بأقلامهم >بأقلامهم
عشية العيد الـ81 للاستقلال... حرب تثبيت الاستقلال
جنوبيات
يطل عيد الاستقلال هذا العام على اللبنانيين وهم يواجهون عدواناً وحشياً صهيونياً استهدف البشر كما الحجر والشجر، من أقصى الجنوب إلى أقصى الشمال دون أن تنجو عاصمته بيروت والمناطق الأخرى في جبل لبنان من هذا العدوان.
ويمكن اعتبار أن المعركة التي يخوضها رجال المقاومة في الحافة الحدودية للبنان مع فلسطين المحتلة، والدماء التي تسيل من الآف الشهداء والجرحى والدمار الذي يشمل مئات الآلاف من المباني السكنية والمستشفيات والمعابد والمدارس، هي معركة تثبيت استقلال لبنان وسيادته الوطنية وحريته في الوقوف بوجه المطامع الصهيونية التي لم يخفها العدو منذ اغتصاب فلسطين عام 1948، والتي تجلّت بحروب وغزوات شهدها لبنان أعوام 1968، 1970، 1972، 1978، 1982، 1993، 1996، 2000، 2006.
وإذا كانت بعض السرديات لاستقلال لبنان التي يروّج لها ضعفاء النفوس وبقايا الانتداب الفرنسي، بأن لبنان نال استقلاله عام 1943، بفضل ضغوط المندوب البريطاني الجنرال سبيرس الذي فرض على حكومة فرنسا المدعومة من بريطانيا أن تفرج عن أركان حكومة الاستقلال، متجاهلاً أن ذلك الاستقلال لم يكن ممكناً أن يتحقق لولا دماء أريقت في بشامون وفي طرابلس، وفي صيدا، يجري تجاهلها اليوم من قبل الإعلام الرسمي لولا أن الحزب السوري القومي الاجتماعي يحرص على التذكير بشهيده البطل سعيد فخر الدين الذي استشهد في بشامون مدافعاً عن ما تبقى من حكومة لبنان الشرعية الموجودة في مقر الأمير الراحل مجيد إرسلان.
ومن هنا تأتي أهمية الحرب التي يخوضها المقاومون من رجال حزب الله والقوى الوطنية والإسلامية والقومية ضد العدوان الصهيوني منذ سنة وشهرين دون توقف، ناهيك عن الحرب العدوانية المتصاعدة على لبنان منذ 50 يوماً.
هذه الحرب الضارية التي يخوضها المقاومون، ويتحمل أعباؤها كل الشعب اللبناني وفي مقدمته أهلنا النازحون من بيوتهم في الجنوب والبقاع وضاحية بيروت الجنوبية، هي الحرب التي تنفي كل السرديات المشبوهة التي تحاول تفسير كل نصر أو إنجاز نحققه، تمّ بتفاهم خارجي، دولي، إقليمي.
فملحمة "طوفان الأقصى" لم تعيد فلسطين وقضيتها إلى دائرة الضوء والاهتمام عالمياً، بل أعادت أيضاً لبنان إلى الدائرة نفسها حيث تحولت كل تظاهرات الدعم لفلسطين التي تعمّ العديد من بلادنا العربية والإسلامية والكثير من دول الغرب، إلى تظاهرات لدعم لبنان، وحيث باتت بيروت مركز زيارات للعديد من المبعوثين الأميركيين والأوروبيين والدوليين يحاولون التفاوض مع لبنان للوصول إلى وقف لإطلاق النار وتحقيق ما عجز الكيان الصهيوني عن أخذه بالعدوان أن يأخذه بالدبلوماسية.
وإذا كان المبعوث الأميركي هوكشتاين اليوم في تل أبيب ينتظر موافقة نتنياهو على مقترحات واشنطن لوقف النار في لبنان، وهو يدرك أن الورقة الأميركية لم تتم صياغتها أصلاً بمعزل عن تل أبيب، فأن ذلك يشير بوضوح إلى أن أهل العدوان على فلسطين ولبنان باتوا يدركون أنهم يواجهون في غزّة، كما في بيروت، نوعاً من القادة المقاومين الذين يدركون أن ميدان المواجهة، لا الشطارة الدبلوماسية، هي التي تحدد مصير العدوان.
فإلى أولئك الذين يشوهون استقلالنا عام 1943 وتصويره أنه نتاج غربي، وأن على أولادهم وأحفادهم الذين لا يريدون أن يصدقوا أن المقاومين في لبنان قادرون على صناعة الانتصار لبلدهم ولقضيتهم المركزية، أن يسألوا أنفسهم لماذا نجح تفاهم نيسان 1996، وجرى تحرير الأرض عام 2000، وفشل عدوان 2006، ويفشل اليوم عدوان السابع من أكتوبر عام 2024.
أما من اعتبر أنه وسيط لوقف الحرب في لبنان، فليتذكر أن حكومة بلاده قد قامت بوضع الفيتو على قرار أممي يوقف الحرب على لبنان، فيما كان هو يحتسي القهوة في أحد مقاهي بيروت، عاجزاً عن الإجابة على سؤال كل لبناني وكل عربي، "كيف تنجح بلادك في وقف العدوان على لبنان، فيما مندوبها في مجلس الأمن يضع الفيتو على قرار وقف إطلاق النار في غزّة".
طبعاً فنحن ندرك، كما العالم بأسره يدرك، مدى غياب العدل عن مواقف الدولة الإمبريالية العظمى في واشنطن في العديد من القضايا، ولكن الجميع يسأل لماذا تغيب الحكمة أيضاً عن هذه القرارات، وتزيد الإدارة الأمريكية من الحقد عليها في بلادنا ولدى شعوب العالم.