مقالات مختارة >مقالات مختارة
تَوراة نتنياهو.. للتنفيذ الفاشل!
السبت 7 12 2024 12:46جنوبيات
دراسةُ شخصية رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الذاتية، وتركيبته السياسية والعسكرية، لا تكفي لمعرفتها لا الكتُب التي كتبها بنفسه ودمَغها بالوثائق إظهاراً لعنفوانه « الوطني»، ولا الكتب التي كتبها مؤرخون أو مفكرون عنه.
شخصية مُبرمَجة على مجموعة أساطير عن اليهود وتشرّدهم في الأرض، تلقّاها عن والده الذي كان عُصابياً يهودياً مفتوناً بتاريخ إسرائيل الدموي وبكراهية العرب والمسلمين (منذ مطلع القرن التاسع عشر)، وبالحقد على المسيحية والمسيحيين (في التاريخ منذ ١٢٦٠ حتى بدايات القرن الثامن عشر) في بلاد أوروبا. ومرحلة شباب نتنياهو كانت نسخة عن قناعات والده يضاف إليها «الطبْع الخاص» بنتنياهو. هكذا يقول في سيرته عارضاً أفكاره التوسّعية التوراتية التي يظنّ أن بإمكانه تحقيقها عن سيادة إسرائيل على منطقة الشرق الأوسط بالقوة العسكرية أولاً، ثم بالقوة السياسية العالمية التي يستمدّها من مؤسسات الصهيونية واليهودية العالمية التي تؤثر في سياسات الدول الكبرى، والصغرى، كلّ حسب الحاجة إليها.
الأنانية أولاً. التحايُل أوّلاً. والغرور أولاً. لا تستطيع تنظيم هذه الصفات الثلاث في شخصيته كونها متداخلة ومتدخّلة في كل قراراته. واستخدام القوّة هو العامل الوحيد الذي يَنظر إليه. القوة المتأتية من جيشه الجرّار، وحضور اليهود في بقاع الأرض، تُضاف إليها محاولات صرف نفوذه في بلاد العالم العربيّ بالترغيب والترهيب معاً. لا يؤمن بالتساوي مع أعدائه الذين يفاخرُ بتفوّقه عليهم بالجبروت، ولا مع «أصدقائه» العرب تحديداً الذين جنحوا إلى السّلْم مع دولته فذاقوا جميع أنواع التجاوزات والارتكابات «المكشوفة» كما في دولة فلسطين التي محاها من الخريطة الواقعية وجعلها أشتاتاً، وكما في دولة الأردن التي يهدّدها في كل مناسبة بقذْف أهل الضفة الغربية الفلسطينيين إليها، وكذلك في دولة مصر التي فرض عليها قيوداً جمّة حين ظهرت «داعش» في مناطق من سيناء، ثم احتلّ معبر فيلادلفيا المصري «لمنع غزّة من إعادة التسلّح». أمّا بقية العرب في الخليج فقد آثروا التطبيع بالتأثير والضغط والحماية الأميركية، والإدارة الأميركية في كل عهودها المعاصرة تساعدهُ وتغطيه وتوقّع له على بياض.. وسَوَاد ما يفعل.
يعتقد نتنياهو بسهولةِ تنفيذ الأفكار والشعارات التي يطرحها، ويعتبر كل من يعارضها في داخل إسرائيل وخارجها « مُغفّلاً». وبوصلتُه الوحيدة المُمارَسة هي إرهاب الدولة تحت حماية قانون عام ضروريِّ الوجودِ هو «حق الدفاع عن النفس»، لكنْ تستخدمه إسرائيل لتغطية كل المجازر والإبادات الجماعية المشهودة كمثل ما جرى في الماضي الفلسطيني وما يجري اليوم في غزّة، وما جرى أخيراً في لبنان. وعينُه الوقحة تقف أمام «المساءلة» الإعلامية العالمية فلا تهتز لا من سؤال ولا من استيضاح ولا من اتهام. وحتى ردّه على المحكمة الجنائية الدولية التي اعتبرته مجرم حرب مع وزير دفاعه السابق يوآف غالانت، كان ردّاً ينفش الريش على مَداه، مع أن قراراً كهذا لا يُرَدّ بين الدول. ولا تزال غزة تحت المذابح اليومية بمعدل ساعات قليلة بين المذبحة والأخرى، ونتنياهو لا يشبع دماً ودماراً وعدواناً. وسيخرج من لبنان وتحت جِلْدةِ رأسه ورؤوس جنوده ضربات مقاتلي «حزب الله» على الحدود، مصحوبةً بلَومِ الذات لأنها لم تختلق أعذاراً أكثر وجاهةً لاستدامة الحرب.
وفي شخصية نتنياهو الذاتية دراسة « ميدانية» لكل زعماء إسرائيل من زمن هرتزل إلى زمن إيهود أولمرت مروراً بكل جزّاري نشأة الكيان ورؤساء الحكومات ووزراء الدفاع في الحروب مع العرب، ويحاول أن يبزّهُم في حروبهم ومجازرهم وفي نظرياتهم أيضاً.. بنظريات أبعدَ جغرافياً تتناول منطقة الشرق الأوسط كلّها، وعلى المزاج الخرافي اليهودي.
أسلوب عمَل نتنياهو تكبير المشكلة المحدودة إلى أزمة. وتكبير الأزمة إلى مجموعة عقَد. وإلهاء الآخَرين على المستويات الشعبية والسياسية والعسكرية في الداخل والخارج بها. ويتصرف على أساس أن مَن معه، معه، ومن ليس معه «سيصير معه» بفضل العِناد، وأيضاً بخلْق وقائع تحرف النظر عن مبتغاه الأصلي الذي هو «الأنا» إلى جدالات بيزنطية تحاول معالجة مشكلة ليست هي المشكلة الحقيقية، بل الرديفة التي ابتكرها.
من هنا فإن إيران تؤرّقه وتقض مضجع سياساته كلّها في كيفية استطاعتها بناء محور مقاوِم يواجه أميركا وإسرائيل من فلسطين إلى لبنان إلى سوريا والعراق واليمن، ويعتبر نفسه مخوّلاً تكسير عظام هذا المحور من قمّته الإيرانية حتى آخر مقاتل فلسطيني في غزة، مروراً بحريق لبنان.
يريد نتنياهو التفرّغ لإيران. وتهديداته لها شبه يومية. لكن ربما وصول الرئيس الأميركي دونالد ترامب يفرض عليه نوعاً من الرقابة الذاتية على ما قد يفكّر فيه لإيران النووية، ريثما تتكوّن لدى ترامب رؤية معيّنة لمستقبل العلاقات معها سلباً أو إيجاباً.
أمّا تحقيق وعوده الفاشلة على مستوى المنطقة بالمزيد من الإصرار عليها، فهذه طبيعة فيه: عدم الإعتراف بالفشل في «إنهاء» أعدائه وذلك ببثّ وعود إضافية والسعي إلى إنجاحها ولو أدّت إلى فشل مضاعَف. ولديه نظرة استعلاء فاجرة تجاه كل مسؤولي إسرائيل السابقين، الأموات والأحياء، وحتى كذلك إلى وزراء حكومته الذين يعملون معه، وبعضهم إختارته زوجته سارة بنفسِها كما يردد الإعلام العِبري.
لم يُظهِر نتنياهو ضعفاً واضحاً في الفترة الماضية إلّا في حالين:
الأولى بعد عملية «طوفان الأقصى» حين سافر إلى الولايات المتحدة وفرنسا وبعض دول الغرب مخطوف اللون، مزمجراً وطارحاً إسرائيل كقضية «وجودية» طالباً دعماً للرد على ضربة «حماس» القاسية التي زلزلت الكيان نفسياً!
والثانية عندما لم تقبل زوجته سارة بإمرار مسألة خيانته الجنسية لها بسرية، ففرضت عليه الظهور أمام الإعلام والاعتذار لها!
نتنياهو وسارة «نموذجان انتهازيان» يقول بعض الإعلام العِبري، مُعبّراً عن «تدخّل» مُشين لا يتورّع هو عن الاعتراف الضمني به، كتأثيرها في اختيار وزراء زوجها، مثلاً؟
ويقال في الإعلام الأميركي أن كثُراً يظنّون أن نتنياهو سيأخذ من ترامب كل ما يريد كما في «العهد» الأول، ويتابعون.. أن ما يريده «هذا المتهم بجرم الإبادة» مشحون بالأوهام التي قد تضطر ترامب إلى وضع حدّ لها، لا التورّط فيها!