بأقلامهم >بأقلامهم
هل سينضم الساحل السوري ووادي النصارى إلى "دولة لبنان الجديد"؟
هل سينضم الساحل السوري ووادي النصارى إلى "دولة لبنان الجديد"؟ ‎الأحد 29 12 2024 17:51 العميد محمد الحسيني
هل سينضم الساحل السوري ووادي النصارى إلى "دولة لبنان الجديد"؟

جنوبيات

لم يكن هناك من حاجة لمشاهد انهيار نظام بشار الأسد للتأكيد على أهمّية سوريا في رسم المعادلات الإقليمية لا بل الدولية، أو حتى في قدرتها على الإحاطة والتأثير في القضايا العربية والإسلامية عامة، كونها أصلاً تتميز بقيمة استراتيجيّة تاريخية في أي مشروع جيوسياسي محتمل في منطقة شرق البحر المتوسّط. لذا حينما تقاطعت مصالح، بطريقة أو بأخرى، كلٍّ من الولايات المتحدة وإسرائيل وتركيا وقطر وروسيا في سوريا على إخراج إيران وحلفائها منها، حصل السقوط السريع لنظام الأسد، والانحسار الكبير للمشروع الجيوسياسي الايراني في المنطقة على حساب المشروع الجديد. مما رفع من مستوى مغامرات تركيا الخصم التاريخي لإيران منذ مئات السنين. خاصة وأن كثيرين يرون في الرئيس التركي "رجب طيب اردوغان" طموحات دولية لاستعادة أمجاد السلطنة العثمانية الاسلامية، ودلالتهم على ذلك في توسع النفوذ التركي من محور باكو (أذربيجان) شرقاً حتى ألبانيا والبوسنة غرباً، وصولاً إلى ليبيا ومصر (أبان مرحلة الإخوان المسلمين)، عدا عن تصريحاته الأخيرة التي تناول فيها الانقسامات التي أعقبت الحرب العالمية الأولى، بأنها حالت دون جعل حلب وحماة وحمص وإدلب جزءاً من تركيا، كما غازي عنتاب وإسطنبول.

هذه التصريحات التي تفوح منها رائحة العودة بالحاضر إلى تاريخ قد ولىّ، لإحياء دور السلطنة على البلاد العربية من "الباب العالي"، تؤكدها "الثوابت الجيوسياسية" مع الدول صاحبة النزعات التوسعية، التي لا تتغير بل تُبقي على أهدافها الاستراتيجية من ضمنها "التوجه الامبريالي"، مهما تبدل أو اختلف شكل الحكم فيها، سواء كانت إمبراطوريات أو ممالك أو سلطنات أو خلافة إسلامية أو حتى أنظمة رئاسية ديمقراطية أو ديكتاتورية. كما هو الحال مع الرئيس الروسي "فلاديمير بوتين" الذين يتهمونه بأنه يريد استعادة "الأمجاد السوفياتية" وآخرون يقولون إنه يريد استعادة "الأمجاد القيصرية الروسية" وليس السوفياتية. وهذا ما ينطبق تحديداً على تركيا اليوم، التي في محاولات سعيها الدؤوب للسيطرة على المنطقة، قد تتحول من دولة إسلامية معتدلة إلى جمهورية إسلامية متطرفة، من ضمنها سوريا، التي تقف على مفترقين أساسيين، إما حكومة إسلامية متشددة تؤدي إلى تقسيم البلاد، أو حكومة وطنية جامعة تعمل على توحيدها، وذلك للأسباب التالية:

1. يشكّل الفضاء الجيوسياسي عازلاً كبيراً نحو النهوض والتطور في كل من العراق وسوريا ولبنان نتيجة للحروب الأهلية والنزاعات الإثنية والمذهبية التي مروا بها. فجعلت من أرضهم ساحة للمواجهة بين الدول الإقليمية والعالمية، أفضت إلى تدخل هذه الدول في شؤونهم الداخلية وبالتالي إلى سهولة السيطرة عليهم. ومن قبل ذلك كانت قد عملت على تسهيل انتشار الجماعات المسلحة فيما بين العراق وسوريا ولبنان، تحمل فكراً اسلامياً متطرفاً لمواجهة المدّ الايراني، مما أدى إلى إيقاظ موروثات تاريخية لدى هذه الجماعات، حول أحلام العودة إلى عهد الخلافة الإسلامية سواء كانت أموية عربية أو عثمانية تركية.

2. ملف التعيينات السورية لا سيما الأخيرة منه، حيث أبرزت التوجه المستقبلي للنظام الجديد، لاسيما في تعيين "أنس حسن الخطاب" المعروف بأبو أحمد الحدود، مديراً جديداً للمخابرات السورية، والذي في نفس الوقت يشغل منصب نائب قائد هيئة تحرير الشام تحت قيادة أحمد الشرع (الجولاني)، ورئيس جهاز الأمن العام ضمن هذه الهيئة. حيث كان عضواً سابقاً في تنظيم القاعدة، وما زال مدرجاً على قوائم الارهاب الأممية. والأخطر من هذا كله أنه مطلوب في العراق بتهم القتل والتفجير، أما في لبنان يعتبر "أنس الخطاب" و"أحمد الشرع" من المتورطين بقتل وخطف جنود الجيش اللبناني يوم شارك مسلحو "جبهة النصرة" مسلحي "داعش" في احتلال بلدة عرسال اللبنانية في العام 2014، وكذلك في تفجيرات ضاحية بيروت الجنوبية، فضلاً على أنه يجري البحث والتدقيق في مدى تورط "أنس الخطاب" من عدمه في تفجير حافلة الركاب المدنية في مدينة طرابلس شمال لبنان في العام 2008، التي ذهب ضحيتها 12 قتيلا على الأقل بينهم ثمانية جنود من الجيش اللبناني.

3. توحي المؤشرات السياسية والأمنية والممارسات الميدانية للإدارة السورية الجديدة ذات الفكر الإسلامي السني المتشدد أنها تخطوا تجاه خيار الحكم الاسلامي، إنما على نقيض ما قام عليه "حكم الإخوان" في مصر أو في تركيا، التي تعتبر اليوم اللاعب الأقليمي والدولي الأكثر نفوذاً على الساحة السورية، كل هذا لما تُمثله دمشق في هذا الفكر من "مركز الثقل" للفتوحات الإسلامية تجاه بلاد الأناضول والشمال الأفريقي حتى الأندلس. فضلاً عن أنها العاصمة الأولى للدولة الأموية التي يُنسب إليها الانتشار الجغرافي الواسع للإسلام حول العالم.

لكن قبل كل هذا فإن "أحمد الشرع" ملزم أن يستبق هذه الخطوة بثلاثة إجراءات، أولها في توحيد الفصائل المسلحة كافة ضمن جيش سوري واحد بمساعدة تركية - قطرية مشتركة، فهل يقدر على ذلك؟ ثانيها في محاولة بسط سيطرته الأمنية والعسكرية على كامل سوريا بغرض توحيدها بما فيها نزع سلاح الأكراد، فهل توافق واشنطن على دخوله كوباني؟ وثالثها العمل على طمأنة الكيان الاسرائيلي من خلال إعلان انتهاجه سياسة "الحياد"، فهل ترضى حكومة الاحتلال فقط بهذا الإعلان؟ وماذا بعد أن أصبحت تركيا على تماس مباشر معها؟ فهل تعدل عن محاولاتها لإضعاف ايران الشيعية في ظل تمدد النفوذ السني التركي في المنطقة؟ في مطلق الأحوال سيؤدي أي فشل للإدارة السورية الجديدة في توحيد البلاد إلى مشهدية تقسيمية، وهذا يصب في مصلحة كل من الولايات المتحدة الأميركية واسرائيل الداعمتين للأكراد السوريين، لكنه يتعارض مع الطموحات والأهداف التركية في سوريا، وأهمها القضاء على أي أمل في منح الأكراد حكماً ذاتياً في الشمال السوري، أضف على ذلك أطماعها بعودة سوريا إلى الحضن العثماني عبر جعلها ولاية تركية مستقلة.

وهذا ما "يُؤرق" مجلس التعاون الخليجي باستثناء قطر، بانتظار أن تتوضح الصورة الرسمية لتوجهات الدولة الجديدة في سوريا، وكما في الخليج كذلك في بيروت، فقد كان ملفتاً تصريح "أحمد الشرع" حول العلاقة مع لبنان حين قال: "ضرورة عدم التدخل بشكل سلبي في لبنان". فهل هناك من تدخل سلبي وتدخل إيجابي بين الدول؟ فمفهوم التدخل في الشؤون الداخلية لأي دولة تحت أي عنوان هو تدخل بحد ذاته وانتهاك لسيادتها. من هنا توحي مجريات الأحداث في سوريا وانعكاساتها على لبنان، فضلاً عن معادلة "الثوابت الجيوسياسية" لدى الدول التوسعية، باستمرار استراتيجية التدخل السوري في لبنان بطريقة أو بأخرى. بالمقابل ما على لبنان سوى الانتظار والتحصن لواحد من أمرين: أولهما في قيام دولة سورية قوية، حينها قد تسعى إلى ابتلاع لبنان اقتصادياً وسياسياً تبعاً لنظام الحكم فيها، ووفقاً لمسار زحف السياسيين اللبنانيين نحو الشام، وثانيهما في تقسيم سوريا، حيث سيرتد الأمر سلباً على لبنان في حال الفوضى الأمنية العارمة التي قد تعصف مجدداً بالمنطقة، وإيجاباً في حال تم التوافق على حماية الأقليات في المنطقة ضمن مشروع دولي، عبر ضمّ الساحل السوري مع وادي النصارى إلى "لبنان الجديد"، على أن يصبح "محميّة جغرافية وسياسية" للأقليات في الشرق…فهل نحن مقبلون على هذا اليوم؟ وهل يُعلن عن قيام "دولة لبنان الجديد" وفقاً لنظام متطور هو مزيج من الفدرالية واللامركزية؟

المصدر : جنوبيات