بأقلامهم >بأقلامهم
جنوب لبنان وشرقه تحت نيران "سهام الشمال"
جنوبيات
لم يعر كثر من أهل الجنوب اهتماماً لرسائل التحذير الإسرائيلية والاتصالات الهاتفية التي وصلتهم باكراً، صبيحة أمس الإثنين الـ23 من سبتمبر (أيلول) الجاري، تتضمن العبارة الآتية: "إذا أنت موجود بمبنى به سلاح لـ(حزب الله)، ابتعد عن القرية حتى إشعار آخر"، إذ اعتبروها من ضمن الحملة النفسية التي مارسها الإسرائيليون أخيراً من خلال اتصالات ورسائل خطية وصوتية كانت تصل على هواتف الناس الخلوية أو الأرضية، إلى تحذيرات صوتية كانت تصل إلى مسامعهم من الجو، من طائرات مسيرة تذيع عبر مكبرات الصوت بيانات موجهة ضد "حزب الله" وأمينه العام حسن نصرالله.
فجأة وجد أبناء مختلف المناطق الجنوبية أنفسهم أمام حرب فعلية، وباتت مدنهم وبلداتهم وقراهم عرضة لغارات عنيفة بدأت بعيد السابعة صباحاً على الأطراف ثم استهدفت المنازل المأهولة وعديداً من المؤسسات. وقد حظيت هذه الغارات بتغطيات واسعة نفذها سكان المناطق المستهدفة إذ راحوا يلتقطون صور الغارات واستهدافاتها عبر هواتفهم ثم يرسلونها على مواقع ومجموعات "واتساب"، هذه الغزارة من الصور تراجعت حدتها كثيراً مع بدء نزوح الناس عن بيوتهم وبلداتهم.
ظل سلاح الجو الإسرائيلي وعلى مدى أسبوع سبق هذه الحرب المعلنة، يغير بكثافة وبتقطع على معظم مجاري الأنهار ومنها مجرى نهر الليطاني الممتد من البقاع حتى البحر قرب مدينة صور في الجنوب، والأودية والتلال والأحراج، تحت عنوان القضاء على منصات الصواريخ التابعة لـ"حزب الله"، وقالت بياناته العسكرية إنه قضى على المئات منها. هذا النمط من الغارات لم يدفع بسكان المدن والبلدات الجنوبية التي تعتبر في الخط الخلفي لمناطق المواجهة عند الحدود وشمال نهر الليطاني إلى النزوح على رغم كثافة النيران والقذائف الثقيلة التي استخدمها الإسرائيليون في خلال غاراتهم هذه.
لكن ها هي الحرب بدأت بحسب ما شاهده الجنوبيون. فجأة وفي أقل من ساعة أغارت الطائرات الحربية الإسرائيلية على مدنهم وبلداتهم من الخارج إلى الداخل، أي من أطرافها إلى أوسطها وأحيائها السكنية، وهذا ما أدى في الساعة الأولى لكثافة الغارات على مختلف المناطق الجنوبية إلى وقوع ما لا يقل عن 50 قتيلاً، جلهم من المدنيين ومن النساء والأطفال ممّن غصت بهم المستشفيات التي اضطرت إلى إعلان حال الطوارئ وكرست دورها الطبي على استقبال الجرحى بعد إخلاء الحالات المرضية التي تعتبر باردة وإيقاف العمليات.
نزوح مئات الألوف
كذلك لم يكن سكان الجنوب خارج مناطق المواجهة، وشمال نهر الليطاني جهزوا أنفسهم للنزوح، وكانت المغادرة سريعة بعد كثافة الغارات والقصف، لذلك غصت الطرقات وازدحمت باتجاه الشمال، نحو صيدا والعاصمة بيروت، وهناك من انتظر ساعات طويلة في صفوف السيارات، بعدما عبروا على طرقات استهدفتها الغارات وقطعت مسالك منها أمام العبور، وشاهدوا من هذه الطرقات الغارات المتفرقة قرب الساحل، امتداداً من صور إلى صيدا، بمسافة تزيد على 40 كيلومتراً، خصوصاً أن الغارات طاولت عديداً من البلدات الساحلية على نحو الغازية والصرفند وعدلون والقاسمية والبيسارية والحوش شرق مدينة صور وغيرها.
فرغت مدن وبلدات الجنوب أكثر من نصفها، إن لم نقل أكثر في بعض المناطق، وما دفع إلى حركة النزوح الكبيرة هذه هو حجم الضحايا المدنيين الذين تساقطوا في خلال القصف وتنامي المعلومات عن تدمير أبنية سكنية فوق قاطنيها. وقدرت بعض الأوساط عدد النازحين أمس الإثنين من الجنوب بما يتراوح ما بين 250 و300 ألف نازح، جلهم من عائلات كاملة توجهوا نحو صيدا التي فتحت مجموعة من مدارسها الرسمية كمراكز إيواء خاصة بالنازحين، ومنهم نحو منطقة الشوف وبلداتها وصولاً إلى العاصمة بيروت.
لاجئون سوريون تائهون
وأربك اللاجئون السوريون المنتشرون في مدن وبلدات أقضية النبطية وصور، وشوهد مئات منهم يحملون ما تيسر لهم من ثياب وفرش وأغطية، ينطلقون في الشوارع مع أولادهم الصغار، يحاولون العثور على سيارات أجرة تقلهم إلى خارج المنطقة، وبعضهم انطلق سيراً على الأقدام مسافات طويلة، في إصرار على الخروج من مناطق صارت في قلب النار بعد أن سمعوا دوي الغارات العنيفة وشاهدوا عديداً من بيوتها مدمرة، مثلما أصاب التدمير والقصف عدداً من المؤسسات التجارية ومحطات الوقود وسيارات الإسعاف والدفاع المدني، مما أوقع مزيداً من الضحايا والقتلى.
حرب على البقاع
الحرب المفتوحة طوال النهار والمساء لم تسلم منها مناطق كثيرة في البقاع بعدما هدد الإسرائيليون بقصفها وطلبوا من الأهالي الابتعاد عما سموه مواقع "حزب الله" ومخازن أسلحتهم. ووجه المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي بياناً "إلى سكان القرى اللبنانية في منطقة البقاع"، داعياً إياهم إلى مغادرة منازلهم خلال ساعتين وقال في تدوينة عبر صفحته الرسمية بمنصة "إكس"، على "السكان الذين يوجدون قرب أو داخل مبان وبيوت تم تخزين صواريخ وأسلحة داخلها الابتعاد عنها فوراً". وأضاف "هذا إنذار محدد للقرى في البقاع اللبناني، (إلى) السكان الموجودين قرب أو داخل منازل تم تخزين صواريخ ووسائل قتالية داخلها، ابتعدوا عنها فوراً حفاظاً على سلامتكم"، واستطرد "تشاهدون عملياتنا في منطقة جنوب لبنان حيث يستعد (حزب الله) إطلاق أسلحته نحو إسرائيل ونحن لن نسمح بذلك. ابتعدوا من هذه المنازل حفاظاً على سلامتكم، (حزب الله)… يعرضكم للخطر"، بحسب ادعائه.
وفي فترة ما بعد ظهر أمس ومساء تكثفت الغارات الإسرائيلية على مناطق البقاع وطاولت عشرات البلدات والقرى ولم تسلم مدينة بعلبك من غارات عدة أوقعت العشرات من القتلى والمصابين بينهم أطفال ونساء، الذين غصت بهم مسشفيات المنطقة على رغم عددها القليل.
سقوط مدنيين بينهم أطفال
نشرت عديد من مواقع التواصل الاجتماعي صوراً لعائلات كثيرة، بين أفرادها أطفال ونساء، تنعى فيها أسر قضت بأكملها تحت أبنية وبيوت في مناطق النبطية وصور وبنت جبيل، في حاروف والنميرية والسكسكية وعين بعال وأرزي (بين قضاءي النبطية وصور) في والهرمل وقليا وغيرها (بين أقضية البقاع وبعلبك).
وقالت وزارة الصحة اللبنانية "إن غارات العدو الإسرائيلي المتمادية على البلدات والقرى الجنوبية منذ صباح الإثنين، أدت (قبل منتصف الليل) إلى ارتفاع حصيلة العدوان الإسرائيلي المتمادي إلى 492 قتيلاً بينهم 35 طفلاً و58 سيدة و1645 جريحاً". ونوهت في بيان نقلته الوكالة الوطنية للإعلام في لبنان، مساء الإثنين، بأن من بين الضحايا والجرحى أطفال ونساء ومسعفون.
وفي وقت سابق، دعت وزارة الصحة اللبنانية، "مستشفيات في جنوب وشرق البلاد إلى الاستعداد لاستقبال جرحى الغارات الإسرائيلية على المنطقة وطلبت وزارة الصحة من المستشفيات الواقعة في جنوب البلاد وشرقها وقف العمليات غير الطارئة، لإفساح المجال لمعالجة جرحى الغارات الجوية المكثفة، التي تشنها إسرائيل، تزامناً مع دعوتها السكان إلى لابتعاد عن مواقع "حزب الله".
أكبر حصيلة بيوم واحد
تعتبر حصيلة اليوم الأول للحرب التي أطلقت عليها إسرائيل تسمية "سهام الشمال" غير نهائية إذ أكدت مصادر الدفاع المدني في أكثر من منطقة جنوبية عدم تمكنها من إزالة الركام والبحث عمن تحتها في عديد من الأبنية والمنازل المهدمة.
وتعتبر هذه الحصيلة في يوم واحد التي اعترف الناطق باسم الجيش الإسرائيلي أنها تخطت 1200 غارة، هي الأكبر في جميع الحروب التي خاضتها إسرائيل ضد لبنان إذا ما استثنينا اجتياح 1982، في 1978 (عملية الليطاني)، وأسفرت العملية عن مقتل 300 مقاتل فلسطيني ونحو 1100 مدني لبناني وأصيب أكثر من 2000 آخرين، ونزح ما بين 100 و250 ألف شخص من منازلهم و1982 (تحت تسمية سلامة الجليل) و1993 (عملية تصفية الحساب بحسب الإسرائيليين أو حرب الأيام السبعة بحسب التسمية اللبنانية)، و1996 (عناقيد الغضب) نفذت إسرائيل في خلال 16 يوماً، هي مدة الحرب، أكثر من 1100 غارة جوية وقصف شامل طاول موقعاً للأمم المتحدة في بلدة قانا، مما أدى إلى مقتل 118 مدنياً لبنانياً فيه، أما الحصيلة النهائية فكانت نحو 170 قتيلاً مدنياً. و2006 (حرب تموز أو حرب لبنان الثانية) التي سقط فيها طوال 33 يوماً من القصف والتدمير نحو 1200 قتيل.
يذكر أن من بين أهداف حرب الأيام السبعة 1993 التي أعلنتها إسرائيل "القضاء على المقاومة اللبنانية المتمثلة في (حزب الله)، وتدمير ترسانة الصواريخ الموجودة لديه، ومنعه من استخدام جنوب لبنان كقاعدة لضرب إسرائيل"، وكانت تأمل في الضغط على الحكومة اللبنانية كي تتدخل ضد "حزب الله".