بأقلامهم >بأقلامهم
الرافعي في رئاسة هيئة العلماء: تكامل مع دار الفتوى وتحصين للساحة السنّية وتعزيز للشراكة الإسلامية - المسيحية
جنوبيات
في 18 آب 2024 أنهت هيئة علماء المسلمين في لبنان دورتها الانتخابية 2024 - 2027 بالإجماع على اختيار الشيخ د. سالم عبد الغني الرافعي رئيساً، واختيار نائبيه الشيخ سامي الخطيب والشيخ يوسف القادري، وذلك بعد استكمال انتخاباتها في المكاتب التنفيذية في المناطق، ومجلس الشورى المركزي برئاسة الشيخ محمد أسوم لتبدأ مرحلة جديدة من عمل الهيئة في مواكبة الظروف الداخلية والإقليمية التي تواجه لبنان وأهل السنّة سياسياً واستراتيجياً واقتصادياً واجتماعياً، وبدون تأخير بعث الشيخ الرافعي سلسلة رسائل تكشف توجهاته المقبلة، الأمر الذي استدعى ردود فعل متباينة ينبغي الوقوف عندها لتقييم المواقف والتوجهات المتوقعة تجاه الشيخ الرافعي والهيئة والجمهور السنّي.
تحديد مسارات العمل
الرسالة الأولى من الشيخ الرافعي جاءت في بيانه الأول بعد انتخابه فقال فيه إنّ الأولوية لديه ستكون تعزيز الدور الدعوي والتوعوي والاجتماعي والتنموي والحقوقي لهيئة علماء المسلمين بالتعاون مع دار الفتوى باعتبارها المرجعية الأم، ومع الكتل النيابية والأحزاب والتيارات السياسية ومع القوى الأمنية لتعزيز السلم الأهلي والاستقرار والتكاتف لتخفيف وطأة الانهيار الذي يضرب الدولة في مفاصلها ويضع اللبنانيين تحت وطأة الإفقار والحرمان من مقومات الحياة الأساسية.
وشدّد الشيخ الرافعي على الانفتاح التام والتكامل مع المرجعيات الدينية المسيحية على قاعدة القيم الأخلاقية الجامعة والتعاون في تنمية وخدمة الإنسان وهذه حاجة عظيمة مع ما يجتاح مجتمعنا من آفاتٍ تُهدِّد كيان الأسرة من الشذوذ إلى المخدرات وما بينها من مخاطر يجب التكاتف لمواجهتها معاً.
كما أعلن الشيخ الرافعي توقه إلى التعاون مع مكونات المجتمع اللبناني عامة، والطرابلسي خاصة، وبالتحديد نقابات المهن الحرة وغرفة التجارة والصناعة والزراعة والجمعيات الأهلية وأصحاب الكفاءة في كلّ المجالات التنموية والاقتصادية والتربوية والثقافية والإعلامية والحقوقية من أجل تحقيق العدالة والإنصاف والتنمية والتحصين الأخلاقي والاجتماعي لجميع اللبنانيين.
التكامل مع دار الفتوى
الرسالة الثانية أطلقها الشيخ الرافعي من دار الفتوى حيث التقى على رأس وفد من الهيئة مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان في أول زيارة يقوم بها بعد انتخابه، وحسب مصدر مشارك في اللقاء، فإنّ البحث تركّز على أهمية التكامل بين الهيئة والدار، باعتبارها المرجعية الجامعة، لتحصين الواقع السنّي ومنع الاختراقات على المستوى السياسي والمذهبي، وعلى مستوى التحصين الأخلاقي في وجه موجات الإفساد والانحراف.
وأوضح المتحدث باسم الوفد الشيخ أحمد العمري التجاوب مع «دعوة صاحب السماحة إلى التماسك ووحدة الصف الإسلامي واللبناني على أساس أن هدوء واستقرار هذا البلد هو من واجبنا الشرعي والأخلاقي والثقافي والسياسي ونسأل الله تبارك وتعالى أن يبارك في هذه الدار الكريمة وأن نكون على قدر المسؤولية في دعم أحبتنا في القدس وغزة وفلسطين ونسأل الله أن ينصرهم نصراً عزيزاً ويخذل اليهود الصهاينة المجرمين الذين يمارسون أبشع المجازر وأبشع أنواع الإرهاب».
التعاون والشراكة الإسلامية - المسيحية
الرسالة الثالثة جاء مع استقبال الشيخ سالم الرافعي النائب إيلي خوري مع منسق القوات اللبنانية في طرابلس فادي محفوض بحضور رئيس المؤسسة اللبنانية للإعلام والتنمية أحمد الأيوبي، وكان اللقاء مناسبة للبحث في تحصين العلاقات بين المكوّنات اللبنانية وتعزيز التعاون الإسلامي - المسيحي باعتباره العمود الفقري للكيان اللبناني، كما تطرّق البحث إلى الشأن الطرابلسي وضرورة بذل الجهود وتجميع القوى لمواجهة التحديات الكبرى التي تواجهها عاصمة الشمال وخاصة في المجالات الاقتصادية والاجتماعية.
وانتهى اللقاء بالاتفاق على القيام بخطوات عملية مشتركة مع كل المعنيين بالشأن الاقتصادي والاجتماعي للدفع نحو حلّ الملفات العالقة في طرابلس، وأهمها رفع السقف لحلّ مشكلة قطع الكهرباء عن المدينة وإشكالية المولدات، وسبل دعم القطاع التربوي للحفاظ على الأجيال من الضياع، والبحث عن وسائل إغاثة العائلات الرازحة تحت خط الفقر، والتكاتف ضدّ الآفات الاجتماعية وفي مقدّمها آفة المخدرات، والعمل على تعزيز الأمن الاجتماعي بالتعاون مع الجيش والقوى الشرعية.
انفتاح على المرجعيات والقوى السياسية
هذه الرسائل التي أطلقها الشيخ الرافعي ويمكن اختصارها بالتكامل مع دار الفتوى لتحصين المجتمع السنّي سياسياً وأخلاقياً واجتماعياً والتأكيد على الشراكة الإسلامية - المسيحية، وهو ما سيجري التركيز عليه في الزيارات التالية التي سيقوم بها الرافعي للمرجعيات الدينية وعلى رأسها بكركي ومشيخة عقل الموحدين الدروز والمجلس الشيعي الإسلامي الأعلى بالإضافة إلى انفتاحه على جميع المكوِّنات اللبنانية وحرصه على الحوار والتعاون معها.
يؤكد مسار الشيخ الرافعي أنّ الوقوف مع القضية الفلسطينية مع الحفاظ على خصوصية أهل السنّة والانفتاح على المكوّن الشيعي والتواصل مع المجلس الشيعي الإسلامي الأعلى، وأنّه لا حياة وطنية سليمة بدون الشراكة مع المسيحيين وأنّ ضمانة وحدة لبنان تكمن في تأمين العدالة لجميع أبنائه وليس في إيقاع الظلم المقصود بفئة منهم وعلى مدى عقود طويلة.
لاقى انتخاب الشيخ الرافعي ارتياحاً واضحاً في الأوساط الإسلامية والمسيحية على حدٍّ سواء، وقد انعكس ذلك في مواقف تناولت التعاون والتكامل بين المسلمين والمسيحيين وستشهد المرحلة المقبلة المزيد من خطوات التقارب بين هيئات إسلامية وأخرى مسيحية بحيث تنشأ معادلة وطنية ثابتة لا تتأثر بالتشوّه ولا بالتحريض.