليونيفيل" لسنة جديدة.

فرنسا، طوال السنوات السابقة، تأخذ، في خصوص مهام اليونيفيل، بوجهة نظر "حزب الله"، على حساب وجهة النظر الإسرائيلية، انطلاقاً من أن الوحدة الفرنسية في قوات الطوارئ الدولية، تعمل ضمن بيئة يسيطر عليها الحزب.

المسار الذي يمكن أن تسلكه فرنسا مع وصول حزب "التجمع الوطني" الى الحكومة سوف يكون مختلفاً، وإذا ما أخذنا في الاعتبار "الأسلوب الرفضي" الذي تعتمده مارين لوبن ورئيس الحكومة المقترح جوردان بارديلا، فيمكن أن يصل الأمر الى مستوى سحب الوحدة الفرنسية من اليونيفيل.

الأسباب الموجبة لهذا السحب متوافرة، ومنها على سبيل المثال لا الحصر: عدم الحاجة الى اليونيفيل اذا كانت من أجل أن يقوم "حزب الله" بما يراه مناسباً، وحاجة فرنسا الى الأموال التي تنفقها في جنوب لبنان لتوفير كلفة المشروع "الكريم" الذي يعد به "التجمع الوطني"، وعدم الموافقة على أي توجه يتناقض ومصلحة إسرائيل الاستراتيجية.

وقد يؤدي ذلك، آجلاً أو عاجلاً، إلى إسقاط الفيتو الفرنسي في الاتحاد الأوروبي، بحيث لا تعود باريس جزءاً من المعوقات التي تحول دون إدراج "حزب الله"، بجناحيه السياسي والعسكري، في قائمة الإرهاب الأوروبية.

غزة والدولة الفلسطينية

وما يصح على لبنان ينسحب على غزة والدولة الفلسطينية. "التجمع الوطني" يريد، في حال وصوله  الى الحكومة، تحويل الأموال المخصصة للمساعدات الإنسانية لغزة، الى تلبية حاجات الداخل الفرنسي. وهو، عملاً بموقفه المعادي للإسلام السياسي لن يوافق على "مكافأة الإرهاب" والاعتراف بالدولة الفلسطينية، وفق ما أعلن، مراراً وتكراراً، جوردان بارديلا.

وهكذا سوف تكسب إسرائيل الى جانبها دولة أساسية لها وزنها في مجلس الأمن والاتحاد الأوروبي.

أوكرانيا

يتخذ حزب "التجمع الوطني" موقفاً ملائماً لروسيا من الحرب الروسية على أوكرانيا. لن تخرج باريس من الائتلاف الداعم لأوكرانيا، ولكنها سوف تعود كثيراً الى الوراء. سوف تسحب نهائيّاً فكرة إرسال قوات عسكرية الى أوكرانيا، وقد تعمد أيضاً الى وقف إرسال مدربين فرنسيين الى الأراضي الأوكرانية.

لم يوافق حزب "التجمع الوطني" على أكثرية القرارات التي اتخذتها حكومات ماكرون بخصوص أوكرانيا، وكان الحزب، يتحجج كل مرة، بشيء ما للوقوف ضد الدعم الكبير المقدم لأوكرانيا ورئيسها.


أين ماكرون من كل ذلك؟

لن يغيّر ماكرون مواقفه، بل سيصر عليها أكثر من ذي قبل، وسوف يترك الحكومة، في حال وصول اليمين المتطرف إليها، تأخذ راحتها في فترة السماح التي تستمر مئة يوم، قبل أن يبدأ بتوجيه ضربات لها أمام الرأي العام، ليس بهدف تغيير الموقف الحكومي، بل لتكوين ملف كبير ضد "التجمع الوطني" حين يأتي استحقاق الانتخابات الرئاسية أو أي استحقاق انتخابي آخر، كتبكير الانتخابات النيابية، مرة جديدة، بعد انقضاء سنة على الانتخابات التي تنتهي في السابع من تموز (يوليو) المقبل.

المصدر : النهار العربي