عربيات ودوليات >اخبار عربية
تطبيق الطائف أولوية ما بعد الحرب.. ودور مركزي للجيش
تطبيق الطائف أولوية ما بعد الحرب.. ودور مركزي للجيش ‎السبت 16 11 2024 07:31
تطبيق الطائف أولوية ما بعد الحرب.. ودور مركزي للجيش

جنوبيات

مهما طالت الحرب على لبنان فإننا سنصل في النهاية إلى خاتمة لها تطرح السؤال حول ماهية المرحلة السياسية للبنان بعد هذا المفترق المفصلي في تاريخه الحديث.

السؤال هنا يكتسب اهمية بالغة وسط التجاذب الحاد على ضفتي النزاع اللبناني ما يدلل على الخلاف التاريخي المستمر حول طبيعة لبنان ودوره المقبل، واكثر من ذلك يطرح استحقاق التعايش الهش اصلا بين مكوناته وقضية وحدته الجغرافية والاجتماعية.
ليست المرة الاولى التي تطرح فيها مثل هذه القضايا الجوهرية، وهي رافقت لبنان منذ ما قبل تأسيسه اصلا قبل ان تتبلور مع الزمن لتعود مع كل نزاع اهلي شكلت الحرب الاهلية أوجه.
في كل الاحوال ومن دون الولوج في المعضلة اللبنانية عبر التاريخ واسباب كل توتر اهلي، فإن المهم اليوم التفكير في كيفية مواجهة المرحلة المقبلة والتصدي لاستحقاقاتها.
العنوان الأبرز لمرحلة ما بعد الحرب سيكون حماية اتفاق الطائف الذي جاء بعد تضحيات كبرى من قبل اللبنانيين دما وتهجيرا واقتصادا ونزيفا على كل صعيد، وبات لزاما موضوع حماية وثيقة الوفاق الوطني التي شكلت المرجعية المركزية ووضع اللبنة الاولى لإنهاء الحرب الأهلية العام 1989 ثم تدشين مرحلة السلم الأهلي (المهزوز) منذ بداية تسعينيات القرن الماضي.
وعلى صعيد ضرورة تطبيق الطائف يجب العلم بأن تغيير الدساتير واجتراح اتفاقات برعاية خارجية ليس صفة جاهزة في لبنان ولا هو يأتي "على البارد"، بل حصل سابقا نتيجة اقتتال محلي كما حدث مع الطائف ومع اتفاق الدوحة العام 2008، وكما حدث ايضا بعد الحرب الأهلية المصغرة التي تلتها "الصلحة الأهلية" المؤقتة العام 1958. وفي كل تلك الأحداث كان خيار لبنان في المعركة التي تشكل قضية فلسطين مركزيتها، لب التنازع الطائفي، وها نحن اليوم نعيش الحكاية نفسها.
اليوم ثمة محاولات او لنقل رغبات عند كثيرين بصياغة عرف وطني جديد يتجاوز الطائف بناء على موازين قوى داخلية مستجدة ورهانات خارجية ما يهدد الوحدة الداخلية جغرافيا واجتماعيا. ويأتي التمسك بالطائف وإلزام الجميع فيه استباقا لأي محاولة انعتاق من مفهوم موقع لبنان في الصراع وهوية العدو، من دون ان يعني هذا الانخراط في معارك لا طاقة للبنان على تحملها.
فالطائف كرس في مبادئه العامة وحدة الكيان وطنا نهائيا للجميع وحسم ميثاق العمل المشترك. ووضع حدا للجدل حول هويته العربية، والأهم، كان صريحا في مسألة الاحتلال الاسرائيلي ومطالبته بالقرار 425 حول الاراضي اللبنانية المحتلة من قبل إسرائيل العام 1978.
لكنه ايضا، وهذا مهم جدا، تمسك باتفاقية الهدنة للعام في 1949 والتي تنص على حدوده الدولية بما فيها التي احتلتها اسرائيل في العام 1967 وشملها القرار 242 ومن بعده القرار 338 المكمل له.وبدعوته إلى اتخاذ الإجراءات اللازمة كافة لتحرير جميع الأراضي اللبنانية ونشر الجيش اللبناني، يجيب الطائف على سؤال طبيعة المرحلة المقبلة التي سيكون للجيش دوره المركزي في صياغة طبيعتها.
للمناسبة هنا لقد أتت اتفاقية الهدنة على ذكر القوى غير النظامية وكانت تعني بذلك الجانب الآخر من الحدود اي العصابات الصهيونية، ويمكن لاستراتيجية دفاعية ان تنفذ من هنا لاجتراح حل تحت عنوان استراتيجية دفاعية تضم الجيش وسلاح المقاومة على ان تكون الدولة المرجعية وليس الجيش الذي يتبع السلطة السياسية وينفذ قراراتها.
على ان اهم ما جاء في الطائف كان انه حدد اسرائيل كمحتل لجميع الاراضي اللبنانية التي يجب تحريرها، واذا كان لم ينص على مقاومة "حزب الله" صراحة، إلا ان بين سطور النص الذي خرج به الاتفاق ما يكفي عند اشارته إلى اتخاذ الإجراءات اللازمة على هذا الصعيد ثم بسط سيادة الدولة ونشر الجيش اللبناني لإتاحة الفرصة لعودة الأمن والاستقرار إلى منطقة الحدود.
وبعد النجاح في تحرير معظم الأراضي اللبنانية وبقاء مزارع شبعا وتلال كفرشوبا والنقاط الهامة المتبقية المرتبطة بتحفظات لبنان البرية على الخط الازرق، سيكون امام لبنان العمل في التوازي مع المقاومة لتحرير ما تبقى من الارض وحفظها في وجه عدو متوسع بطبيعته.
ومع تكريس الحكومات المتعاقبة لشرعية المقاومة، وفي ظل عقيدة عسكرية للجيش اللبناني تحدد صراحة هوية العدو، يمكن اجتراح تلك الاستراتيجية الدفاعية التكاملية التي تحظى بشرعية داخلية وتستثمر مكامن قوة لبنان ومنعته.
في محاولة لتنسم طبيعة مرحلة ما بعد الحرب المرتبطة بالتهدئة وباستقرار في المنطقة، سيكون للجيش اللبناني دوره ليس فقط على الحدود الجنوبية بل على باقي الحدود بمساعدة خارجية طبعا يجري التفاوض على طبيعتها. لكن يجدر القول هنا إن دور الجيش سيشمل ادارة او لنقل الإشراف على الاستقرار الداخلي بمعادلة تطمئن الجميع وتحضر الأرضية لطمأنة ايضا للخارج كون لا مناص من الاستقرار الداخلي للنهوض بالاقتصاد ولجلب الاستثمارات والمساعدات ولخلق معادلة التوازي بين الاصلاحين السياسي والاقتصادي.

مؤتمر وطني إنقاذي لطرح الهواجس
على ان تحت هذه العناوين الكثير من التفاصيل ومن القضايا التي ستكون اشكالية، خاصة وان ثمة من يريد العبث بالطائف والتخلص منه استفادة من قراءة خاطئة لطبيعة الحرب على لبنان.
ففي اليمين اللبناني أو المزاج المسيحي العام لكي نكون اكثر صراحة، من يرى في الطائف عنوانا لهزيمة عسكرية مزمنة تعرض لها انتجت احباطا وتهجيرا وتهميشا يتعاظم مع الوقت، وهو مزاج موجود لدى شرائح غير حزبية ولكنه ايضا يعكس واقعا ذهنيا لدى كثير من محازبي "القوات اللبنانية" و"الكتائب" وحتى شرائح واسعة غالبة في "التيار الوطني الحر" خاصة في مرحلته الخلافية الاخيرة مع "حزب الله"، كما حول البطريركية المارونية والمرجعيات المسيحية.
لا نقول هنا إن هؤلاء باتوا في اجواء تقسيم لبنان فهم ما زالوا على ايمانهم بوحدة الكيان الذي تأسس أولا لأجلهم، لكن السخط المسيحي عارم وهناك اقلية تدفع في اتجاه فدرلة وتقسيم مع ان الطائف قدم حلا معقولا باللامركزية التي ستوفر للمناطق نوعا من الانعتاق عن سطوة الآخر الذي يرى المسيحيون انه الثنائي الشيعي والذي تمظهر اكثر ما تمظهر في ما عرف بالتوقيع الثالث، اي توقيع وزارة المالية الذي بات الحاكم بأمره، الذي بُحث في الطائف لكنه لم يقر رسميا واستفاق الثنائي عليه في السنوات الاخيرة عاكسا التغيرات التي رافقت البلاد في موازين قوى فرضت نفسها لم تكن متوافرة عسكريا وسياسيا وديموغرافيا واقتصاديا لدى الشيعة مع اقرار الطائف في العام 1989.
في كل الأحوال لقد قدم الطائف الحل ولا داعي ابدا لاتفاق او لعرف جديدين، فقد نص عندما تحدث عن الاصلاحات السياسية على إلغاء الطائفية السياسية عبر مسار مرحلي بعد تشكيل هيئة وطنية برئاسة رئيس الجمهورية، وهي للمناسبة ستضم (على أمل ذلك) رئيس مجلس النواب ورئيس مجلس الوزراء وشخصيات نخبوية على ان تقدم خارطة طريق والوسائل المقترحة لذلك لتقدم إلى مجلسي النواب والوزراء ومتابعة مسارها.
من هنا كان همّ مشرعي الطائف (الذين اخذوا موضوع التشريع بحسن نية) إلغاء الطائفية السياسية، لب مصائب الكيان، وإلغاء التمثيل الطائفي (باستثناء وظائف الفئة الأولى وما يعادلها)، وتشكيل مجلس للشيوخ يكون ممثلا للطوائف ويريحها..
أما غير ذلك من محاولة الانعتاق من الاتفاق فلن تعني سوى اقتتالا اهليا جديدا، على امل الشروع في حوار أو مؤتمر وطني انقاذي جامع بعد انتخاب رئيس للجمهورية واستكمال العملية السياسية، لطرح هواجس الجميع والاتفاق على هذه الاستراتيجة التي تحمي لبنان وتطمئن اهل الجنوب اللبناني وفي الوقت نفسه باقي اللبنانيين المعارضين توريط لبنان بمغامرات تدميرية لا طاقة للبنان الهش على تحلها.
أخيرا بات على الجميع الاستفادة من المناخ الدولي والظروف العربية والتهدئة المقبلة على المنطقة على المدى المتوسط، والاستقرار على المدى البعيد، لإعادة بناء الكيان وتجديد طبقته السياسية.

المصدر : اللواء- عمار نعمة