عام >عام
«البرنامج» للبريطاني ستيفن فريرز.. شيطنات الرياضي
«البرنامج» للبريطاني ستيفن فريرز.. شيطنات الرياضي ‎السبت 6 02 2016 13:28
«البرنامج» للبريطاني ستيفن فريرز.. شيطنات الرياضي


هناك أفلام تكمن فتنتها في ممثلها الأول. تستند إلى ملاحته. تحتفي بموهبته. تعظّم صنعة أداءاته ودِرَايته بتحوّلاتها وبناءاتها. مخرج «علاقات خطرة» (1988) و «فيلامينا» (2013)، البريطاني ستيفن فريرز، أحد كبار «صائدي» المواهب. اكتشف نبوغ دانيال داي لويس، وقدّمه في «غسالتي الجميلة» (1985)، ومواطنه غاري أولدمان في «نظّفوا آذانكم» (1987)، ولاحقاً الأميركي جاك كوزاك في «المحتالون» (1991). هذا كلّه قبل أن يقود هيلين ميرن إلى الفوز بـ «أوسكار» أفضل ممثلة عن براعتها في «الملكة» (2006). جديده «البرنامج» لم يشذّ عن جداراته هذه. يختار ممثلاً لمّاحاً ومتقشِّفاً، ذا حضور طاغٍ: بن فوستر. معروفٌ هوليوودياً في أدوار ثانوية: «30 يوماً من الليل» (2007) لديفيد سلايد، و»الناجي الوحيد» (2013) لبيتر بورغ. هنا، يُجسِّد طلّة شاب أميركي يتصنّع البراءة، لكنه يحمل بين جنباته شرّاً لا نظير في مكره ونفاقه ومداهناته.

سفالة
يعلم الجميع، اليوم، أن الدرّاج الأميركي المشهور لانس أرمسترونغ ـ الفائز 7 مرّات متتالية في دورة فرنسا للدرّاجات، المعروفة بـ «تور دو فرانس» ـ رجلٌ واسع الحيلة ونصّاب. لم يتوان عن تعاطي المخدّرات ليسحق الجميع. يحقّق هوساً يُلازمه منذ بداياته الرياضية في نيل مجد لن يخبو، أو تطاله الشكوك. في العرف الدرامي وتسلسله، لن يضيف ستيفن فريرز الكثير من حقائق المنازلات. لكنّه يجيب ـ عبر مشهديات متداخلة زمنياً، وكثرة شخصيات تتنوّع استعداداتها وولاءاتها ونواياها، بالإضافة إلى وقائع موثّقة، بما فيها من حوارات وتعليقات ومشادات كلامية واعترافات وغيرها ـ على أسئلة حاسمة، منها: لماذا ارتكب أرمسترونغ جرائمه؟ لماذا ورّط آخرين من فريقه بمكائده؟ هل كان واعياً حقاً لـ «سفالته» الذاتية، عند استخدام إصابته بالسرطان ونجاته منه ستاراً «عاطفياً»، يجعل مناصريه في حيرة من أمرهم، حين يتابعونه معترفاً بـ «خطايا» الأمصال والمحفّزات وعمليات التحايل الطبية، أمام الإعلامية المشهورة أوبرا وينفري في العام 2013؟
ما يستَقْصي عنه ستيفن فريرز، في نصّه المحكم الصنعة والممتع بإيقاعه الديناميكي، كامنٌ في تفاصيل دقيقة، يُعَاد تمثيلها بأكبر قدر من المقاربة التاريخية وصوابيتها، لحساب برنامج خفيّ، يُمارسه لانس أرمسترونغ بتواطؤات مع أشخاص نافذين، أهمهم طبيب إيطالي متخصّص بالرياضات يُدعى ميكيله فيراري (غيّوم كاني)، الذي «يُهندس» نظاماً دوائياً صارماً، يُعزّز قدراتٍ تحمل الدرّاج النصّاب على قطع مراحل جبلية عصيّة، في منافسات حامية بين 180 متسابقاً عالمياً، يتوجّب عليهم اجتياز 20 مرحلة، تغطّي مسافة 3500 كلم. تجد تلك القدرات صدّياتها في كلمات ساخرة، يبدأ بها فريرز اعترافات بطله، وهو يقود درّاجته عند قمم فرنسية: أن تكون ضمن الفريق، وتتنافس مع الأفضل عالمياً. أن تشارك جسدياً، على الرغم من أنّك لست الأمهر بين الجميع. إنها شَهْوَةٌ. إنه جوعٌ. يُفشي عن أنانيّته، بقوله: «أمّي لم تُنشئني متخاذلاً. أنا لن أُهزم. إنه القلب يا رجل، وليس البدن. إنها ليست الأرجل أو الرئات. إنه القلب. إنها الروح و.. الجرأة».
إذاً، كيف لكائن يستحوذ على ضميره عزمٌ كهذا، أن يكون نزيهاً؟

رغبة الفوز
ما يُقدّمه الممثل بن فوستر تجسيدٌ لحماقات شخص لم يخشَ يوماً كشف زُوره. ما يفعله لاحقاّ، كما يوثّقه الأميركي ألكس غيبني في «كذبة أرمسترونغ» (2013)، تفلسفه الفارغ عن «الحقيقة التي لن نعرفها». نرى فوستر مؤدّياً 3 شخصيات، من دون تعاقب كرونولوجيّ، يؤلّفه الأسكتلندي جون هودج، كاتب «ترانسبوتنغ» (1996) لداني بويل. وجه أميركي متوقّد في الـ 21 من عمره، يقول لمراسل الصحيفة البريطانية «صاندي تايمز»، الذي يكشف لاحقاً ألاعيبه في تحقيق صحافي ذائع الصيت: «كلّ ما أريده هو الفوز. أن أشارك مرّة أو مرتين». شاب صادق يسعى إلى اختراق امبراطورية رياضية. يُقدّمه الممثل روحاً طالبية بخيلاء، تجهل أن طويّتها لن تكفي لتحقيق انتصار مدوٍّ. تمثّل وجهه الآخر في انتكاسة طبية، يصبح فيها جثمان فوستر وأداءه المركّب صورة متقنة لتحلّل كائن بسبب علاج كيماوي مرير، يجعله «يعترف»، من دون قصد، بتعاطيه مواداً محظورة خلال تدريباته، وهي بداية الحيز الأكبر لرؤية فريرز، الذي يُصوِّر سباقات دراجاتها ومحيطها الخلاب مدير التصوير داني كوين، ومحاكمته لورطات أحمق يصفه الجميع بأنه «صاحب شأن». إلاّ أن شخصيته القيادية وغلواءه تحوّلانه إلى أفعوان تجاري. يُسلّع نفسه، ويستحوذ على كلّ شيء، بدءاً بغُرَماء يوظّفهم في مؤسّسته، وانتهاءً بموظفة علاقات عامة تشاركه سريره كزوجة.
هنا، يصبح أداء بن فوستر أكثر مراوغة، بين جسم رياضي ساحر بتفاصيله، وسحنة كائن خبيث يستخدم نظراته وشحوب تقاطيعه القاسية ولسانه السليط وحركاته المتقشفة وسائل لحصانة لن تدوم. تقود وشايات آخرين ضده، أشهرهم لويد لاندز (الأميركي جيسي بلمونز)، إلى تفجّر فضيحة تأكل نيرانها حكاية أسطورية نموذجية لمجد فردي يصنعه الخبث.
تنتهي سيرة لانس أرمسترونغ بتجريده من «القميص الأصفر»، رمز الدورات الـ 7 التي يُحرزها بغشّ لن تغسله دموعه وكلماته في نهاية الفيلم ـ «ما أقوم به هو التدريب والتسابق. لا أتمرّن، لأنّي أتمتّع به، أو أسعى عبره إلى لياقة. ما أقوم به هو حياتي كلّها» ـ التي يُجلّلها هوانٌ أبديٌّ.