مقالات مختارة >مقالات مختارة
مشروع الشرق الأوسط الإسرائيلي… أو "قوس للمجازر" من غزة إلى طهران
مشروع الشرق الأوسط الإسرائيلي… أو "قوس للمجازر" من غزة إلى طهران ‎الجمعة 27 12 2024 07:31
مشروع الشرق الأوسط الإسرائيلي… أو "قوس للمجازر" من غزة إلى طهران

جنوبيات

من أراد معرفة حقيقة الشرق الأوسط الجديد الذي يُكثر قادة صهاينة حاليين وسابقين من الحديث عنه في الآونة الأخيرة، ما عليه سوى استحضار مشهد الكلاب التي تنهش أجساد إخواننا الفلسطينيين الشهداء الذين ارتقوا برصاص الجيش الصهيوني بالقرب من معبر نتساريم. لم يكن سرّاً أن مقولات «إعادة صياغة» الشرق الأوسط، أو «تغييره» أو «توسيعه»، هي جميعها إسرائيلية المصدر، وتعني في الواقع تدمير دوله ومجتمعاته.

غير أن أصواتاً أميركية أكاديمية وسياسية «مرموقة» هي التي تولت الترويج لها بداية في مطلع تسعينيات القرن الماضي؛ أتحفنا المؤرخ الأميركي، والصهيوني العضوي، برنارد لويس، بمقاله المنشور في «فورين أفيرز» في أيلول 1992 بعنوان «إعادة التفكير في الشرق الأوسط»، ودشن حملة في أوساط الأكاديميا ومراكز الدراسات لم تتوقف لأكثر من عقد، تلقّفها المحافظون الجدد في أوائل الألفية الثانية وحولوها إلى سياسة رسمية لإدارة جورج بوش الابن.

من يهاجم المقاومة في لبنان عليه التفكيرملياً في هذا السياق المحلي والإقليمي الجديد

الجديد اليوم هو أن هذه المقولات باتت أهدافاً معلنة لحكومة بنيامين نتنياهو، الذي أعلن أن غاية حروبه في غزة ولبنان وسوريا، وربما إيران غداً، هي «تغيير الشرق الأوسط». قدّم وزير خارجيته جدعون ساعر شرحاً إضافياً لمضمون هذه الغاية ضمن كلمته في حفل تسلّمه لمنصبه في 10 تشرين الثاني الماضي، عندما دعا لإقامة «حلف أقليات» مع «الأكراد والدروز» ضد «الغالبيات» في الإقليم. أمّا آموس يادلين، الرئيس الأسبق للاستخبارات العسكرية الإسرائيلية، فقد رأى في مقال منذ أيام في «فورين أفيرز» بعنوان «نظام إسرائيلي في الشرق الأوسط»، بأن على إسرائيل الاستناد إلى ما اعتبره «إنجازاتها العسكرية» في غزة ولبنان وسوريا لبناء منظومة إقليمية تضمها مع الإمارات والسعودية ومصر والأردن، بدعم من الولايات المتحدة، في مواجهة ما سمّاه بـ«محوري الإسلام السياسي»، أي محور إيران وحلفائها من جهة، ومحور تركيا وقطر والتيارات الإسلامية السنّية من جهة أخرى.

ولا شك أن التغول العسكري الإسرائيلي في الإقليم وما بدا لقادة الكيان نجاحات وانتصارات في الميدان، والتطورات التي شهدها الإقليم، وتحديداً سوريا بعد انهيار نظامها السياسي، هي عوامل أسهمت في فتح شهيتهم التوسعية وأحيت أحلامهم بصيرورة كيانهم قوة إقليمية عظمى، تستأسد على جوارها، وتنهش من أرضه وموارده. قد يشير البعض إلى أن الوقائع على الأرض غير مطابقة لما يروجه القادة الصهاينة، وأن قوى المقاومة في المنطقة لديها من القدرات والإمكانات ما يكفي للتصدي لمشاريعهم، وهذا صحيح بلا ريب. لكن، وكما أظهرت التجارب التاريخية العدة، فإن القناعات التي ترسخ في أذهان صناع القرار في دولة ما، لأسباب عقائدية وأخرى مرتبطة بنجاحات عسكرية وسياسية، كثيراً ما تحمل هؤلاء على الأخذ بخيارات جامحة ومتطرفة ستصدم، بالضرورة، في المحصلة النهائية، بالحقائق الصلبة.

إسرائيل التي شعرت بالتهديد الوجودي بعد عملية «طوفان الأقصى» البطولية، قرّرت، بعد استنفار الغرب الجماعي لنجدتها ومشاركته الكاملة في حروبها، تحويل التهديد إلى فرصة، والانتقال إلى الهجوم لقلب المنطقة رأساً على عقب. ويأتي انتصار دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية الأميركية، الذي يعتقد أن «حدود إسرائيل ضيقة كثيراً»، وفقاً لتعبيره منذ أسابيع، ليعزز من خيار التغول والجموح.
شعوب المشرق العربي والإسلامي ودوله المحورية أمام تحدٍّ غير مسبوق نتيجة للتغول الإسرائيلي. بعضها في فلسطين ولبنان وسوريا أمام تهديد وجودي لا أقل! من يهاجم المقاومة في لبنان عليه التفكير ملياً في هذا السياق المحلي والإقليمي الجديد، بدءاً بـ«الخروقات» الإسرائيلية اليومية لاتفاق وقف إطلاق النار عبر عمليات النسف والتجريف لبيوت قرى وبلدات الحافة الأمامية في جنوب لبنان والقتل العمد والمتكرر للمواطنين اللبنانيين وجنود وضباط الجيش اللبناني، ومشاريع بث الفتن وإطلاق ديناميات التفتيت الطائفية الداخلية، وعجز «الشرعية الدولية» وقراراتها عن ردعها. الحريص فعلاً على سيادة واستقلال لبنان عليه العمل على تأسيس جبهة مقاومة تضم جميع قوى الشعب اللبناني لمجابهة التغول الإسرائيلي.

أمّا في فلسطين، حيث تستمر حرب الإبادة في غزة، ويعد الصهاينة العدة للشروع بعملية تطهير عرقي متسارعة في الضفة الغربية والقدس، فإن شرط بقاء شعبها هو الأخذ بخيار المقاومة وتطويرها نوعياً.

الأمر نفسه ينطبق على سوريا حيث بادر الجيش الصهيوني إلى تدمير القدرات العسكرية السورية بعد انهيار النظام السابق، والاستيلاء على مساحات جديدة من أراضيها، والتشجيع رسمياً لتوجّهات انفصالية لتمزيق البلاد ودفع أبنائها للتنازع والاقتتال. المساعي الديبلوماسية لن تجدي نفعاً وإفساح المجال لمن يريد مقاومة الصهاينة ليفعل هو الحل.

إيران التي تقع في دائرة الاستهداف الإسرائيلي مدركة لهذا الواقع ويؤكد قادتها على جهوزية بلادهم للتعامل مع مثل هذا الاحتمال. تركيا مستهدفة أيضاً من التغول الإسرائيلي عبر اللعب بالورقة الانفصالية الكردية التي أشار إليها أكثر من مسؤول إسرائيلي وستوضح الأيام كيفية تعاطيها مع هذا الأمر. اليمن، من جهته، منخرط في صراع مباشر مع الكيان ومن المحسوم أن هذا الصراع إلى احتدام.

ما هو مصير الأردن في حال استمرار وتعاظم التغول الاسرائيلي مع تسارع التطهير العرقي في الضفة الغربية؟ السؤال المطروح هو عن كيفية تعاطي بقية دول الإقليم المركزية مع التغول الإسرائيلي. هل سترضى مصر والسعودية بنظام إقليمي بقيادة إسرائ

رفض النظام الرسمي العربي في بداية التسعينيات، مع انطلاق مسار التسوية، المشاريع «الشرق أوسطية»، التي بشر بها شمعون بيريز ضمن مخطط لفرض قيادة إسرائيلية على المنطقة، ما أدى إلى نشوء ما سمي يومها بالمحور المصري-السعودي-السوري بعد قمة القاهرة في أواخر 1994. هل ستوافق الدولتان الإقليميتان على الانقياد خلف إسرائيل نتنياهو-بن غفير-سموتريتش؟ الأفعال لا الأقوال هي التي ستتيح فهم حقيقة السياسات التي ستعتمدها. غير أن الأكيد هو أن أول المعنيين، أي الشعوب المستهدفة بالتغول الوحشي الإسرائيلي، ستقاوم بما أوتيت من قوة مشروع تحويل الإقليم إلى قوس للمجازر.

المصدر : الاخبار- وليد شرارة