بأقلامهم >بأقلامهم
صيدا عاصمة "متنوعة" لجنوب لبنان وشاهدة على أحداث كبرى
جنوبيات
لا يكون الحديث عن مدينة صيدا باعتبارها مجرد مدينة لبنانية تاريخية تقع على ساحل البحر الأبيض المتوسط، بل عن عاصمة من عواصم لبنان، عاصمته الجنوبية الأقرب إلى بيروت التي قامت بدور رائد في التشكيلات السياسية اللبنانية والفلسطينية، منفردة أو مشتركة، إذ تحتضن أكبر المخيمات الفلسطينية في لبنان، مخيم عين الحلوة، وتمتد علاقاتها اللبنانية- الفلسطينية إلى ما قبل عام 1936 عندما شارك كثير من أبنائها في ما سمي "الثورة العربية في فلسطين" أو "الثورة الكبرى" في مواجهة الانتداب البريطاني على الولاية الفلسطينية، ومن ثم في الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين عام 1948.
جغرافياً، تقع صيدا، التي تعد ثالث أكبر مدينة لبنانية بعد بيروت وطرابلس، شمال صور بنحو 40 كيلومتراً وجنوبي بيروت بـ 45 كيلومتراً، وهي من أقدم المدن عالمياً التي لا تزال مأهولة حتى اليوم.
تعد المدينة معقل القوى الحزبية اللبنانية ذات الوجهات "اليسارية" و"العلمانية" و"التقدمية"، ومن ثم "الإسلامية"، ومنها انطلقت شرارة الحرب اللبنانية عام 1975 بعد اغتيال أكبر وجوهها السياسية النائب معروف سعد في السادس من مارس (آذار) 1975 وهو على رأس تظاهرة مطلبية لصيادي الأسماك. وهي مسقط رأس رفيق الحريري، رئيس حكومة لبنان في مراحل عدة الذي قضى اغتيالاً في بيروت في الـ14 من فبراير (شباط) 2005، وكذلك مسقط رأس رئيس حكومة استقلال لبنان رياض الصلح الذي قضى اغتيالاً في العاصمة الأردنية عمان في الـ16 من يوليو (تموز) 1951.
وواجهت صيدا عينها بقواها الحزبية العسكرية اللبنانية والفلسطينية الدخول السوري إليها عام 1976، إذ جرى القضاء على معظم القوة وعناصرها ودباباتها التي بقيت أياماً عدة محترقة في وسط المدينة.
صيدا في اجتياح 1982
وتسجل لصيدا مواجهاتها التاريخية لمختلف الحروب الإسرائيلية على لبنان، ومنها اجتياح 1982، إذ سقط من أبناء مدينة صيدا والجنوب والفلسطينيين أكثر من 1000 قتيل نتيجة الغارات على أبنية سكنية ومدارس ومستشفى.
وتعرضت المدينة في الأيام الأولى من الاجتياح لغارات عنيفة من الطائرات الحربية ولمدفعية الدبابات التي تمركزت في التلال المطلة، مما أسفر عن تدمير المنازل والمدارس والبنى التحتية وتعطيل مرافئ الدولة ومرافقها، ففي "بناية جاد" سقط 125 من سكانها ومن اللاجئين إليها للاحتماء، وفي مدرسة تكميلية "القناية" بلغ عدد القتلى 245، إذ دمرت غارة إسرائيلية عليها طابقاً بكامله وكان فيه مهجرون من الجنوب.
وفي ملجأ سهل الصباغ، بلغ عدد القتلى 20، أما في مبنى المستشفى الحكومي والبركسات، فسقط 345 قتيلاً، وكثير من القتلى سقطوا في الشوارع وفي وسط المدينة والمدرسة الثانوية ومدرسة الأميركان والجامع العمري الكبير ومبانٍ في حارة الكنان وبلدية صيدا، وبناية النقيب والمحال والمقاهي المجاورة لـ"دار السلام" في الشرحبيل، ودفن المئات في مساحة من الأرض تبلغ 1840 متراً مربعاً في محلة الدكرمان، تمت تسميتها لاحقاً "ساحة الشهداء".
أما في حرب يوليو وأغسطس (آب) 2006 فلم تسلم صيدا من مجموعة استهدافات إسرائيلية على محطة الكهرباء ودُمّر عدد من الجسور، فحوصر الناس فيها طوال 33 يوماً من الحرب.
في عين الاستهداف
أما حديثاً، وما قبل اندلاع الحرب في قطاع غزة قبل نحو عام وامتدادها إلى الجنوب اللبناني، كانت صيدا بدأت تلملم آثار الاشتباكات الفلسطينية- الفلسطينية في مخيم عين الحلوة، خصوصاً بعد اغتيال "قائد الأمن الوطني الفلسطيني" في المدينة، اللواء أبو أشرف محمد العرموشي وأربعة من مرافقيه في يوليو 2023، وكان سبباً مباشراً في اندلاع جولتين من الاشتباكات، سقط نتيجتهما أكثر من 28 قتيلاً و225 جريحاً ونزحت آلاف العائلات من المخيم. واستمرت المناوشات والمفاوضات السياسية لمنع تجدد الاشتباكات، ثم أتت أحداث غزة فوأدتها، لكن المخاوف من عودة اشتعالها تبقى رهينة الصراعات السياسية الفلسطينية- الفلسطينية.
ظلت مدينة صيدا بعيدة من الاستهدافات الإسرائيلية الأخيرة حتى الأمس القريب، ففي التاسع من أغسطس الماضي استهدفت مسيّرة مسؤول أمن حركة "حماس" في مخيم عين الحلوة سامر الحاج عند مدخل المخيم قرب السرايا، مما أدى إلى مقتله على الفور واحتراق سيارته، وفي الـ21 من أغسطس استهدفت مسيّرة القيادي في "كتائب شهداء الأقصى" اللواء خليل المقدح في محلة "الفيلات" شرق صيدا فقضى أيضاً في سيارته المستهدفة.
لكن القيادي في حركة "حماس" نضال حليحل "أبو عمر" نجا في الـ26 من أغسطس الماضي من محاولة استهدافه بصاروخين من مسيّرة إسرائيلية قرب أوتوستراد "الشماع" بين حارة صيدا وعبرا عندما كان يهم بالصعود إلى سيارته التي احترقت جراء إصابتها المباشرة، وجرح عدد من سكان الجوار. وكان حليحل نجا كذلك من محاولة استهدافه في الـ10 من فبراير (شباط) الماضي في بلدة جدرا (في قضاء الشوف)، وقتل نتيجتها مواطنان لبناني وسوري.
مركز القرار السياسي الجنوبي
بقيت صيدا إلى أعوام طويلة عاصمة القوى والأحزاب اليسارية والتقدمية والقيادات الفلسطينية في مختلف منظماتها وتعددها، منذ مطلع السبعينيات وانطلاق العمل "الفدائي" الفلسطيني، إلى الاجتياح الإسرائيلي وانكفاء القوى العسكرية الفلسطينية وتقدم دور مواجهة "الاحتلال" الذي أدى إلى خسائر في صفوف الإسرائيليين وسقوط عدد من المقاتلين اللبنانيين، مما دفع أخيراً إلى انسحاب الإسرائيليين من المدينة الـ16 من فبراير 1985 وسيادة السلطة اللبنانية على المرافق العامة. وقبل انسحابها بأسابيع قليلة وفي الـ21 من يناير (كانون الثاني) 1985 دوى في المدينة انفجار كبير في المبنى الذي يسكنه مصطفى معروف سعد، رئيس التنظيم الشعبي الناصري، أسفر عن مقتل ابنته الطفلة ناتاشا وجاره محمد طالب وفقدانه نعمة البصر، وكانت إسرائيل مسؤولة عن هذا التفجير.
لاحقاً وبعد دخول عدد من القوى اليسارية في ما سمي "جبهة المقاومة الوطنية" لمواجهة الوجود الإسرائيلي الذي استمر في مناطق عدة من جنوب لبنان إلى عام 2000 عندما تم الانسحاب الإسرائيلي في الـ25 من مايو (أيار)، تراجع دور هذه القوى وبقيت في صيدا ضمن مقار حزبية محددة، وبقي التنظيم الشعبي الناصري يتقدمه مصطفى سعد ثم شقيقه أسامة بعد رحيل الأول عام 2002، الجهة السياسية والحزبية الأبرز على المستوى الصيداوي مقابل تقدم دور العائلات السياسية ومنها آل الحريري وتيار المستقبل.
انقسام طبقي اجتماعي
على مدى حياتها السياسية والاجتماعية، شهدت صيدا انقساماً طبقياً واجتماعاً، متفاوتاً بحدة بين طبقة غنية متمكنة تمتلك الأموال والمشاريع الاقتصادية والعمرانية بالتالي السلطة السياسية والقرارات المدينية، وبين طبقة مسحوقة ممثلة بآلاف الفقراء المنتشرين بين أزقتها القديمة بكثافة سكانية عالية، يعمل قسم كبير منهم أجراء في مهن حرة كصناعة المراكب والأدوات الخشبية المنزلية والحلويات وفي صيد الأسماك، وهؤلاء هم الذين انتفضوا عام 1975 ضد احتكار الصيد البحري، مما دفعهم إلى التظاهر والنزول إلى الشارع، وانتهت انتفاضتهم باغتيال معروف سعد الذي كان يترأس إحدى التظاهرات.
كانت أكثرية أبناء صيدا غير منضوية في الأحزاب والقوى السياسية أو تابعة لقوى بحد ذاتها، وكانت تمنح أصواتها الانتخابية هنا وهناك، إلى أن بدأت الحركات الإسلامية السنية تتسرب إلى المدينة، وتمثلت لاحقاً بعدد من القوى الحزبية. وفي الـ23 من يونيو (حزيران) 2013 انطلقت أحداث دموية مسلحة دارت بين الجيش وأنصار (الشيخ) أحمد الأسير وعناصر من "حزب الله" بعدما قاد الأسير على مدى أسابيع حملة ضد وجود الحزب في صيدا، وقام بقطع بعض الطرق الرئيسة، ونصب خياماً فوقها. وأدت الاشتباكات إلى سقوط 18 عنصراً وضابطاً من الجيش وأكثر من 100 جريح وانتهى الأمر باختباء الأسير مدة عامين قبل اعتقاله، وفي الـ28 من فبراير 2014 حكم القضاء اللبناني عليه بالإعدام (مع وقف التنفيذ).
صيدا عاصمة الجنوب
يقول رئيس التنظيم الشعبي الناصري، النائب في البرلمان أسامة سعد "صيدا كانت ولم تزَل وستبقى عاصمة جنوب لبنان، وهي عاصمة جديرة ومستحقة، ليس لأن الجمهورية اللبنانية والإدارة فيها سمتها أو وضعتها عاصمة للجنوب، بل هي كذلك لاعتبارات عدة، فهي متنوعة دينياً وفيها الحياة الثقافية والسياسية ممارسة بصورة ديمقراطية، وهي مركز مالي وتجاري وفيها جميع الإدارات الرسمية وهي مركز مستشفيات الجنوب ومدارس وجامعات الجنوب، وهي تتمتع بمواصفات تمنحها صفة العاصمة عن جدارة. وصيدا وعلى رغم استهدافها فتحت أبوابها لأهلنا في الجنوب ممن اضطروا إلى النزوح عن ديارهم بسبب الحرب الأخيرة".
ويؤكد سعد أن "هوية صيدا الوطنية ثابتة وراسخة مهما تبدلت الظروف وهي خارج جميع الاصطفافات الطائفية والمذهبية وهي عروبية بامتياز، وصيدا ليست من أمس بدائرة الاستهداف الإسرائيلي، بل كانت كذلك على مدى عقود طويلة، وهي من المدن اللبنانية في رأس الاستهداف بمراحل مختلفة وكانت محطة متواصلة للاعتداءات الإسرائيلية على لبنان، من أيام الحركة الوطنية والعمل الفدائي الفلسطيني والاجتياحات المتكررة التي حصلت، وهي الآن في دائرة الاستهداف وليست خارجه. صحيح أن الاستهداف طاول شخصيات وقيادات فلسطينية لكن ما يجري من اختراق لجدار الصوت في المدينة بصورة شبه يومية إنما يهدف إلى توتير الأجواء وترهيب الناس".
صيدا تعزل من يخطئ بحقها
ويستعرض النائب الصيداوي "مراحل مختلفة كانت فيها صيدا ملاذاً آمناً لجميع من اضطهدوا سياسياً في أماكن مختلفة من الجنوب، وغيرهم من الوجوه والشخصيات التي لجأت إليها بسبب ملاحقتهم، ومحيطها الجنوبي والشرقي والشمالي يضم مختلف التنوعات الطائفية والمذهبية، لهذه الاعتبارات جميعها تقوم صيدا بالدور الجامع كي تكون عاصمة وليست ممراً أو بوابة عبور، وهي حاضنة وطنية ولها تاريخ من النضال".
ويشير النائب سعد إلى "أن هناك سوء تقدير عند بعضهم لموقع المدينة والتعاطي مع المدينة بنظرة أمنية هو تعاطٍ خاطئ جداً ولن ينجح. المدينة جربت أشكالاً مختلفة مثل هذا النوع من التعامل الأمني وكانت نهايتها الفشل الذريع لأن صيدا لا تقبل هذا الأمر ببعده الأمني مع أنها تتقبل الحضور السياسي للجميع، بصورة ديمقراطية، وفي جميع محطاتها واجهت صيدا محاولات الفرض الأمني عليها وهذا مستمر ولن ينجح، وصيدا متنبهة أصلاً أن ثمة أحداً يخطئ وهي قادرة على عزله".
الفلسطينيون مستهدفون أنى كانوا
يفترض الباحث في الشؤون الإسلامية جمال خطاب من مخيم عين الحلوة أن صيدا ومخيماتها "ليست استثناء في استهداف الإسرائيليين، وإذا أخذنا الشريط الجنوبي ابتداءً من مخيم الرشيدية (صور) أو حتى الحدود قرب الناقورة أو إلى صيدا، نجد أن كثيراً من العمليات قامت بها إسرائيل ضد شخصيات عدة من المخيمات، من الرشيدية أكثر من واحد، ومن مخيم عين الحلوة أكثر من واحد، فضلاً عن شخصيات فلسطينية في البقاع جرى اغتيالها، وهو يستهدف جميع عناصر القوى الفلسطينية المتصدية له والمؤثرة والفاعلة".
ويضيف خطاب أن "صيدا هي جزء من الإسناد لما يجري في غزة وهي شريكة في التصدي مع ’حزب الله‘ في الجنوب، سواء من الجماعة الإسلامية أو حركة حماس أو الجهاد الإسلامي". وتمنى أن تكون "الصراعات الفلسطينية المسلحة في عين الحلوة قد انتهت إلى غير رجعة، ويجب أن يتركز الاهتمام على ما يمارسه الإسرائيلييون بحق أهلنا سواء في غزة أو الضفة الغربية أو هنا في لبنان، مما يستدعي وحدة الموقف".
ويلفت إلى أن "ثمة وجوداً قديماً لـ’حزب الله‘ في صيدا وهو ليس طارئاً عليها. وبتقديري أن موضوع محاولة السيطرة على قرار صيدا لا أحد يفكر فيه، فالجميع شركاء في المدينة وثمة تعاون بين الجميع ولا مصلحة للحزب في السيطرة على قرار صيدا لأنه يثير نعرات ومشكلات هو يدرك خطورتها، خصوصاً أن للحزب انتشاراً واسعاً في لبنان وهو ضمن السلطة السياسية".
مثل قصة "راجح"
يرى إمام مسجد "القدس" في المدينة الشيخ ماهر حمود أن صيدا "مثلها مثل الساحة الإسلامية السنية العالمية، تتعاطف مع غزة وتتمنى أن تشارك، لكن يمنعها الوضع الاجتماعي والسياسي والديموغرافي والجغرافي، نحن نرى اليوم موضوع الأخ الأردني ماهر الجيزي نموذجاً لو أتيح لأي كان في لبنان وليس في صيدا فقط. أتصور وتعقيباً على كلام صادر عن الإسرائيليين أن أي تغيير في موضوع المسجد الأقصى سيفجر المنطقة، حتى السلطة الفلسطينية وعلى رغم التخاذل الواضح أشارت في بيانها إلى أن استمرار المجازر يضع المنطقة على حافة بركان أو حافة الانفجار".
ويستعرض الشيخ حمود مرحلة اجتياح 1982 "التي استمرت في صيدا عامين وثمانية أشهر، وقام كثير من الصيداويين بمواجهة الإسرائيليين وسقط كثير من أبناء المدينة في هذه المواجهات. واليوم الوضع مختلف لا يسمح به المدى الجغرافي ولا يمكن إلا بإنشاء تعاون كامل مع ’حزب الله‘، وهذا أمر ليس متيسراً للجميع، بمعنى أن هناك بعض الحواجز النفسية وغيرها تمنع الأمور من أن تتم في الاتجاه الصحيح".
وينفي حمود أن تكون هناك "محاولات حزبية للسيطرة على قرار صيدا، بل هي أوهام في غاية السخف ولا تستند إلى شيء من الواقع على الإطلاق، يخترعون خصماً وليس عدواً لكي يبرروا الانحراف في الواقع الموجود". ويعتبر أن "قضية أحمد الأسير انتهت إلى غير رجعة مع انتهاء ’داعش‘ و’النصرة‘ وما سمي ’الثورة السورية‘. ومشروع الأسير لا يمكن أن يتكرر في صيدا ما دام أن المشروع العام الذي خطط لسوريا انتهى".
ويعرب حمود عن أسفه أن قضية الصراع في مخيم عين الحلوة "لا يمكننا الجزم بطيّها، إذ لا يزال هناك من يحاول أن يثبت أن البندقية الفلسطينية موجهة إلى الفلسطينيين واللبنانيين وليس إلى إسرائيل بغية تشويه صورة التصدي في غزة وفي الضفة وسائر فلسطين. من يحاول تشويه الصورة الفلسطينية في مخيم عين الحلوة ليس فريقاً واحداً، هناك جهات عدة متناقضة وليست متعاونة بعضها مع بعض، تسعى بطريقة ما إلى تشويه صورة الشعب الفلسطيني".
بيئة حاضنة للفلسطينيين
عن القوى الفلسطينية في مخيم عين الحلوة يؤكد عضو اللجنة المركزية في الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين ومسؤول الجنوب تيسير عمار "أبو المعتصم" أن "جو صيدا وطني ومقاوم وتاريخها ارتبط بقضية الشعب الفلسطيني منذ 1936 و1948. وبيئة صيدا حاضنة للفلسطينيين والفدائيين وهي تتميز بتنوعها وتوأمتها مع فلسطين". ويشير إلى أن قسماً كبيراً من الفلسطينيين بات "يحيا اليوم في مدينة صيدا، وإن مخيم عين الحلوة يشكل شرياناً اقتصادياً مهماً لصيدا وسيبقى كذلك".
لا يخفي "أبو المعتصم" "أثر الاشتباكات الفلسطينية- الفلسطينية المسيء لصيدا والجوار، وقبلها المشوه للنضال الفلسطيني، وهذه الاشتباكات العبثية التي جرت قبل أحداث غزة وما دار من معارك بسببها، أزعجت المدينة وأربكتها، لكن هذا كله لن يؤثر في العلاقة القائمة بين الشعبين اللبناني والفلسطيني في صيدا ونسعى دائماً إلى ألا تتكرر مثل هذه الأحداث المؤلمة والمؤسفة".
ويضيف حول الاستهدافات الإسرائيلية لشخصيات فلسطينية في صيدا والجوار أنها "أهداف إسرائيلية بتوجيه رسائل إلى القوى الفلسطينية أن لا أحد معفياً بالنسبة إليها وأن اليد الإسرائيلية الطويلة لها القدرة على أن تصل إلى أي كان وفي كل مكان، لكنها لن تثنينا كشعب فلسطيني، ونحن مع الصيداويين بيت واحد وعائلة واحدة ولن تزيدنا إلا تمسكاً بحقنا وإصرارنا على مواصلة طريق النضال".
قرار صيدا لأهلها
ويعود رجل الأعمال الصيداوي عدنان الزيباوي (أكثر المقربين من الراحل رفيق الحريري) لذاكرة التاريخ التي تربط صيدا بفلسطين "ليس بالامتداد الجغرافي فحسب، بل العائلي والسكني كذلك، فهناك علاقات وتداخلات كثيرة وعائلات مشتركة بين صيدا وفلسطين، قبل أولئك الفلسطينيين ممن لم يتجنسوا في مخيم عين الحلوة الذين احتضنتهم صيدا في أكبر مخيمات لبنان وتعايشت مع الموضوع، ومعروف سعد قاتل في فلسطين في 1936 ورفيق الحريري كان في حركة القوميين العرب ولونه الفلسطيني، وأبناء معروف سعد معروفون وبيت الوزير الراحل نزيه البزري كان على هذه الخطى".
ويشير الزيباوي إلى أن دور أبناء صيدا "في التصدي للاحتلال الإسرائيلي عام 1982 كان في تجلياته قبل أن يتبنى ’حزب الله‘ هذه المهمة منذ نحو ثلاثة عقود وباتت محصورة به لأسباب عدة منها ارتباطه بالموضوع الإيراني وموقفه من سوريا، فانحسرت مقاومة الإسرائيليين بلون الحزب، لذلك عندما انحسرت بلونه، لم يعُد لصيدا مكان فيها بقواها اليسارية والتقدمية والقومية وتالياً بالجماعات الإسلامية (السنية) وباتت مشاركتهم ممنوعة، لذلك لم يدخلوا في العصب المساند المباشر لغزة، وليس بمستطاع أيّ كان الاشتراك في حيثياته من الحدود اللبنانية، وما التسميات الأخرى للمشاركة في المواجهة الجنوبية إلا تحت سقف قيادة ’حزب الله‘".
ويقسم زيباوي صيدا إلى قوتين "القوى الصيداوية بمعنى الزعامات وهي تتمثل في بيت سعد والبزري وآل الحريري، والأخرى في القوى الحزبية اليسارية والإسلامية، في طليعتها التنظيم الشعبي الناصري وآل سعد، وهناك قوى حزبية أخرى تراجعت نتيجة هزيمة مشاريعها وخف كثيراً حضورها، والحضور الآخر هو شكل من حضور ’حزب الله‘، ولا شكاوى في صيدا تحكي عن هيمنة حركة ’أمل‘ من مواقعها في السلطة أو خارجها وسعيها إلى السيطرة على القرار الصيداوي، أما ’حزب الله‘ ولأنه حزب عقائدي يدخل إلى المدينة من أكثر من بوابة، كالعادة ليست بوابات تحالفية مع صيدا وقواها، هي تحالفات لتزيد من حضوره داخل صيدا، وأعتقد بأن ما يجري هو جزء من خطة ليست صيداوية".
ويرى الزيباوي أن ظاهرة "أحمد الأسير بغض النظر عن امتداداتها الخارجية التي راهن عليها بعضهم، أتت في لبنان من محاولات إعطاء لون مذهبي للصراع، صيدا كمدينة وكقوى فعلية لم تكُن معها، والمزاج الفعلي الشعبي والسياسي الكبير في صيدا لم يسِر معها ويؤيدها".